|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  15 / 10 / 2016                                           جمعة عبدالله                        كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

رواية ( ذاكرة مدينة منقرضة ) دولة ولاية بطيخ

جمعة عبدالله
(موقع الناس)

 

هذه الرواية هي الثامنة للكاتب (زهدي الداودي) وهي تتناول الشأن السياسي , حين تتزاحم في عقلية اصحاب السطوة والنفوذ , في العقلية التآمرية , من اجل النصب والاحتيال , والصراع المرير بينهم , على النفوذ والمال , رغم انها تتناول حقبة سياسية معينة (الحكم الملكي) لكن مسار احداثها تصلح لكل الحقب , التي مرت على العراق , وخاصة الحقبة السياسية الحالية , في عنوان دولة ولاية بطيخ , وهي تعني الروح الانقلابية بالتخلص من اقرب الحلفاء من اجل الغنائم والفرهود , والفوضى السائدة في الوضع العام , بغياب القانون . حيث تمسك بزمام الامور , عصابات السرقة والنصب والاحتيال , المدعومة بأسناد من اصحاب السلطة والنفوذ , اي بصريح العبارة (حاميها حراميها , ودولة فرهود , وهناك سباق في السرقة , بين اكبر حاكم الى اصغر شرطي , والذين يسرقون , ويتحملون الرذالة هم نحن الفقراء) ص65 .

وتتحدث الرواية باسلوب مبسط ومعمق بالتشويق بالمغامرات التشويقية , التي تقود مسار الرواية , وتنقلها من حالة الى حالة اخرى , كجزء من الصراع الدرامي الرشيق في الحبكة السردية , التي تنوعت اساليبها في العقدة وفي احداث الرواية , في توظيف جملة اساليب , من السخرية الكوميدية الساخرة , الى اثارة المغامرات التي تشبه الروايات البوليسية , وفي متابعة الحدث والتعمق في تفاصيله الدقيقة , في اسلوب سردي يجمع بين التقليد والمعاصرة , وهي تدخل الى اغوار دولة ولاية بطيخ , لتكشف وتعري , اصحاب الجاه , الذين يقودون هذه الولاية , في تدعيم مصالحهم ونفوذهم , بكل الطرق الشيطانية , بعقول عصابات السرقة , في النصب والاحتيال , وروحية المتآمرة فيما بينهم , . وهي تتحدث بضمير الراوي بلغة السرد الاحداث , بأن شلة من المتشردين , الذين يلوكهم البؤس والفقر والجوع والحرمان الحياتي , وهم ثلاثة (شمس الدين . شرف الدين . خير الدين) وهذا الترميز ب (الدين) له مغزى سياسي , بمعنى انحشار الدين بالسياسة وتطويعه لمصالحه . بأن هذه الشلة يسكنون المقبرة ويتسامرون بالعرق المغشوش , وعند تتصاعد نشوة السكر , يبدأ صياحهم وعراكهم وشتائمهم , ولكنهم حين يلتقون مجدداً , تبدأ الالفة والصحبة , وتأنيب الزمن الاخرق , الذي وضعهم بهذه الوضعية المزرية , في الضياع والتشرد , ويقررون في احد الليالي , التي غاب فيها العرق المغشوش من جلستهم , ان تبدأ مسيرتهم الحياتية بسرقة بسيطة , من حانوت (دنخة الاعور) الذي يبيع المشروبات الكحولية والعرق المغشوش , ونجحوا في السرقة , وانفتحت اذهانهم على حالات النصب والاحتيال , وتدرجوا فيها بنجاح في سلوك هذا الطريق الجديد , واصبح وضعهم الجديد في امتلاك المال , ان يهجروا ويتركوا العيش في المقبرة , والبحث عن سقيفة تجمعهم , او بيت للايجار , طالما اصبحوا في استطاعتهم الدفع المالي .

 واتفقوا على مصارحة أمرأة غنية (عزيزة) تملك عدة بيوت للايجار , وتدير ماخور الدعارة ومرقص , فيه اجمل النساء , ويرتاده الاغنياء واصحاب الجاه والنفوذ , بأن يزوروا هذه (القوادة) ويطرحوا عليها مسألة الحصول على بيت للايجار (امرنا لله الواحد القهار , يجب ان نزو هذه القوادة فوراً دون تأخير , اننا يجب ان نجد سكنا , حتى اذا كان في حضن عاهرة) ص28 .

وفوضوا زعيمهم (شمس الدين) الذي اصبح الزعيم المطاع لهم بشكل مطلق , والمتحدث بأسمهم . واصبح هو الذي يقود احداث مسار الرواية , في المغامرات المتتالية والمتسارعة في احداثها , التي نقلتهم الى مصاف اصحاب الحضوة والنفوذ , وتقاسم الغنائم والمال .

واعتقدت (عزيزة) بعد محادثات بينهم , بأنهم اهلاً للثقة والاعتماد عليهم , رغم انهم شلة مفلسة , لكن لديهم اصرار وعناد , في دخول معترك النفوذ والمنافسة , في النصب والاحتيال , فانضمت الى شلتهم , وارتبطت بعلاقة حميمة مع زعيمهم (شمس الدين) وسلمت مصيرها بيديه , بأنها تيقنت بالحدس , بأنه سيصبح يوماً , من اصحاب النفوذ والسطوة , طالما يملك عقلية تآمرية بعقل وبصيرة , و (عزيزة) الفتاة الريفية , التي احبت بعشق صادق (كمال) الذي اصبح بعد ذلك مدير الشرطة العام , فقد اقنعها في الهرب من اهلها , والمجيء الى العاصمة بغداد , بغية الزواج والعيش سوية , عندما كان في كلية الشرطة , وانها صدقت بوعده وتعهده بالزواج منها , لكن حين وصلت الى العاصمة , قام باغتصابها , وتركها للمصير المجهول بالتشرد والضياع , وانتهى بها المصير الى ماخور الدعارة , تبيع جسدها , من اجل مقارعة الحياة المعيشية والتغلب على حالة التشرد والعواقب الوخيمة التي قد تلاحقها .

وعندما وجدها (كمال) انها ناجحة في العمل في الماخور , اقترح عليها بتسليفها سلفة مالية , في كمبيلات ومستندات مالية توقعها , حتى تفتح ماخور بأسمها , يعني استغلالها مالياً , بعد اغتصاب عذريتها وشرفها وخداعها , لذلك ولدت لديها فكرة الانتقام والحقد عليه , واخذ الثأر بالجريمة التي ارتكبها بحقها (انه اغتصبني واوصلني الى هذا الحال . لن استكين اذا لم يسفك دمه , وبعد ذلك سألغي الماخور , واكتفي بتشغيل المرقص , واتوب امام الله , واذا ساعدني الحظ , فسأحج) ص58 .

لذلك دبرت حيلة ماكرة مع (شمس الدين) , من اجل اخذ الكمبيلات والمستندات المالية التي بحوزته , وللايقاع به , حتى تعريته والتشهير به , ونجحت الخديعة في استدراج (كمال) مدير الشرطة العام , بحجة تسديد دينها المالي والكمبيلات التي في حوزته , لانها ربحت الجائزة الاولى في اليانصيب قيمتها (خمسة الاف دينار) , وانطلت الحيلة الماكرة عليه , بجلبه الى بيتها بتعريته وتصويره عارياً مع (عزيزة) وتسجيل اعترافاته , بجريمة قتل صديقه القديم في كلية الشرطة (صباح) ابن الاقطاعي الكبير , الذي له نفوذ كبير في دولة ولاية بطيخ , والمقرب من (الباشا) زعيم ولاية بطيخ , هذه المكيدة الناجحة , اصبح (كمال) محبس يدار بيد (شمس الدين) واصبح لا يخطو خطوة صغيرة إلا باستشارته , واعطاء الضوء الاخضر اليه , ومن جانب اخر اصبح سلم لصعود على مسك زمام النفوذ والسطوة , والتنافس على الغنائم , وفرض (الخاوة) والجزية المالية على المحلات والتجار , واصبح النصب والاحتيال مهنة احترافية لهم , في ابتلاع ولاية بطيخ , في عقلية التآمر والاستحواذ على النفوذ السلطوي , ولكن تسارع الاحداث وضعت (كمال) في عين العاصفة المدمرة , بالتهم في جرائم قتل , احدهما قتل خطيب التظاهرة الاحتجاجية باطلاق رصاصة في رأسه قبل ان يتفوه بكلمة الى المحتجين المتظاهرين على الفساد وسوء الادارة في ولاية بطيخ , وجد نفسه محاصر , وكذلك جريمة قتل (صباح) الابن الاقطاعي المقرب من (الباشا) .

لقد اعترف (كمال) في حضرة (الباشا) بجرائم القتل التي ارتكبها , الاولى ليقمع التظاهرات الاحتجاجية , قبل استفحالها , وتصبح تهديد حقيقي الى ولاية بطيخ , بقتل خطيب التظاهرة , والثانية قتل (صباح) لانه اساء اليه بالشتائم المهينة , لانه ترك تنظيمه السري , الذي يهدف الى اسقاط حكومة ولاية بطيخ , ولانه انتمى الى حزب (الباشا) وهجر التنظيم السري الانقلابي , وانه خادم مطيع ل(الباشا) ورهن اشارته , وانه ارتبط مصيره نهائياً مع مصير ولاية بطيخ (ان اربط مصيري بمملكة الشياطين , او بالاحرى بولاية بطيخ) ص287 .

بدأ الارتياح والرضى على ملامح وجه (الباشا) بأنه حقاً جندي وخادم تحت طواعيته , وهذه الروح المتفانية بالدفاع عن ولاية بطيخ , تستحق الشكر والتكريم , وتولي منصب خطير وحساس في الولاية , هذا الصعود بالطفرة العالية , ولد مخاوف وقلق لشلة عصابة (شمس الدين) من الايقاع بهم والتخلص منهم , لذا قرر (شمس الدين) مع (عزيزة) الرحيل والهجرة الى الريف , والاقتران بالزواج لليعيشوا سوية بعيداً عن الاحتمالات السيئة . انها رواية سياسية باسلوبها الواقعي , الذي يعري اصحاب النفوذ , الذين جل عقليتهم , في اشباع جشعهم في الاستحواذ على الغنائم والنفوذ , انها ليس ذاكرة مدينة منقرضة , وانما مدينة تتجدد , كما نراها اليوم , في ولاية بطيخ الحالية .


- رواية ذاكرة مدينة منقرضة . للكاتب زهدي الداودي . 288 صفحة
- الناشر وزارة الثقافة في اقليم كردستان . المديرية العامة للصحافة والطبع والنشر . السليمانية . عام 2010


 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter