|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأحد 20/1/ 2013                                 إبراهيم الخياط                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

ومن الحب صار فرحنا

إبراهيم الخياط *

الحرب قذرة، وكلّ من يفكر فيها حلاً هو مجنون، وعندما قرأت حكمة تقول: (دائماً ما يتخذ "الكبار" قرار الحرب، ولكن الصغار هم من عليهم خوض الحرب والموت فيها)، تذكرت حكمة أخرى تقول: (عندما يعلن "الأغنياء" الحرب، فإن الفقراء هم الذين يموتون فيها)، وفي المأثورتين لم أفسر كلمتي "الكبار" و"الاغنياء" سوى بمثيري الطائفية من الكتل المتنفذة الذين تحولت أفواه صقورهم وحمائمهم الى طبول تملأ الفضائيات المتناسلة وتدق أبشع النشازات، وفيهم صحيحا قال العالم "ألبرت أنيشتاين" أن (رواد عالم الحرب هم الأشخاص أنفسهم الذين رفضوا الالتحاق بالخدمة العسكرية في شبابهم)، وهذه الكلمة البليغة هي قرينة مثلنا الشعبي: (يردس حيل الما شايفها، والشايفها يلف عمامة).

ويظنون، خاب ظنهم، أهل الكتل المتنفذة، أنهم هم الذين طووا أعتم صفحات تأريخنا خلال سنتي 2006 ـ 2007 وينكرون البطل الحقيقي وهو عامل الفرن الذي كان يدفئ أعصابه المنهارة على نارة الخبز والصمون، وهو عامل البلدية الذي كان يدوس وينظف أرصفة العبوات، وهو الشرطي والعسكري اللذان كانا يواجهان بـ "السونار" الفاسد صهاريج الموت اليومي، هو المواطن البسيط الممتلئ بحبّ بيته وجيرانه وحارته وبلدته وبلده، والمقتنع بأن عليه وضع حدّ للطائفية المقيتة قبل أن تضع هي حدّا له، ففي هؤلاء انتصرت ارادة الحياة، وانتصرت في أمهاتنا ـ حمّالات الوجع العريق ـ اللواتي دون أن يعرفن رددن ما قالته شاعرة من وراء البحار: أحلم بيوم يسألني فيه طفلي: أماه، ماذا تعني كلمة حرب؟

وهذا الطفل نفسه شاهدته في لعبة العراق مع البحرين ضمن تصفيات خليجي 21، كان يحمل باقة من الصعادات الزاهية ويقف ـ كآلاف غيره ـ على باب دكان في الكرادة ويطلق ما بيده عقب كل هدف في مسلسل الضربات الترجيحية للتأهل الى النهائي، كانت العيون تطبق بصمت رهيب على الشاشات الكبيرة داخل دكاكين الحلاقة والبقالة وفي المقاهي الكثيرة وعلى الارصفة، ولا يقطع الصمت ويحوّل ليل الكرادة الى نهار سوى الاهداف العراقية المتتالية، ولكن الطفل أخرجني من زمن المشاهدة وأحالني الى بعقوبة 2006 ـ 2007.

في ضاحية "شفته" ببعقوبة، احتال الأهالي على أمراء الطوائف وزعماء الحرب، كانوا اذا توفي لهم أحد ويريدون دفنه خارج المدينة ـ حسب الطقوس ـ ، يلجأون الى ما يعجز "ماركيز" عن تخيله في واقعياته السحرية، فخوفا من المسلحين القاطعين لطرق وأوصال المحافظة يدفعون ببعض خواصهم لحفر قبر في مزار "أبو ادريس" القريب من الضاحية الأبية البهية، كي يوهموا المسلحين الغلاظ بأنهم غير دافنين راحلهم خارج القصبة، في وقت يسفّر الجثمان الى البقاع التي يرغبون بحيطة وحذر وكتمان شديد لا يعلم به الا الله والراسخون في القربى، انه زمن الرعب الذي ولـّى، ولكن مازال هنالك وهنا مَن يحنّ لعودته، خاب حنينه.

وحتى لا يعود الاستبداديون والدكتاتوريون والارهابيون والمسلحون الطائفيون، رأيت طفل الكرادة يصنع الفرح والحياة وبروح جذلانة يطلق صعاداته الملوّنة بكثافة حتى مع صدّ حامي الهدف البحريني لكرة لاعبنا وليد المنفى أحمد ياسين.

 

* الناطق الإعلامي لإتحاد الأدباء
 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter