|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  21  / 5 / 2015                                           جمعة عبدالله                        كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

رواية ( زوج حذاء لعائشة ) تصب في مناصرة المرأة

جمعة عبدالله 

رواية ( زوج حذاء لعائشة ) هي الرواية الثانية بعد رواية ( انه جسدي ) للكاتبة من اليمن ( نبيلة الزبير ) وهي تحاول اقتحام عورات المجتمعات العربية ومنها ( اليمن ) في كشف ظلم العادات والتقاليد , والثقافات والموروثات الدينية , التي تشكل الجدار الصلب في انتهاك انسانية ونتهاك حقوق المرأة , وتصويرها سلعة جنسية رخيصة , سواء في الشارع او في البيت , نفس السوط واليد الغليظة , وكذلك تزيح النقاب عن مسألة تعدد الزوجات , والزواج من القاصرات وهن في عمر الطفولة , وكذلك تتطرق الرواية الى معضلة التطرف الديني وارهاب الجماعات الدينية المتشددة , ودور الفساد السياسي الذي يسهم في التخلف والاضطهاد الاجتماعي . لاشك ان هذه المحاور الساخنة في المجتمعات العربية , تتطلب الجرأة في الاقتحام والتناول , لكشف زيف التشدد الذي يخنق المرأة ويحجرها في البيت , ولكنها من جانب اخر يفتح نوافذ , ان تنحدر المرأة الى الضياع وسوق البغاء ( غير صحيح يا أبي , الصحيح انه لا تضيع البنات , إلا اذا كان لديهن اخوة اشداء ) ص 17 . ان الرواية حاولت الدخول الى اعماق الواقع , وناقشت مسألة الدعارة والبغاء , من خلال حياة شخوص النساء في الرواية , وكذلك من حالات السجينات المتهمات بالدعارة واسلوب حياتهن وظلم المجتمع المحافظ والمتشدد , الذي يحرم المرأة من انسانيتها , وهذه المقاصد ارتكزت عليها الرواية في التعبير عنها , وتسليط الضؤ اكثر لمعرفة هذه المضامين التي دونتها الكاتبة , لابد من ايجاز حياة اهم شخوص الرواية :

1 - زينب تسجن بتهمة الدعارة , رغم انها كانت وحدها في سيارة التاكسي ولم تفعل شيء يدلل على مخالفة الاخلاق العامة , سوى مشادة السائق مع رجال الشرطة , ورغم انها تمارس البغاء في البيوت ولكن هذه الحالة جاءت عرضاً , ولكي تتخلص من تهمة (المومس) تتزوج من رجل الدين ( طارق ) فقيه وامام جامع , ووافقت على الزواج من اجل التوبة والغفران , والبدأ بحياة طاهرة ونظيفة بعيداً عن الشوائب , وتمضية حياتها في الصلاة والسجود والتقرب الى الله , واعتبرت زواجها , كأنه هدية ومكافأة من الله لها على التوبة , ولكن هذه الهدية ادخلتها في انفاق أسوأ واحقر من دهاليز الدعارة والبغاء , لان زوجها رجل الدين ( طارق ) مصاب بمرض الازدواجية , في الظاهر رجل دين عفيف وصالح , وفي الباطن , رجل مصاب بالشذوذ والشبق الجنسي بالغرابة المجنونة , ومولع بالاغتصاب , ويعتبر المرأة خطيئة ومعصية وسلعة جنسية رخيصة , ويعامل زوجاته الاربعة , معاملة العاهرات وليس معاملة كزوجات حلال , ويمارس الاغتصاب مع زوجاته كاي زبون من الزبائن , ويترك وريقات مالية بعد كل عملية اغتصاب , حتى لو كانت الزوجة على سجادة الصلاة والتعبد الى الله , كما فعل في زوجاته ( زينب وبشرى ) واستمر هذا الشذوذ الغريب , فعندما تمانع او ترفض يصرخ في وجهها , بانه هذا بيت وليس جامع , لذلك أرتأت ( زينب ) استحالة العيش والجمع بين العفة والشذوذ الجنسي , فانفصلت عن زوجها الشاذ جنسياً , واتخذت طريقاً خاصاً لحياتها , بالاعتماد على كس طوق الاضطهاد والدعارة , والتحرر كأمرأة لها انسانية وكرامة , ونجحت بذلك .

2 - نشوى : تعتبر ( دلوعة بابا ) وحارسته الامينة وحافظة اسراره بالمغامرات المجنونة بالشبق الجنسي , وهي حلقة وصل بين ابيها وعاهراته , وهي التي تتابعه عن كثب وفي نفس الغرفة الجماع الجنسي والاباحية , دون ان يشعر بالحرج والخجل والحياء , بل يفتخر بان ابنته شاهدت اباحيته السادية بالجنس عن قرب وعلى مقربة من فراش الفحشاء , وهي صغيرة السن طفلة دلوعة , وحين كبرت , اتخذت هذا الطريق بان تصبح عاهرة في امتياز , ولكن ليس على الزبائن الفقراء , لان هؤلاء عليهم حفظ فلوسهم على عوائلهم واطفالهم , بانهم بحاجة ماسة اليها , وليس ان تعطى الى ( مومس ) مثلها . وتحاول التخلص من هذا المستنقع الاسن , وتختار طريق حر يخلصها من هذا الاضطهاد الاجتماعي , ومحاولة كسر القيود الصارمة على المرأة , وهنا تدخل في باب المحظورات , بان تتفق عائلتها والسلطات الحكومية على سجنها مدة 130 يوماً خوفاً من العواقب الوخيمة القادمة ( امس كانت شرموطة فقط , اليوم شرموطة وسياسية )
ص 218 . سجن تحت الوصايا ( سجن نشوى , لكنه تحت السيطرة , او مجرد ( قرصة اذن ) قبل ان تقع الفأس في الرأس , وتسجن فعلياً ) ص 224 , لكن خروجها من السجن يعمق جراحها بالهوة داخل نفسها , وتحاول ان تشق حياة خاصة بها .

3 - رجاء : بعد تعرض ابيها المقاول الى اصابة خطيرة في العمل , بكسر في عموده الفقري , اقعده في البيت والمرض , وصرف امواله على العلاج دون فائدة , مما اضطرت ( رجاء ) ان تنزل الى سوق الدعارة والبغاء بعلم اهلها , من اجل مواصلة العيش والعلاج , بذلك انخرطت في العمل ك ( مومس ) تعرض خدماتها على الزبون المحلي والخليجي , والامريكي , وخاصة هؤلاء بدأوا يتواجدون بكثافة في المنطقة العربية والخليج , من اجل الدفاع عن الشرف العربي الممزق ( الفرج ) وهذا يتطلب برد الجميل والمعروف الى الاصدقاء الامريكان , بتوفير الخدمات الترفيهية ومنها اشباع شبقهم وغريزتهم الجنسية , للدلالة على الكرم العربي , وذلك بتشغيل ماكنة توفير المزيد من العاهرات وتوسيع تجارة السماسرة و ( القوادين ) في توفير المتعة الجنسية الباذخة بالاباحية الى اصدقاءنا , حتى يحافظوا على الشرف العربي , لكن دون غشاء البكارة . واستطاعت ان توفر لعائلتها الحياة الملائمة في العيش والسكن ( فيلا ) وتحاول كسر قيود المجتمع , بخلع الحجاب , لكنها تصاب بالفشل والاحباط , اذ منعها الحرس الجامعي من الدخول بحجة انها سفور , وتواصل مقارعة الحياة , حتى تحصل على الشهادة الجامعية , وتختار العمل الخاص بفتح شركة مع صديقاتها (نشوى . زينب) وتحمل الشركة اسماء حروفهن الاولى ( نشوى , رجاء . زينب .
N . R . Z ) .

4 - طارق : رجل الدين ( فقيه وامام جامع ) المصاب بالهوس الشذوذ الجنسي والاغتصاب , منذ شبابه وهو مهووس بالعادة السرية , ومتزوج من اربعة نساء ( بشرى زينب . ندى ) واخيراً تزوج ( سعاد ) اكبر عاهرة معروفة في صنعاء بحيث تستخدم ( الوزراء تحت تصرفها ) مصاب في حالات الشبق الجنسي والاغتصاب بشكل غريب , ومن حالة التشدد الى حالة الانحلال الخلقي , بحيث يدعو اصدقاءه الى ممارسة البغاء على زوجته ( ندى ) امامه , رغم انه يحمل ازدواجية الشخصية , في الظاهر رجل دين طاهر وعفيف , وفي الباطن الشذوذ الجنسي والاخلاقي , واخيراً يخلع الثوب الديني , ويتحول الى كبار رجال الصحافة , رغم انه لم يكتب حرفاً واحداً .

5 - ندى : الطفلة عمرها 13 عاماً , تتزوج من رجل الدين ( طارق ) حسب رغبة ومشيئة والدها , باعتبار زواجها هذا يحفظ عفتها وطهارتها ونظافتها , ويصونها من موبقات الحياة الشاذة , لكن تصتدم بحياة قاسية وظالمة , اذ يعاملها زوجها ك ( مومس ) في شوارع البغاء , وليس كزوجة مصانة تحفظ شرفها , ويستغل سذاجتها وطفولتها , بان يداهم غرفة نومها مع اصدقاءه ويتركهم من اجل ممارسة البغاء معها , ولكن عندما وجد الممانعة والرفض , حاول ان يوقعها في مكيدة شيطانية , بتحريض اخوتها على قتلها , بحجة استخدام بيته للدعارة دون علمه , وبالفعل يداهموا اخوتها غرفة نومها , لكن يجدون احدى صدقاتها نائمة معها , وتيقنت بان حياتها في خطر القتل بوجودها في بيت زوجها المصاب بالشذوذ الجنسي . وتهرب وتختفي , تبتلعها الشوارع والذئاب الوحشية بالجنس , ويرسل ( طارق ) ورقة طلاقها , لكي يتخلص من عارها وقتلها , ويحاول الاهل والصديقات البحث عنها , وبعد جهد من البحث , يجدونها جثة مرمية في احد الشوارع , ولايعرفون شيئاً عن طفلها او طفلتها , ولم يتسلم الاهل جثتها خوفاً من العار والفضيحة .

6 - امين : شقيق ( طارق . نشوى , سامية , سلوى . سامية . عارف ) عائلة التاجر المعروف ( قاسم عبيد) . تتسم حياته بالتناقض بالتطرف من اقصى اليمين الى اقصى الشمال , من كان شاب متهور بالعربدة والطيش والخمور والبغاء والقات . ومن غرفته مملوءة بالصور . جون ترافولتا . جيمس بوند . عبدالحليم حافظ . نجلاء فتحي . صور جيفارا , الى التعصب والتشدد الديني داخل البيت وخارجه , ثم ينضم الى الجماعات المتطرفة والارهابية , حتى اعتقدوا اهله بانه من المشاركين في العمل الارهابي في نيويوك , ولكنهم يعرفون في الاخير , بانه سجين في سجن الامن السياسي , وهو متزوج , ويرسل رسائل الى شقيقه ( طارق ) قبل اختفاءه , تتضمن ورقة طلاقه من زوجته , ومطالبة شقيقه ان يتزوج زوجته ويرعى اطفاله , بحجة انه ذاهب الى ساحة الجهاد .

7 - عائشة : لم يرد ذكرها في الرواية , إلا بشكل هامشي في الثلث الاخير من الرواية , بانها ولدت في السجن من امها المسجونة , وحين توفيت تولت رعايتها وتربيتها السجينات وخاصة ( سعدية ) حتى كبرت في داخل اسوار السجن والضياع فيه , واعتبرت السجن بانه موطنها الاصلي , بذلك خرجت مرتين وتعود اليه , الى موطنها الاصلي , او بالاحرى موطنها الانتخابي .

رسوم الشخوص ورمز الحذاء :
انها رواية مرسومة بدقة , في شخوصها بان يتحركون بشكل ديناميكي نابض ومتنقل , وليس البقاء على رتابة واحدة من الجمود والتقوقع , وهذه الخاصية اعطت للرواية قيمة اضافية , اذ لم تستسلم شخوصها النسائية الى تعاطي الدعارة والبغاء والخمر والقات , بالخضوع الكلي والقبول بهذه الحياة الوخيمة والظالمة , بل حاولن ان يتجاوزن هذا الطوق الصارم والانطلاق الى الحياة والعمل بشكل ناجح وقدير , لذلك انهين دراستهن الجامعية , وفتحن مشروع شركة ناجح , يحمل الحروف الاولى من اسماءهن (
N . R . Z) وتسلقن على تطويع الظروف ليكن من نساء المجتمع , بعيداً عن التحكم الذكوري , ونجحن في عملهن وحياتهن بشكل قدير . هذا التحول النوعي يبعث رسالة تحدي وعدم الرضوخ الى العادات والتقاليد , التي تجحف وتظلم المرأة , وهذه بادرة ايجابية من الكاتبة , باعتبار بان المرأة قادرة على اقتحام الاعمال الرجالية , وادارتها بشكل ناجح , وكذلك تؤكد من خلال العمل يمكن ان تحصل المرأة على بعض حقوقها الضائعة .

رمزية الحذاء : فهي متنوعة بالمعنى والاغراض والمقاصد والتعبير ,وتختلف من حالة الى اخرى حسب الحاجة الى (زوج حذاء) . في شخوص الرواية , فاما بالنسبة الى حالة ( عائشة ) فانها بحاجة الى زوج حذاء ليحميها من الظلم المجتمع . اما في حالة (نشوى) بانها ليس بحاجة ان تكون زوج حذاء لاحد , بمعنى رفض الوصاية والتسلط . اما بالنسبة الى ( قاسم عبيد ) الاب المصاب بالتهور الجنسي , والتاجر الكبير , الذي يعرف كيف يستغل الازمات , بتخزين البضائع , وطرحها في الاسواق في الوقت المناسب الذي يكسب اربحاً وفيرة ومضاعفة , ورمزية الحذاء بانه يمثل النفاق والتملق والخداع حتى يكون ثروة طائلة .

الهفوات الصغيرة في الرواية :
لاشك ان الرواية انجزت مهمتها على احسن مايرام , وبالاسلوب السردي الشيق , وعكست صورة الواقع العربي , باحسن اسلوب تعبيري , وخاصة تعامل المجتمع مع المرأة , وطرحت القضايا الساخنة , مثل التطرف الديني وتعدد الزوجات , والزواج من القاصرات , ولكن الرواية تتحدث عن زمن ما يقارب العقدين من السنين , لذا في بعض الاحيان , يكون الرجوع الى التاريخ الماضي يتلبس على القارئ في تنسيق يبدو في بعض الاحيان غير مرتب , وكذلك مسألة الانتقال والتقطيع من الضمير المتكلم الى الضمير الغائب , بعض الاحيان غير منسق مما يخلق حالة من التشويش لدى القارى في متابعة شخوص الرواية , والشيء الاخر , يبدو بان للكاتبة يهمها زيادة عدد صفحات الرواية ( وهي 384 صفحة ) بالاطالة وبعض الاحيان بالحشو غير المبرر , مثل ذكر الحرب الحوثية وغيرها من الاستطرادات الزائدة , ولكن الميزة التي تمثل الفطنة بالذكاء الروائي , بان الكاتبة تعمدت اعطى المعلومات حول الشخوص بالقطارة , من اجل شد القارى الى متابعة التفاصيل الباقية , ومع هذه الهفوات الصغيرة , تبقى رواية (زوج حذاء لعائشة) بانها انجزت مهمتها بشكل خلاق , في عمل روائي رائع , بان يكون صوت لمناصرة المرأة .

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter