|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  2 / 11 / 2017                               جاسم الحلفي                               كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

سوق «شيخ الله»
قبل الاستفتاء وبعده

جاسم الحلفي
(موقع الناس)

اتصلت بعدد من الاصدقاء الكردستانيين، كردا وكلدوآشوريين، وكان ذلك قبل الاستفتاء. عبرت لهم عن قلقي من قرار المضي في الاستفتاء، وتحدث معهم عن التداعيات المتوقعة التي سيخلفها ذلك. بيّنت لهم تصوري لما ستؤول اليه اوضاع محدودي الدخل والكادحين والفقراء في الاقليم، الذين سيكونون اكبر المتضررين من هذه السياسات، التي سرعان ما تنقلب عليهم وبالاً.

ركزت في حديثي على نموذج لكادح كردي يعيش في احد احياء اربيل الشعبية، كغيره من العاملين في القطاع العام في اربيل، ولا يحصل على راتبه الشهري بانتظام وبشكل كامل. فقد استلم عشرة رواتب من اصل اثني عشر راتبا في عام 2016، وفي هذا العام وحتى شهر تشرين الاول الفائت لم يستلم سوى سبعة رواتب من اصل عشرة.

يضاف الى ذلك ظلم آخر، فهو لم يستلم راتبه كاملا، بل 75 في المائة فقط من مجموعه الكلي. وهو برغم ذلك يعتبر محظوظا بالمقارنة مع اقران له في مؤسسات اخرى، يستلمون نصف الراتب فقط. في وقت تثقل كاهلهم فيه مستلزمات الحياة الاساسية، وتضغط عليهم المتطلبات الضرورية. وهذا المواطن الكادح لا يعرف شيئا بالطبع عن بضائع المولات، فهي ليست الاسواق التي تناسب دخله الشحيح، انما هو يقصد الاسواق الشعبية، وسوق «شيخ الله» بالتحديد في مدينة اربيل هو اكثر الاسواق رخصا.

وقتها سألت اصدقائي في كردستان: هل سيغير الاستفتاء حياة هذا المواطن، ويحولها الى رفاه وسعادة، بعد ان يوفر له ولعائلته مستلزمات العيش الرغيد؟ وهل سيُؤمّن له الامان والاستقرار؟ ويجعله يبدل سوق «شيخ الله» بالمولات التي يتبضع فيها تجار الصفقات والنفط والسياسة؟ ام انه سيجعل حياته اكثر توترا، ويضيف الى مخاوفه الناجمة عن العوز وضغط الحياة، خوفا آخر من الصراعات المتوقعة، الخارجية والداخلية، التي يصعب التكهن بنتائجها الوخيمة على الامن والمعيشة والاستقرار!

للاسف لم اسمع جوابا مقنعا، ويبدو ان الاصدقاء لم تشغلهم حياة كادحي الاقليم كثيرا، كما لم يسمعوا صوتنا المحذر من التداعيات وخوفنا وقلقنا على حياة الفقراء والعاملين البسطاء، هذه الفئة المهمشة التي ندافع عنها ونتبنى مصالحها عند رسم سياساتنا.

نعم، الكادحون هم من يشغلون البال، وليس تجار المواقف والنفط والسياسة. ومن الواجب الا يتخذ المرء موقفا، خاصة في القضايا المصيرية، من دون ان يحسب حسابا دقيقا ضرورات امن الناس ومعيشتهم!

هذه القضايا كانت وتبقى موضوع سجالي مع الاصدقاء، الى جانب مصير الشعب ووحدة البلاد، والتدخلات الاقليمية، والحرص على المكتسبات التي تحققت، والموقف الموحد ازاء الارهاب، وأهمية اليقظة والاحتراس، لأن المعركة مع داعش لم تنته!

والآن يعود السؤال: مــن المتضرر من صعود اسعار المواد الغذائية في سوق «شيخ الله» غير الفقراء والمعوزين، الذين لا يقصدون المولات ولا يعرفون بضائعها؟

انهم الكادحون الذين لا يتسلمون رواتبهم كاملة ولا بانتظام. انهم عمال كردستان وفلاحوها وفقراؤها، المتضررون قبل الاستفتاء وبعده.
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter