|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء 07/11/ 2012                                           جمعة عبدالله                        كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الاصلاح في فنجان مكسور

جمعة عبدالله 

اعتمد العراقيون على البطاقة التموينية بعد الحصار الاقتصادي الدولي في عام ( 1991 ) ، وصارت مصدر رزق ولقمة عيش تسهم في حلحلة الاعباء الاقتصادية القاهرة , في بلد دمرته الحروب المتواصلة بنزعة مجنون ومعتوه بحب العظمة , وبعد سقوط النظام المقبور , توقع الكثير في زيادة كمياتها وتحسين نوعيتها , وتوصيلها بشكل منظم للمواطن دون تأخير , وتأمينها للعوائل الفقيرة وذوي الدخل المحدود دون تقصير او تلاعب .

لكن الواقع المرير احبط هذه التمنيات وافشل الامال , بفعل الفساد الذي ظهر كالسرطان واحتل مفاصل ومرافق الدولة بشكل معيب ومخزي , فتقلصت كميات المفردات البطاقة التموينية وتفاقمت رداءة نوعياتها , وبدأ التلاعب المبرمج في عمليات النهب والسلب في المشتريات واختيار النوعيات الفاسدة والرديئة ومثال واحد يحدد فداحة وعمق عمليات الفساد في وزارة التجارة .

اذ بلغت معدلات الفساد في البطاقة التموينية لهذا العام ( 2012 ) ما قيمته ( 12,3 ) مليار دينار عراقي ، اقتطع دون وجع من الضمير الحي من مفردات هذه البطاقة , التي ابتلت بممارسة عمليات التلاعب والاحتيال , وهو يدل بشكل قاطع على سوء الادارة وفشل واخفاق في وزارة التجارة من اعلى الهرم الى اسفله , الموبوء برائحة الفساد , الذي صار ظاهرة يومية مقترن بنشاطات الوزارة , دون حسيب او رقيب وفي ظل الفوضى السياسية العارمة في الحياة العامة .

ولهذا يأتي قرار مجلس الوزراء بالغاء نظام البطاقة التموينية وتعويض المواطنين بمبلغ زهيد ومعيب ومخجل ( 15 ) الف دينار , بحجة معاقبة المفسدين , لكنه يساوي بين الجلاد والضحية , وبين العوائل الفقيرة المحرومة من العدل والانصاف , وبين الفاسدين الذين يكتنزون الاموال الطائلة على حساب معاناة الشعب , ان هؤلاء اصحاب الجشع والابتزاز , الذين يستغلون ضعف الحكومة والبرلمان في محاربة الفساد .

ان الرابح الاكبر من هذا القرار المجحف هو الفساد بكل صنوفه , والذين يتحكمون في مصير البطاقة التموينية من تلاعب في مفرداتها , ومن خلال قيمة المشتريات , والكم الهائل من البطاقات الوهمية والمزيفة , وكذلك من خلال اختيار النوعيات الرديئة والفاسدة , ومن خلال توزيعها الى المواطنين بشكل مريب بالاحتيال والابتزاز .

اما الخاسر الاكبر فهم العوائل الفقيرة وذوي الدخل المحدود , ويمثل انهزام شنيع امام حيتان الفساد .. انه قرار غير صائب وغير مدروس ومتسرع , وكان بحق خيبة امل كبيرة وغيرة متوقعة . فقد ظن الكثير ان النخب السياسية المتنفذة , التي تشوهت مكانتها بصفات السيئة والمشينة واهتزت ثقة المواطن بها , بانها ستحاول تجميل صورتها بقرارات تراعي الطبقات المسحوقة والشعبية وخاصة وان انتخابات مجالس المحافظات على الابواب , لكن هذا القرار الجائر والمعيب قصم ظهر البعير , وهذا يؤكد بانها منفصلة تماما عن هموم ومعاناة غاليبية افراد الشعب , لان هذا القرارسيزيد معاناة العوائل الفقيرة ويضيف ازمة جديدة تضاف الى ازمات البلاد الخانقة . لذا فان معالجة البطاقة التموينية تتطلب تحقيق الاهداف التي تصب في دعم ورعاية الشرائح الفقيرة واصحاب الدخل المحدود في تخفيف حدة الضائقة الاقتصادية . وهذا يتطلب العمل على :

1 - ضبط البطاقات الوهمية والمزيفة من خلال عمليات الاحصاء والجرد لمعرفة الرقم الحقيقي عن البطاقات المزيفة
2 - يجب ان تكون البطاقة التموينية مخصصة لدعم ورعاية العوائل الفقيرة والمحتاجة وهذا يتطلب مضاعفة كمياتها وتحسين نوعياتها وزيادة عدد مفرداتها , لانها العامل المهم لمقارعة الفقر والظلم والعوز المادي
3 - اصدار قوانين صارمة وقاسية بحق المخالفين الذين يتلاعبون ببطاقتها من خلال لجنة برلمانية تمتلك الشرعية الكاملة في مراقبة ومتابعة ومحاسبة ومعاقبة الفاسدين وارسالهم الى السلطة القضائية
4 - يجب وضع ضوابط ملزمة لتحديد اسعار المواد الغذائية في الاسواق , ومحاربة ومعاقبة التجار والسماسرة الذين يتلاعبون بقيمة الاسعار من اجل الربح الحرام
5 - يجب ان تكون البطاقة التموينية احدى القلاع المحصنة من الفساد والفاسدين , واعتبارها قلاع آمنة للعوائل الفقيرة وذوي الدخل المحدود , لان الغاء البطاقة التموينية سيزيد من النتائج السلبية لقطاعات واسعة من افراد الشعب
6 - يجب دمج البطاقة التموينية بقانون الرعاية الاجتماعية مثل ماهو معمول به في الدول المتقدمة

اذا اراد فعلآ رئيس مجلس الوزراء معاقبة المفسدين ومحاربة الفساد , ينبغي ان تكون قراراته عادلة ومنصفة بحق المتضررين , وان تؤدي الى قرارات ناجحة , يتطلب استمرار البطاقة التموينية بشكل عادل ونزيه وبعيدا عن حيتان الفساد الذي ابتلاء بهم الشعب العراقي , يجب تضيق الخناق عليهم بالوسائل الناجحة وصيانة حق المظلومين والمحرومين .

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter