|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  8  / 9 / 2016                                 جاسم المطير                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 
 

 

بعض مسارات التحول في الوضع العربي وانفكاك الوحدة القومية..

جاسم المطير
(موقع الناس)

السؤال الاول: هل غدت مقرات الجامعة العربية هدراً للمال العربي العام..؟

السؤال الثاني: هل غدت وظيفة الامين العام لجامعة الدول العربية وظيفة ترفيهية زائدة..؟

السؤال الثالث: هل تجمد تمثال القومية العربية في متحف الآثار والتراث والافكار الى جانب الاتحاد السوفييتي المنهار..؟

من السهل الاجابة على هذه الاسئلة، لكن من الصعب قراءة الوضع العربي الحالي بعد تغييرين اساسيين كثيفين بالساحة العربية الحالية:

1 – التغيير الاول هو الغزو الامريكي للعراق وسقوط نظام الدكتاتور صدام حسين في نيسان 2003 ..

2 - التغيير الثاني هو انتفاضات شعبية في بعض اجزاء العالم العربي عام 2011 وسقوط انظمة الاستبداد في تونس ومصر وليبيا ..

من هذين التغييرين نشأت فلسفة، ذات خاصية معقدة صعبة الفهم والتأويل والتحديد بيسر او سهولة. التغييران صنعا اوضاعاً عمومية في العالم العربي ،كله، ليس من السهل اختراقها ،فكرياً، بأي تحليل، ماركسي او قومي او وطني أو فوكويامي، لأن امورا تحدث، كل يوم، تسري بممرات الوضع العربي والسياسي والامني والاقتصادي حتى غدا من الصعب على صموئيل هننتجون الامساك به. كما صار على المحللين من اتباع اساليب الادباء كافكا او صموئيل بيكت او جون بول سارتر ان يتخلص من ازدواجية القلم والموقف.

من الواضح جداً ان جميع الاحداث والتفاعلات الجارية في العالم العربي (تونس، مصر، العراق، ليبيا، فلسطين، سوريا، لبنان، الأردن، اليمن) ليست على نسق واحد وليست متجانسة لا بالتغيير ولا بالمعاني ولا بالهروب منها ولا بطريقة ايجاد الحلول. على العكس تماما من الوضع العربي في القرن العشرين حيث يتوفر موقف اعام شامل من الصراع العربي – الاسرائيلي او من قضايا التنمية والتحضر والتكامل .

جميع بلدان العالم العربي اصبحت تواجه حالة صيرورة جديدة، صيرورة التفكير بحلولٍ، ليس للمستقبل العربي الغامض، بل التفكير بحلولٍ لمشاكل الحاضر العربي، بالبحث عن اساليب جدية وجديدة مبتكرة في السياسة والتسلح كحلٍ من حلول مشاكل بناء (سلطة) او (نظام) من نوع يحاكي شكل (الديمقراطية الغربية) بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية بالعقد الاخير من القرن العشرين .

هذه المحاكاة تتطلب (وضع النظر)، اولا ، ثم (وضع اليد) ، ثانياً، على حقيقة التفاعلات الجارية بالعالم العربي منذ بداية القرن الحادي والعشرين عموما ومنذ عام 2011 خصوصا. لا بد من تشخيص :

اولاً: المعادلة الامنية العربية الجديدة بعد نهوض قوى الانتحار الاسلامي- السلفي المتطرف من امثال داعش واصوله او فروعه.

ثانياً: انقلاب انماط التحالفات العربية رأساً على عقب . النظام السوري متحالف مع روسيا . العراق متحالف مع ايران وامريكا.. السعودية متحالفة عسكريا مع 10 بلدان عربية ومع 20 بلد غير عربي.. تونس ومصر وليبيا لها تحالفاتها غير العربية المتغيرة أيضا.

ثالثاً: جميع انواع الاستقطاب بالساحة العربية (تقلبت) و(تغيرت) حتى اصبح الامر السياسي – العسكري الحالي متميزا بنوع من (القصور) في الرؤية السياسية وبنوع من (الهشاشة) في الجوانب العسكرية وبضعف كبير الى حد التمزق والتفكك في (البنية الاجتماعية). لم يعد البهاء السياسي منبع الحياة العربية كما كان الواقع في اوائل القرن العشرين، أصبح الصراع والاختلاف ،مصدرا لبتر العلاقات وتقطيعها وليس مجرد تفكيكها كما هو الحال الواقع في نموذج الوجود اليمني الراهن.

رابعاً: تنامي الاختراق الاجنبي داخل الساحة العربية جميعا في المشرق العربي وفي المغرب العربي أي (من الخليج حتى المحيط). لم يعد التدخل الاوربي – الامريكي مهدئا للأوضاع ولا التدخل الطائفي السعودي – التركي – الايراني مرمما للأوضاع، بل اصبحت التدخلات جميعها عنصرا رئيسيا من عناصر التراكم في الازمة العربية الراهنة .

التراكم الخلافي في داخل المجتمع العربي وخارجه اوجد حالات جديدة في العالم العربي يمكن الاشارة الى اهمها:

- عزلة البلدان العربية بعضها عن البعض الاخر اصبحت واضحة ومعمرة لانشغال كل بلد بمعالجة أموره الداخلية الملتهبة.

- ضياع احلام الجامعة العربية ومشاريعها ومؤتمرات القمة في أروقتها.

- ظهور حركات وافكار واحداث وكيانات ارهابية اسلامية مخيفة في جميع البلدان العربية.

- تشرذم القوى الوطنية والتقدمية وانعراجها عن وحدة العمل السياسي المشترك.

- دخول الاختراق الاجنبي اعتمادا على اقتناص فرصة اختلاط وتناقض السياسة العربية في اغلب البلدان العربية.

- انتحال فرص البناء الاقتصادي العربي على السرقة والفساد المالي والاداري بأغلب البلدان العربية.

- فقدان التناظر والتكامل في الاقتصاد العربي وازدياد حالات اللاتوازي بالاقتصاد النفطي، الذي يعاني اكبر ازمة انتاجية وسعرية بالوقت الراهن .

- انتشار قاعدة الملفات السياسية – الاقتصادية الشائكة والمتصارعة بين البلدان العربية واتساع نطاق صراعاتها وازماتها البنيوية العميقة وتضارب المنافع الى حد الخصومة القاسية بين عدد من البلدان العربية.

- توسع فاعلية الدولة المركزية المهيمنة بغياب الممارسة الديمقراطية الحقيقية ودون وجود أي اطار حقيقي لحل الخلافات الداخلية داخل بناء وانماط كل دولة من الدول العربية

- كما انتشرت العصابات المنظمة داخل جميع المجتمعات العربية تمارس اسوا اعمال النهب والقتل والسرقة واختطاف الناس من العرب والاجانب واغتصاب النساء والتجارة بأعضاء بشرية متنوعة .

كل ذلك وغيره أدى الى تنامي مسارات الصراع حتى داخل الكيانات البرلمانية الهزيلة ببعض البلدان العربية، حيث تحول البرلمان اللبناني الى تعطيل نفسه بنفسه .. لم يستطع حتى انتخاب رئيس الدولة .استمر لبنان بلا رئيس جمهورية، منذ اكثر من ثلاث سنوات .. البرلمان العراقي تحول الى ساحة التكامش والتخامش والتشاتم ،كما تحول البرلمان الليبي الى كتلة بشرية داخل قارب تتلاعب به امواج البحر الابيض المتوسط .

هذه الظواهر وغيرها الكثير رسمت خطوط انكسار العمل العربي المشترك واضاعت ،أولا وقبل كل شيء ، حدود المعادلة الامنية المشتركة. كما جعلت القضية الفلسطينية ،عربيا وعالميا، قضية انعزالية انفعالية مجردة ، خصوصا بعد انقسام الشعب الفلسطيني نفسه الى (حماس) في غزة والى (فتح) في رام الله للعيش كــ(قبائل سياسية صحراوية) تجرب البحث عن هوية الاستقرار بزمن اصبحت فيه اسرائيل استاذة دول المنطقة بالسلاح والمال والتخطيط والقدرة على اخفاء فطرية الثنائية الاستعمارية – الاستيطانية .

كل هذا لم يحقق تفكيك المجتمع العربي وتصديع سياسة واقتصاديات دوله فحسب، بل ادى منذ عام 2011 على وجه التحديد والتخصيص الى جر جميع الدول العربية من دون استثناء نحو مسار تحولي، سلبي، قائم على عدم الاستقرار الاقتصادي وعلى نمط من السياسة المتقلبة ملامحها الداخلية ، المتغيرة قواعدها الخارجية.. اصبحت بنتيجتها كل دولة من الدول العربية مفككة (داخلياً) بمثابة دولة طرفية منعزلة تبحث عن محددات التحالف الدولي (خارجياً) وفق قدرات اشكال وسباقات الاختراق الاجنبي نفسه لجميع المواقع العربية بديناميكية ، متداخلة وسريعة.

الامثلة كثيرة وعميقة على تفكك ليس العلاقات بين الدول العربية بعضها مع البعض العربي فقط ، بل ان (التفكك الخارجي) القى بظلاله على (الداخل الوطني) لكل دولة من الدول العربية . مثال ذلك نجده في المملكة الاردنية الهاشمية حيث رؤية الاوضاع فيها مستقرة خلال العقود الثلاثة الاخيرة ، لكن بدأ فيها خطر التفكك متفككة بسبب الوضع الاقتصادي الصعب خاصة بعد نزوح اللاجئين السوريين والعراقيين ونمو التيار السلفي ووجود حقيقي لقواعد تنظيم (جبهة النصرة) على حدودها مع سوريا وتنظيم (داعش) على حدودها مع العراق .كما تعمق التفكك في الجبهة الداخلية اللبنانية نتيجة الاستقطاب التنافري الحاد بين القوى الوطنية وبسبب تدخلات حزب الله اللبناني المسلح بسوريا .

امواج التفكك تتحرك بأساليب مختلفة وبأهداف مختلفة وباحتماليات مختلفة نرى خطوطها مرسومة بكل بلدان العالم العربي ومقارباته لأن بعض افكارها او شعاراتها او غرائزها تحمل نوعا ما من نزعات (التفكك) وربما نزعات انفصالية اصلا مثل واقعية انفصال جنوب السودان واحتمالية انفصال كردستان العراق وافكار كثيرة اخرى تكتسح ليبيا بمجموعة من الاصوات الرنانة تدعو الى تقسيم ليبيا الى اجزاء ثلاث بطرف من اطراف شمال افريقيا ، بينما نسمع ، بانتباه فائق، الى تحرك مليء بالحيوية يدعو الى انشاء دولة الطوارق بأطراف اخرى من الشمال الافريقي.

من الصعب الان رؤية الزهد والعقلانية في سياسات الحكام العرب اذ عاد نظر الحكام مرتكزا الى ثروات الصحراء العربية بزمان الثورة العلمية – التكنولوجية. كل سياسة عربية نراها قائمة بدراية حكومتها، أو بغفلتها، على الاتجاه الى تنحية دور الاخرى تريد ان تكون لها بديلا تمر فوقه الى تحقيق اهدافها بتجريب (صحراوي – قبلي) في استخدام العلم والتكنولوجيا بالبلاد التي تقطنها وتحكمها حتى ولو ادى ذلك الى مضايقة الجار العربي في الشمال او الجنوب، في الشرق او الغرب.

صار المثل الاول والامتثال الاول هو الخضوع والاخضاع لصورة (التفكك) و(الابتعاد عن الآخر) حتى لو تم ذلك نتيجة الخضوع للإرادة الاجنبية او الاختراق الاجنبي.

يتوسع التفكك العربي في التاريخ الراهن وحتى في التاريخ المستقبلي المنظور، ليس على وفق علاقة (المُضطَهد) و(المُضطِهد) كما في التاريخ السحيق، بل على وفق عوامل سلطوية داخل نوع جديد من الفلسفة السياسية العربية الجديدة المتكونة ضمن اطار المشاكل القائمة مع (التطرف الديني) من جهة ، ومع علاقات الحرية الاتية من الديمقراطية الغربية من جهة اخرى.

باستطاعتي القول ان الحكام العرب ، حاليا ومستقبلا، بحاجة الى كسب الشرعية الانتخابية كي يضفوا على وجودهم شكلا من اشكال المعرفة الديمقراطية لتبرير التفكك العربي في الشرق الاوسط ، المتجه بأساليب سياسية متوحشة (فرويدياً) بجوهرها عبر طرف من اطراف اللسان الديمقراطي بشكلها قائم على مزاعم واهية او على نوع من انواع (البهلوانية السياسية) في زمان ضاعت فيه افكار هيجل وابن رشد وجورج برناردشو وشكسبير وكارل ماركس وافلاطون وديكارت وابن خلدون وسبينوزا وجون لوك وجان جاك روسو وجميع اصحاب التجارب الفلسفية في السياسة والادارة التي تزعمت اوربا وامريكا لتبني على اراضيها دولا متقدمة تتمتع بخيراتها شعوب متحضرة .

حلت محل كل ذلك، مع الاسف، افكار متقاربة او متباعدة مع سيد قطب واسامة بن لادن ومحمد بن عبد الوهاب واردوغان وغيرهم ، تبنى على انقاضها دولاً، مفككة تعيش على ارضها شعوب فقيرة ، مضعضعة التفكير والأفكار.
 


بصرة لاهاي في 5 – 9 – 2016



 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter