الطالبانـي والحكيم بين المصالح وتأييد الكرد
جميــل روفـائيــل
بدايــة ، شـخصـيا وبصراحتي المعـهودة دائما ، أقـول : كانت نظرتـي
المتكونـة من الملاحظة عـبر سـنوات طويلـة عـن السـيد جـلال الطالبـاني قبـل تسـلمه
منصب رئيس الجمهوريـة ، تختـلف عـن النظرة التي حصـلت عـندي بعـد توليـه المنصـب ،
وطالمـا تسـاءلت مـع نفسـي ، مـا سـبب هـذا التغـيـّر ! !
وكنت أحسـب لذلك أسـبابا ، مثـل : متطلبات الرئاسـة ومسـايرة للأوضاع العراقيـة
وكسـب ود كـل الأطراف ، إنطلاقـا من موقـع الرئاسـة بالنسـبة للجميع . . وإرضـاء
لعلاقاتـه الخاصـة مع المجالات الدوليـة .
لكـن تسـاؤلاتي ، وضـع السـيد الطالبانـي نفسـه حـدا لهـا عنـدما ظهـر لنحـو خمسـين
دقيقـة في قنـاة العربيـة ( برنامج من العـراق ـ الأثنين 9 / 1 / 2006 ) فقـد أفـاد
( لا أتذكر ما قالـه بالضبط نصـا ، ولكن إطاره هـو ) أن الشـعب الكردي لا يمكن أن
ينسـى معـارضة آيـة اللـه العظمـى السـيد محسـن الحكيم ( والد السـيد عبدالعـزيز
الحكيـم ) القتـال ضـد الكرد . .
وشـخصـيا ، أعـتبر أن هـذه المعارضـة ينبغـي النظر إليـها بالإمتـنان . . وأعـتـقد
أنهـا جاءت إنطلاقـا من مبـدأ عـدم محاربـة المسـلم للمسـلم الـذي يقـتضي أن
يلتـزمـه كل مرجـع دينـي مسـلم . .
ولكـن الحقـيقة ، إذا كانت جماهيـر السـليمانية خرجت تلقائيـا ( كمـا قـال السـيد
الطالبانـي ) للترحيب بالسـيد عـبد العزيز الحكيـم وصـفقت لـه على مـدى خمس دقائق
متـواصلة إنطلاقـا من مشـاعـر العرفـان بالجميل لوالـده لتحريـمه القـتال ضـد
الكـرد . . ( وهنـا لسـت في مجـال ما عـرفناه في العراق منـذ عـقـود من تصريحات
للمسـؤولين السياسيين عـن ديموقراطية تلقائيـة خروج الجماهير في المناسبات التي
تهـم السـياسيين ) وإنـما أرى أن مـن حقـي وحـق الكثيـرين غـيري ، إنطلاقـا من
الديموقراطيـة التي لاتزال متـوفرة هـذه الأيـام لأبداء الـرأي في الكتابـة
والكـلام والسـؤال والإسـتـفسـار ، أن نسـأل :
لمـاذا خـصّ السـيد الطالباني إمتـنانه فقـط لصـاحب التحـريم . . ونسـى أو تناسـى (
على طريقـة الجعفـري مع المرحومـة حفصـة العمـري ) : ـ
أولا ـ رجـال الدين المسـيحيين الذين أعـرف مالايقـل عـن عشـرة منهـم بين شـهيد
وسـجين وبيشـمركة ، ناهيك عـن آلاف المسـيحيين ( من الكلدان الآشـوريين السـريان )
الذين أسـتشهدوا وسـجنـوا وشـردوا مـن أجـل القضـية القوميـة العـادلة للأخـوة
الكـرد ( ولا أريـد أن أذكر الأسـماء خشـية أن أغبـن حـق أحـد منهـم ، ولا بـد أن
الأخـوة في القيادات الكرديـة يعـرفونهم جيـدا باعـتبار أن الأمر متعـلق بهـم
وبمسـؤولياتهم التاريخيـة ) وانـا لازلت أتذكر ( وكـأن ما حصل هو أمـام عيني الآن )
العـقيد صعب ( أعـتـقد لقـبه التكريتي ) آمـر الجحفل الخفيف في وقت عبدالسلام
وعبدالرحمن ( عارف ) كيف كان يأتي إلى تللسـقف ومع سـرية من جنـوده وجماعات من (
الفرسـان الجحوش ) ويجمعـون في بيادر القريـة العشـرات من وجهـاء القرية
وسـياسيـيها ويربطوهم ( بالفلـقات ) ويشـبعوهم ضربا و يرغـمون أهل القرية التفـرج
عليهم ، طالبيـن منهم الإعـتراف بمن يعمل مع الحركة المسـلحة الكرديـة . . أمـا
الجريمة التي أرتكبت بحق قريـة سـور ( أعتـقد أن هذا هو إسـمها أو قريب منـه ) في
قضـاء زاخـو والتي كان من ضحاياها قـس القرية . . وغيرها من القـرى المسـيحية التي
دمـرت وقتـل أهلـها وشـردوا فلا أعـتقد أنها خافيـة على الأخـوة الكـرد .
ثانيـا ـ الفئـات والشـخصيات الوطنيـة العـراقية التي وقـفت إلى جانب حـق الأخـوة
الكـرد منـذ إنطـلاق حركتـهم المسـلحة ، وقاتـلت إلى جانبهم بالسـلاح والكلمـة
والمنابـر المحليـة والدوليـة . . وأعـدم الطغـاة الصداميون وغيـرهم آلافـا منهم
بسـبب دعـمهم لحقـوق الشـعب الكردي وحركتـه المسـلحة .
واللافـت أن السـيد الطالبـاني ، الـذي ألـمح في برنامـج العربيـة الذي تحدث فيـه
أنـه فكريـا علمانيـا ويسـاريا ، دافع عـن الطائفيـين الشـيعة وفكـرهم المناقض
كليـا للعلمانيـة واليسـارية والديموقراطيـة والحريات الشـخصية والإنسـانية وأعـتبر
كل الإتـهامات الموجهـة إليـهم بأنـها مضخـمة وبعـيدة عـن الواقـع ، وأسـتغـرب مـن
( اعـتبار إعـتـقال أفـراد موازيا لتفجيـرات الإرهابيـين ) وأعـتبر أيضا أن
الدسـتور ( الذي وضع في إطار مصالح الكرد ونـوايا الطائفيين الشـيعة بالشـكل
المسـتمد من ممارسـات الحسـينيات ) مـمتاز ويعـارض تعـديله ، وأن الإنتخابـات
عـادلة ونزيهـة ولـم يتطرق أبدا ( وكأنـه لـم يسـمع بـها أو أن ما قيـل عـنها ليس
حقيقـيا ) إلى حـرق مقـرات الشـيوعي والوفاق وعمليـات القـتل في الثورة والناصرية
والبصرة وغيرها . . ومحاولات القتـل ( ومنـهم الوطني العلمانـي أيـاد عـلاوي ورجـل
الدين الوطني أيـاد جمال الدين ) التي قـام بـها الطائفيـون الشـيعة وميليشـياتهم
تحت أنظار الشـرطة المتـفرجة . . وفرض الشـريعة الطائفيـة والحجـاب والويل والثبـور
في الدنيـا والآخـرة لمـن لا ينـفذ . . فهـل ( أيها العلمانيـون اليسـاريون )
ينبغـي تبـرير كل هـذا وغـيره والسـكوت عليـه أو تجاهلـه مـن أجـل معارضـة ( أحدهم
) القـتال ضـد الكـرد ؟ ؟ عـلى رغـم أن الـذين ينصب عليـهم غضـب الطائفيـين الشـيعة
( هـذه الأيـام ) هـم وفئـاتهم كانـوا بيـن الذين ضحـوا بحياتـهم وعـذبـوا
وأغتيـلوا ولوحقـوا وشـردوا مـع الأخـوة الكرد وضـمن مجـال حقـوقهم وحريـة
العـراقيـين جميعـا . . في وقت كان غالبـية الطائفـيين الشـيعة إمـا يرتـدون عبـاءة
صـدام وصحوتـه الإيمانيـة ، أو يشـيعـون لولايـة الفـقيه في إيـران حيـث يسـرحون
ويمرحـون بحمـد الخمينيـة .
والأدهـى أن السـيد الطالبـاني ، دأب دائمـا على إنكـار أي تدخـل إيرانـي في شـؤون
العـراق ، ووجـود أطماع إيرانيـة في العـراق ، وأن ( الطائفيـين الشـيعة ) ليس لهـم
أي أرتبـاط مشـبوه مع إيـران ، على رغـم أن الطائفيـين الشـيعة أنفسـهم كثيرا مـا
تباهـوا بمسـاعدات إيـران لهـم وعلاقاتـهم الرائعـة معـها وإعـجابـهم بنظامـها (
القائـم على ديموقراطية الشـريعـة وولايـة الفـقـيه ) .
بعـد يوميـن من تصريحـات السـيد الطالباني للعربيـة ، إتصـل بـي صديـق يعيش في دولة
أوروبية وذكر لـي أن والدته التي تعيش في العمارة أبلغـته ، أن جماعـات مقـتدى
الصدر وغيرهم ( فقـد ضاع حسـاب كثرة إنتماءاتهم على والدتـه ، إذ كل مـلاّ حسـينية
لـه جماعـة مسـلحة يسـميها جيش ) يجوبـون شـوارع العمـارة وأزقتـها ( وغالبيـتهم
كانـوا من جلاوزة النظام في زمـن البعث ) ومعـهم أسـلحتهم الناريـة إضافة إلى (
قامـاتهم الحسـينية ، التي إزدادت طولا وعـرضا وحـدة بحيث صارت أقرب إلى الطبـر ،
فصار الناس المساكين يطلقـون عليهم : أبو طبـر ) وهيـهات للرجل الذي لـم يطلـق
لحيـته أو يضـع الرباط ( اللعـين ) في عـنقـه . . والويـل للمرأة التي تظهـر شـعرة
من شـعر رأسـها خارج مجال حجابها المفروض عليها ، فهي لا بـد أن تختـطف ( ومصيرها
يبقى منوطـا بضمير الذين لا ضمير لهـم ) . . والحـال نفسـها تخيـم على البصـرة
والكوت والناصرية وكربلاء والنجف والحلة والسـماوة والديوانية والثـورة ( وغيـرها
من المناطق الخاضعـة لعصابات الطائفيين الشـيعة في بغـداد وغيـرها ) حيث فرض أتـباع
ولايـة الفـقيه الإيرانية سـلطانهم وأوامـرهم بنيـران دعـاة الشـريعـة التي تلاحق (
بالأسـاليب الديموقراطية ) كل من لا يؤمـن بالطاعـة الكاملة .
وهـل يعـقل أن السـيد الطالباني ، وهـو رئيس جمهورية كل العـراق ، لايعـرف كـل هـذا
؟ ! ! أم أن المصـالح هي التي تتحـكم بالأقـوال وربـما بالأفعـال أيضا ، واضعـة على
أعلى الرفـوف المبادئ والأفكار والسـجل الشـخصي والحقائق الواقعـية ؟ ! !
شـخصيا ، أنـا لا خـلاف لـي ، لا سـابقا ولا آنيـا ولا مسـتقبلا ، مع مطالب الأخـوة
الكـرد ، وصولا إلى حقـهم بالأسـتقلال وتكوين دولتهم الكردية التي يتـوقون إليها .
. وإنـني من دعـاة أن يكون سـهل نيـنوى محافظـة ضمن المجال الجغـرافي لأقليـم
كردسـتان . . . ولكـن رغـم كل هـذا فمن طبعـي وسـلوكي الذي ألتـزمه دائما أن لا
أغـمض عيـني وأؤيـد من أنـا إلى جانبـه على ورق أبيض ، بحسـب مقـولة ( أنـا وأخي
على إبـن عـمي وأنـا وإبـن عمـي على الغـريب . . مـن دون الإهتـمام بمـن هو على حـق
ومـن هـو على باطـل ) . . فأنا ملـتزم مـع نفسـي ومبادئـي أن أبقـى ثـابتـا على
النهج الذي سـلكتـه في التأيـيد المشـبع بالبصـيرة الكاملـة . . وكـذلك في
المعـارضة على النهج نفسـه .
ومـن هـذا المنطلق ، إنـني أرى أن إصطفـاف السـيد الطالباني إلى جانب الطائفييـن
الشـيعـة ( ومعهم على الجميع ) لـن يكـون في مصلحـته ومصلحـة تاريخـه الشـخصي على
المـدى الطويل . . ولا أدري إن كانت مؤازرة الفيديراليـة الطائفية الشـيعية تحت
المسـميات الجغـرافية الخداعيـة ( التي يشـم منـها روائـح خطـوة التهيـؤ للإنضـمام
إلى جمهوريـة إيـران الإسـلامية ) تـفيد حقـوق الأخـوة الكـرد في المرحلة الراهـنة
؟
وإذا كان الشـئ بالشـئ يذكـر ، فإنـنا نذكـر كيف خـدع الخمينيـون مهـدي بزركان
وحزبه الحريـة والشـيوعيين وحزبهم تـودة ومجاهدي خلـق ومعهم الرئيس بني صـدر
والأذريبجانيين ( الذين هم داخل إيران ) ومعهم شـريعتمداري والأكراد حتى إغتالـوا
زعيمهم قاسـملو ( في ألمانيا ، كما أعتـقد ) وصـولا إلى المنتظري والخاتـمي . .
ورسـخوا الطائفيـة الشـيعية بحسـب متطلبات ولاية الفقـيه ، وذلك كلـه من خلال
إسـتغـلال المسـاجد والحسـينيات وميليشـيات الحرس الثـوري السـيئة الصيت . . وهـو
مـا نـرى خطـواتـه في العـراق . . فأنتـبهوا يـا أولـي الألـبـاب . .
وبالتـأكيـد ، إن تجـربتي مع شـرور الأميركيـين والفسـاد الطائفـي الـذي نشـروه في
منطقـة البلقـان ( الذي عيـني وأذنـي وأقلامي وكتاباتي شـهدت و تشـهد عليـه وسـتبقى
كذلـك ) وتـرويجهم لأهـل المنطقـة ( في كرواتيا والبوسـنة وصربيا ومقدونيـا
وكوسـوفو ـ كل أراضي يوغوسلافيا السابقـة ومـا يحيط بـها ) إمـّا نحـن ( الأميركيون
) هنـا أو العـودة إلى حروبكم وصراعاتكم الداميـة ، وتـرتيب أوضاع المنطقـة على
هـذا المنـوال ، جعلتـني أصـدق بأن الأميركيين يريدون ( بلـقـنة ) العـراق إلى
الحـد الذي يصبح وضعـه متـدهورا وطائفيا ومتصارعـا وحروبا أهليـة وبشـكل يكـون على
سـكانه الإختيـار ( بيـن أميـركا والزرقاوي ) ومـا أصعـب الإختـيار عـندما يكـون
بيـن شـرّيـن ، كلاهـما فتـاك وقـاتـل ومـدمـر . .
ولا غـرابـة في كل ذلك لأنـها المصالح ( التي كشـفتها الوثـائق التي نشـرت ) التي
دفعـت أميركا للتضحية بصديقـها الحميـم شـاه إيـران وأن تأتـي بالخميني في طائـرة
ليحـل ( رويـدا رويـدا بدل الشـاه ) وذلك لأن الشاه على رغـم ولائـه لأميركا فقـد
كان عاقـلا ، فلـم يسـتخدم طاقاته لمواجهة جنـون صـدام وتعطشـه للدمـاء والدخول في
حرب على مدى ثمـان سـنوات من أجـل عـيون الصديقـة أميـركا . . ولـم ينـفذ كل أوامـر
أميركا ضـد الحكومة المواليـة للسـوفييت في أفغانسـتان . . هـذه أشـارة عـبرة
لاغـير لمـن يتذكـر ويحسـب ولا يقـع في المصـائد والشـراك ، نعـم السـياسـة ألاعيـب
ولكـن ينبغـي أن لا تخـلو مـن حسـابات وحسـابـات وحسـابـات .
موقع الناس http://al-nnas.com/