|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأربعاء 13/2/ 2013                                 جلال رومي                               كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الوفاء

جلال رومي ( أحمد عرب )

عندما كنت منشغلا بعرض بعض قطع الحلى في محل الصياغة الذي اعمل فيه لأحد الزبائن سمعت صوت امرأة طاعنة في السن تتحدث الكردية . ورغم اني لا اجيد الكردية إلا ان حبي لهذه اللغة اضافة الى فضولي دفعني الى الحديث معها . فرحت تلك المرأة التي ترتسم على محياها كل علامات الطيبة وسألتني من اي مدينة انا وكيف تعلمت اللغة الكردية ,أخبرتها اني من بغداد هناك ترعرعت على ضفاف دجلة وتنقلت بين الكرخ والرصافة , إلا اني ومع اشتداد القمع ضد القوى والأحزاب الوطنية اضطررت الى تغيير مكاني وانتقلت الى كردستان العراق حيث التحقت بصفوف البيشمركة مع انصار الحزب الشيوعي العراقي...وبقيت هناك حوالي عشر سنوات. ولذلك فاني اعرف الكثير من مناطق السليمانية مثل شهرزور وقره داغ ود ربندي خان و بازيان ودوكان والعديد من القرى الاخرى.

وبعد ان اصغت لي باهتمام شديد وعيناها تلمع كشابة تستمع الى قصة مؤثرة فاجأتني بأنها ايضا شيوعية .ثم سألتني بعد بعض الاحاديث ان كنت اعرف يوسف عرب *. في تلك اللحظة قفزت الى ذاكرتي كل الاوقات التي عشتها مع الشهيد البطل يوسف عرب , الرفيق الذي جرى أسره في معركة سوليميش في 25-09-1983 وذلك بعد ان نفذ عتاده .وجرى اعدامه في اليوم التالي في معسكر عنب قرب حلبجة . كان بطلا حقيقيا ولعب دورا كبيرا في تكبيد العدو خسائر جسيمة ! كنت معه في نفس السرية حيث قاتلنا جنبا الى جنب وكنت معه في نفس تلك المعركة التي اسر فيها .كان نموذجا رائعا للإنسان المناضل والشيوعي المقدام.

- كيف تعرفينه يا خالة ؟

 لم تخبريني كيف تعرفين الشهيد يوسف عرب ؟

عوضا عن الاجابة بادرتني بسؤال أخر وكانت شغوفة بتلك اللحظات وكأنها تعيشها الان , وهل تعرف ياسين حاجي محمد؟

انه بطل اخر استشهد بنفس تلك المعركة بقذيفة دبابة كان الشهيد يستهدفها بقذيفة  ر.ب.ج 7 فبعد ان انطلقت قذيفته باتجاه الدبابة اخترقت جسده قذيفة قادمة من تلك الدبابة وأستشهد في الحال .نقلنا جثته الى قرية ته به كل ثم جاء والده ووالدته وأخذوا جثمانه الطاهر الى السليمانية وقبلونا واحدا واحداً وقالا لنا  (ان كل واحد منكم هو ياسين) .

وبعد سكون قصير وترقب مني وشوق لسماع حكاية تلك الخالة الطيبة بدأت تقص حكايتها مع الشهيدين  قالت انها كانت تذهب مع ام ياسين الى المقبرة لزيارة ابنها . وهناك تذهب ام ياسين اول الامر الى قبر يوسف عرب فتعتني به وتقلع الاعشاب وتضع الزهور عليه وتسقيها الماء .ثم تنتقل الى قبر ابنها

وتعمل الشئ ذاته. وكان ياسين ويوسف متجاوران ,بالضبط كما عاشا وكافحا سوية في تلك السرية بكردستان ضد نظام البعث الدموي ,وأضافت بأنها عندما  سألت الكردية الشهمة ام ياسين لماذا لا تبدأ بقبر ابنها ؟

اجابتها الاخيرة (ان يوسف غريب هنا وليس له احد من اهله يعرف مكانه فوجدت من الواجب ان ابدأ به في كل مرة ازوره هو ورفيقه ابني ياسين ,ففي هذه الغربة أنا له ام ايضا ... لدي ولدان شهيدان ياسين ويوسف, وسألتها كيف حدث ذلك ؟ أكان الامر صدفة­ ؟

- لا اجابتني .

فبعد اعدام الشهيد يوسف ارسلوا جثمانه الى الطب العدلي قي السليمانية وبقي هناك عدة أيام حيث لا يعرف أحد من أهله بذلك ,كما لا يجرأ أي احد على المطالبة بجثمانه ,كان جلاوزة النظام الصدامي ظالمون الى درجة لا يتصورها العقل ويمكن ان يعملوا اي شيء لعوائل او اقارب الانصار.

لقد عرف ابو ياسين ,حاجي محمد, بالأمر فذهب الى الطب العدلي وعرض نفسه الى الخطر وقدم الى (الفراش) وبعض العاملين هناك رشوة كبيرة مقابل ان يأخذ جثمان يوسف .وبسرية تامة وارى جثمانه الثرى قرب رفيقه وصديقه ياسين .تقاسما هذا المثوى الاخير الذي حضن شبابهما كما كانا يتقاسمان نفس القاذف لضرب دبابات صدام .لقد بنى ابو ياسين الضريحين وعمل لهما سياجا وعلق هناك لوحة كتب عليها ,هنا يرقد الشهيدان الشابان ياسين حاجي محمد ويوسف عرب .      

لم اتمالك نفسي فأخذت بيد تلك المرأة الكردية العجوز وقبلتها وقلت لها.....انكم شعب وفي.         

                                                                           

* الشهيد يوسف عرب وأسمه كاظم ورار من اهالي السماوة والشهيد ياسين كردي من أهالي السليمانية  

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter