|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  1 / 11 / 2016                                 جلال رومي                               كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

مناضلون من بلدي

جلال رومي
(موقع الناس)

يقول المثل الفيتنامي ...

اذا كنت حجراً فكن ماساً.... واذا كنت معدناً فكن ذهباً ... واذا كنت طيراً فكن نورساً... واذا كنت انساناً فكن شيوعياً...

هذا المثل ينطبق حرفيا على مناضل شيوعي وهو مثلي الاعلى فهذا الرفيق الشهيد البطل كان صلبا كصلابة الالماس ونقيا كنقاوة الذهب الصافي ووديعا كوداعة النورس ,هذا بطل اسطوري ويستحق ان يكون اسمه بجنب كبار المناضلين كسلام عادل وفهد وجيفارا وجياب .... الخ ولماذا لا نعطي لمناضلينا هذه الصفات التي يستحقونها فما قدموه ليس اقل من الاخرين ففدوا وطنهم بارواحهم  .

المناضل الذي اود ان استذكره اليوم هو المناضل عامل البناء (ياسين حمة صالح حاجي قادر) من اهالي السليمانية حيث تعرفت عليه لاول مرة في مقر البتاليون التاسع الواقع في قرية دولكان الايرانية المقابلة لناحية ماوة التابعة لمحافظة السليمانية في بداية الثمانينات كان في بداية العشرينات من عمره وكانت لغته العربية ضعيفة لكنه كان يحب ان يغني الاغاني العربية حتى حتى تلك التي لم نسمعها من قبل ، لكن اغنيته المفضلة كانت اغنية (اللي مضيع ذهب بسوق الذهب يلكاه بس اللي مضيع وطن وين الوطن يلكاه) ، كان متحمساً للعمل ومستعداً لكل مهمة يكلف بها مهما كانت من الصعوبة لانه ابن المهمات الصعبه ، كان يساعد جميع الرفاق وخصوصا الرفاق العرب الجدد لكونهم لا يجيدون اللغه الكرديه ولا يعرفون المنطقة فكان خير مساعد لنا ,ترافقت معه كل السنين حتى لحظة استشهاده التي سأتحدث عنها لاحقا .

اشتركت معه بعدة عمليات لاننا كنا نعمل في نفس البتاليون ونفس السرية وكنت عضو مكتب السرية وفي البداية هو نصير ولم يحتل في البدايات اي مركز قيادي بالسرية لكنه دائما يكون القائد الفعلي لاي مفرزة موجود بها لامكاناته ولنشاطه ولطاقته حيث كان قوي الجسم يمتاز بالضخامة وله طاقة كبيرة كأنه سوبر مان ، ففي احدى العمليات المشتركه مع الحزب الديمقراطي الكردستاني لضرب مواقع النظام في مجمع قلعة جولان صيف 1982 كلفت انا بأمرية المفرزة وكان معي 6 رفاق من ضمنهم الرفيق ياسين كنت انا حامل سلاح RBG 7 .

كان الطريق بعيداً ووعراً جداً حيث تحركنا من قرية اسمها (جنيان) في منطقة (شربازير) حوالي الساعة الثانية عشر ظهراً لنصل الى مكان العمليه حوالي الساعة التاسعة مساء .

كان في كل الوقت بجانبي ليحميني حتى لا اضيع الطريق لكوني لا اعرف المنطقة وانقطع عن المفرزة وكان يحاول تخفيف الثقل الذي احملة حتى انه اجبرني ان اعطية القذيفة الاضافية التي احملها ويعمل نفس الشئ مع الرفاق الاخرين, بعد ان نفذنا العمليه التي دمرنا فيها احدى ربايا العدو حيث احترقت بالكامل وحصلنا على قذائف واعتدة من المتعاونين مع الانصار بالمجمع ، حمّل ياسين نفسه بعدد كبير من القذائف والعتاد حيث قال لي : رفيق الحزب يحتاج عتاد.

ولم يفكر ابدا بأن الطريق طويل ووعر لأننا اضطررنا مجبرين بالسير بأوعر الطرق واصعبها لان قوات النظام قطعت جميع الطرق والممرات الجبلية التي تتوقع خروجنا عبرها من المجمع ، بالقصف المدفعي الكثيف .

لكنه كان سعيداً جداً بما يحمله للحزب .. كانت هذه المرة الاولى التي يأتي بها الى المنطقة وفي ليلة دامسه الظلام قاد المفرزة بالكامل بالطريق الصحيح واوصلنا لاول قرية بعيدة عن المجمع اسمها (هه رمن) حيث تناولنا بعض الاكل الساعة الثالثة والنصف فجراً وبعدها رجعنا من حيث ما جئنا .

رفيقنا ياسين في كل وقت ومكان كان هكذا اذا دخلنا مدينة السليمانية كان القائد وفي المقدمة عندما نذهب لزراعة الألغام بالقرب من مواقع العدو كان الحارس الامين على الرفيق الذي يقوم بالمهمة في كثير من الاستطلاعات . كنا نذهب سويه فكان هو في المقدمة وصاحب الرأي الصائب .

في احدى المرات في بدايه 1983 كان الحزب بحاجة الى ادوية فاستطلعنا احد المراكز الصحية القريبة جدا من المعسكرات التابعة لناحية (بنكرد) انا وهو ورفيق اخر فكان الرفيق امر مفرزة في ذلك الوقت ورجعنا وناقشنا في مكتب السرية فيما اذا كنا نقوم بالعملية ام لا ؟ وما هو عدد الرفاق للقيام بهذه المهمة ؟ فكان رأي الرفيق ياسين نحتاج فقط اثنين فتعجبنا فقال انا ورفيق اخر شخصه بالاسم وهو (شاخوان) لانه ابن المنطقة وقال ان العدد الكبير يمكن ان يثير الانتباة وهناك طريق يمكن ان نتسلل من خلاله وننفذ المهمة وقلنا له لكن نرسل رفيق او رفيقين لحمل الثقل معكم فقال انا وحدي مستعد لحمل اكثر من مئة كيلو اضافة الى سلاحي ..

اقنعنا لاننا نعرف امكانياته وبالفعل قام بتنفيذ المهمة بعد عشر ساعات وصلا مع الادوية ومعهما حمار صغير .. قال : بعد ان وصلنا الى منطقة آمنة ، استعرنا هذا الحمار الضعيف حيث قال اصحابه خذوه ولا ترجعوه لانه كبير العمر ولا نستفيد منه ولا نعتقد سيوصل لكم احمالكم للمكان الذي تقصدوه.

كثيرة وكثيرة المهام التي قام بها الرفيق ، فلو احتاج رفاق القاطع رفاقاً بمهام سريعة وخطرة استعاروا الرفيق ياسين كإيصال بريد سريع وما شاكل ذلك للقيادة والرجوع بنفس الوقت كان على استعداد كامل  .

ونتيجة احتياج مقر قاطع سليمانية وكركوك لمثل هذا الرفيق فقد نسب للمقر واصبح امر فصيل في صيف 1983 فكان يرافق رفاق القاطع بجولاتهم ولقاءاتهم مع القوى الاخرى اضافة الى كل الاعمال العسكرية التي يحتاجها الرفاق من البتاليونات الاخرى .

في 20 ايلول قام الرفيق ابو تارا والرفيق ابو لينا بالنزول من (كرزال) حيث كان مقر القاطع مع مفرزة القاطع بقيادة الرفيق ياسين الى منطقة شهرزور لمتابعة قوات الحزب هناك حيث في هذه الفترة كانت قواتنا تتمركز هناك مع قسم من قوات حدك وحسك ومن الجانب الاخر تتواجد قوات اوك وكذلك تتمركز القوات الحكوميه متمثلة بالفيلق الاول للجيش العراقي حيث كانت هناك معارك على جبهة بنجوين وفي فترة تواجد رفاق قيادة القاطع جرى تقدم كبير من قبل القوات الحكومية مع اعداد هائلة من الجحوش من مناطق مختلفة من كردستان جرى التقدم على قريه (سولميش) يوم 25 ايلول حيث كانت سرية شربازير العائدة للبتاليون التاسع هناك .

السرية كانت بقيادة الرفيق (عمر حامد) المسؤول العسكري وانا المسؤول السياسي والرفيق (شوان) المسؤول الاداري وكان معنا الرفيق (ماموستا سردار) عضو مكتب البتاليون . لا اريد ان اكتب عن المعركة .. فقط اركز على دور الرفيق ياسين بالمعركة .

الرفيق لم يكن معنا في بداية المعركة لكن بعد اشتدادها واقتراب دبابات العدو للقرية بعد الظهر وبدأ عتادنا ينفذ ، طلبنا عن طريق الجهاز الذي كان مع الرفيق (ماموستا سردار) اخلاء الجرحى وتزويدنا بالعتاد ، مهمة الوصول الى القرية صعبة للغاية لان القرية شبه مطوقة والهلكوبترات تجوب السماء ..

كان الرفيق ابو تارة والرفيق ابو لينا والرفيق احمد رجب والرفيق ماموستا كمال في قرية (تبة كل) فاختاروا مجموعة رفاق للقيام بهذه المهمة واوكلوا قيادة المفرزة بالرفيق ياسين على ان يرجعوا بعد ذلك الى قرية (تبه كل) مع الجرحى ..

تمكنت المفرزة من الوصول الينا مع كميات كبيرة من العتاد ، وغادرونا مع الرفاق الجرحى الا ياسين ، فقد رفض الرجوع وقال بالحرف الواحد : رفيق احمد تريد تحرمني من المعركة ، هذه فرصة اواجه بها العدو .

كان اغلب رفاقنا متعبين جدا وكان الرفيق (يوسف عرب) قد استعمل القاذف RBG 7 لاكثر من خمس ساعات متواصلة وبحاجة ان يستريح لفترة ولو قصيرة فكانت هذه فرصة ياسين ، فتلقف القاذف وبدأ يقذف دبابات العدو بنيرانه التي لم تنقطع .

اختار زاوية احد البيت المهدمة خندقاً له ، وعند وصول الدبابات لبداية القرية عند ينبوع الماء في اسفل القرية اكتشفت الدبابات من اين تأتي هذه الحمم فركزت على قصف المكان . وفي اللحظة الاخيرة من حياة هذا البطل كنت على بعد امتار منه ، وانا ايضا كنت احمل قاذف RBG 7 اشاهد الرفيق ياسين يصوب نحو الدبابة والدبابة توجه مدفعها صوبه وانا اصرخ ياسين انتبه، ومع انطلاق قذيفته أنطلقت قذيفة الدبابة بنفس اللحظة لتضرب الجانب الايسر من جسمه ولتنهي حياة هذا البطل الفذ ، النصير الاسطورة ابن الرابعه والعشرين ابن العائلة الشيوعية التي قدمت الكثير والكثير للحزب .

في نفس يوم استشهاد ياسين جاء الاب ليستلم جثمان ولده الطاهر ونحن نبكي لخسارتنا الكبيرة جاء الاب ليصبرنا على مصابنا ويقول كل واحد منكم هو ياسين وبالمناسبة الاخ الاصغر لياسين جرح في نفس المعركة .

حيث كانوا ثلاثة اخوة معنا في السرية والأب في هذا اليوم لم ينسى ان يجلب معه البريد الحزبي من السليمانية فاي عائلة مناضلة هذه .

الف الف تحية لروح هذا الشهيد البطل ولشهداء الحزب.
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter