|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأربعاء  4 / 9 / 2013                               إبراهيم الخياط                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

تغريدة الاربعاء

الفرزدق يمرّ على التظاهرات

إبراهيم الخياط *

الفرزدق شاعر من العصر الأموي، هو من تميم وكنيته أبو فراس، سمي الفرزدق لوجهه الذي يشبه الرغيف، ولد في 38 هجرية بالبصرة، ربّـته البادية فاستمد منها فصاحته، صدح بالفخر والهجاء والمدح، وتميز شعره بقوة الأسلوب والجودة، وقد أحيا الكثير من الكلمات العربية وبرع حتى قال أهل اللغة: لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث العربية.

يعدّ من شعراء الطبقة الأولى، اشتهر بالنقائض مع جرير فتبادلا الهجاء لنصف قرن، وانشعب الناس في أمرهما شعبتين فصار لكل شاعر منهما فريق، عاش حتى بلغ المائة، وحين توفي رثاه جرير في قصيدته المشهورة :

لعمري، لقد أشجى تميماً وهدّها على نكبات الدهر موتُ الفرزدق

تنقل بين الأمراء والولاة يمدحهم ثم يهجوهم ثم يمدحهم، لكنه ناصر آل البيت وتشهد له رائعته في الامام زين العابدين :

هذا الذي تعرفُ البطحاءُ وطأته والبيت يعرفه والحِلّ ُ والحَرَمُ

وتحكي الروايات أنه كان قادماً من الكوفة أثناء مسير الإمام الحسين اليها، لقيه بمنزل بين الكوفة والبصرة فسأله الامام: كيف تركت الناس خلفك يا أبا فراس، فأجابه بمدوّيته: قلوبهم معك وسيوفهم عليك.

وصادف أن زار الفرزدق بغداد يوم الجمعة 30 آب 2013 لمتابعة اسمه في قائمة منحة الادباء والفنانين والصحفيين و"الملايات"، ولأن الجسور التي تربط الرصافة بالكرخ أغلقتها عمليات بغداد بالكونكريت، لذا ارتأى شاعرنا أن يبيت ليلته في اتحاد الادباء بساحة الاندلس، ولأن رواد النادي اللطيفين لم يدعوه أن ينام مبكرا، لذا غادر المبنى العريق في اليوم الثاني ظهرا، فمرّ على ساحة الاندلس قاصدا الكرادة، وحانت منه التفاتة لجهة القصر الابيض فرأى ألفين من العزل وقد طوّقتهم آلاف مدججة، وتتراشق في وجوههم الكلمات النابية، وتنزل على ظهورهم الاسواط الغليظة، ويتصاعد في الاثير فرمان بـ "سحلهم" في الازقة.

فرك الفرزدق عينيه غير مصدق، وحث الخطى مرعوبا نحو "ارخيته" كي يتزود قبل الربع الخالي بكسرة خبز وماء، فحط رحاله في مطعم "أبو أحمد"، وقبل أن يتغدى، انتبه للتلفاز وهاله أن قناة "العراقية" ليست على اسمها لانها تركت الشعب (العراقي) في الساحة المطوّقة وحيدا والتهت بتقديم درس "الشيف فراس" عن تحضير فيليه الدجاج، ولكن فجأة يطلّ المذيع الأنيق ليقول أن الحكومة تعلن دعمها ومساندتها للتظاهرات التي عمّت السبت العراق.

لملم الفرزدق عباءته، ونحر الجادرية قاصدا البرّية، وهو يتمتم: كما تركتَ الكوفة يا أبا فراس، اليوم تترك بغداد وقلوب الجماعة فيها مع الحق، ولكن (سواتــ)ـهم عليه.

 

* الناطق الإعلامي لإتحاد الأدباء
 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter