|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأربعاء  17  / 6 / 2015                               إبراهيم الخياط                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

تغريدة الاربعاء

رمضان جانه

إبراهيم الخياط *

لرمضان نكهة خاصة، حيث تهبط الألفة والطيبة والنخوة والكرم على الأزقة والمحلات القديمة، وتستيقظ صور الزمن الجميل لتفصح عن حكايات العكد والطرف، بحلوها ومرّها، مروراً بطقوس رمضان.

وحسب تقرير وكالة "نينا"، يقول إمام جامع "الشيخ صندل" بالكرخ: كانت طقوس رمضان تبدأ قبل حلوله بأكثر من عشرة أيام‏,‏ اذ نقوم بشراء احتياجاتنا من سوق الشواكة، واحيانا من سوق الشورجة، فما من بيت بغدادي لا يتبضع المواد الغذائية الخاصة بالأكلات الرمضانية كالتوابل والبهارات والسكر والشاي والحبوب والرز وأنواع الحلويات والعصير.

عند الفطور، وسماع (يا إله الكون.. إنا لك صمنا)، كانت العائلة تجتمع معا، فتتلوّن السُفرة بالتشريب وأنواع الكبة سواء كبة حامض أو كبة تمن أو كبة مصلاوية إضافة إلى (مطبك) اللحم أو الدجاج والدولمة، وطبعا يسبقها التمر واللبن وشربت قمر الدين، وبعد الفطور يقدّم المحلبي مع الشاي المهيّل.

أما (التمتوعة) فتكون قبل منتصف الليل، وهي الزلابية والبقلاوة واللقم وأحيانا تقدم معها الكبة، في هذا الوقت تستعد ربة البيت لإعداد أطباق جديدة من الرز والمرق كالبامية أو الفاصوليا وغيرها من الخضار، وكذلك طبق (المخلمة).

وللمقاهي أيام زمان، جو خاص ينقلنا إليه ختيار عاش طفولته في محلة "صبابيغ الآل" بالرصافة قرب جامع الخلفاء، اذ يقول: كان البغداديون وهم يدخنون الناركيلة ويشربون الشاي السنكين، يصغون بعد صلاة العشاء إلى حكايات القصخون الذي كان يشنف الأسماع ببطولات عنترة أو أبي زيد الهلالي أو سيف بن ذي يزن في مقاهي الجوبة والفضل وباب الشيخ والدهانة (بالرصافة)، ومقاهي الفحامة وسوق العجيمي والست نفيسة (بالكرخ).

وتنتشر لعبة المحيبس التي عمرها مئات السنين، في الأحياء والمقاهي الشعبية، يتبارى فيها فريقان متنافسان، يمثل كل منهما محلة أو مدينة، ويضم الفريق الواحد أكثر من عشرة لاعبين ويصل أحيانا إلى مائة لاعب، وتتلألأ في أجواء اللعبة الساحرة صواني الزلابية والبقلاوة.

وبدءا من منتصف رمضان يجتمع الأولاد ـ كلّ ليلة ـ في الدرابين حاملين أكياساً من القماش ويتجولون مرددين الأهازيج ومنها: ماجينا يا ماجينا.. حلي الكيس وانطينا.. يا أهل السطوح.. تنطونا لو نروح، فتخرج أم البيت وتعطيهم بعض الحلوى، ولا تقول: ما ننطيها.

وفي آخر الليل يجوب (ابو الطبل) الأزقة، فيقوم بإيقاظ الصائمين وهو ينادي بأعلى صوته: (سحور.. سحور.. سحور)، ثم يردد بنغم ثابت: (اصحه يا نايم.. وحّد الدايم)، وكانت الأمهات هن أول من يرهفن السمع لالتقاط إيقاع الطبل، فيقمن بتهيئة الطعام والشراب، وبخاصة شراب الرمان، للسحور.

أيامتلك، لم تكن الكهرباء تنقطع، ولم تكن سلة المسواك عبارة عن بطاقة حصة مذلة، ولم تكن أمهاتنا قد ارتدين السواد من لعنة الحروب والمقابر والعم سام والمفخخات والأمراء وسبايكر.

لقد كان (رمضان كريم) بحق، قبل أن يسرق ملوك الطوائف كرمه وسُفرته وفانوسه لنعتكف مثل الدجاج في بيوتنا الحزينة ونتلوى تحت رحمة (أبو المولدة).
 

* الناطق الإعلامي لإتحاد الأدباء
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter