|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الجمعة 23/5/ 2008                               د. إبراهيم إسماعيل                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

صداقات أنعشت الروح
الى داود أمين في عيده الستين

د. إبراهيم إسماعيل

عند ناصية شارع المنفى الموحش، أجلس وحدي هذا المساء .. جاهداً في أن اتحاشى شزرات السروة الصغيرة ونظرات المارة المشبعة بالفضول.. أهرب في الذاكرة لسبع وعشرين مضت، حيث "كلي كوماته" وتلك الأمسية الربيعية التي أقيمت إحتفاءً بمقدم وجبة أخرى من الفتية الباحثين عن مطلع للشمس من وراء الجبال العالية.. وحيث ضحكة أبي نهران تنشر الأمل في ذاك الأخدود المقفر، وحيث منبت صداقة معه راحت تعلمني كل يوم كم تستحق حياتنا أن نحدد لها في الأفق معنى..
لا أدري لماذا شعرت حينها بأني أعرفه منذ زمن بعيد؟ ربما كانت اللألفة التي غمرتني بها اشراقته... أو ربما كنت التقيته يوماً عند زهرة برية في تلك السفوح أو في سهوب عدن المالحة أو على شواطيء الفرات الساحرة .. أو، من يدري لعل فاشياً واحدا أراد أن ينتزع أدميتنا أو لعلنا مررنا بذات البيت السري حيث كان الفتية العشاق يجتمعون ليصيغوا مفاتيح فجر عراقي لا يعرف النضوب.. أو لعلي وجدت في قصائده وكتاباته حزني الطفولي الممتزج بخراب بلادي المستباحة، وإمتداداً منطقياً لما أحببته من ثنائية الحياة والأبداع .. حيث يُعرف الوطن بجمال طبيعته وفتنة نسائه وبساطة ناسه.. وحيث تُسن الكلمة فأساً تهد الأستار لينهمر الفرح!
وامتدت بنا السنوات في رفقة حلم عذب وقاس، وبقي لي ابا نهران صديقاُ فسيحاً في بهائه عصياً على الغياب.. وبقيت اهرع اليه كلما ضاقت الروح ذرعاً بخيباتها، فأستزيد من زهور تفاؤله.. وكلما عاكست الريح قاربي، صار لي نجم هداة .. وكلما بدت أحلامي الجريئة بلا معنى، هدأت الروح أمام صداح نوارسه وهجعت عند مراياه الملونة .. وكلما هدّ الفؤاد ظمأ المنافي، أودع غيم الأشواق قلبي ليهطل أملاُ على أهداب الروح.
واليوم في عيد ميلاده الستين، أهرع اليه مهنئاً ، فنناجي معاً
براري دهشتنا الأولى .. تلك التي ولدت كنسائم فجر طليق ..
فوضانا الجميلة.. تلك الحكمة المبكرة
بهاء خياراتنا المنهمر رغم إحتشاد الحزن في طرقاتنا المحترقة ..
زهور الوفاء التي ظلت رغم أنين السنين مشبعة بالعبق..
جدائل الصبايا المنثورة نذوراً لأخضرار الوهم..
نهارات بغداد والناصرية وكوماته وزاخو وعدن وأربيل ومالمو وكوبنهاغن..
النسغ المتدفق في الجذور .. المرتعش في اللحاء .. والهارب في البراعم كالسراب..
المسامير التي لم ندقها لنعلق ستراتنا .. وعودتنا الدانية التي لم نقطفها فتسربت مع ضياء نجم بعيد..
نبوءة بريخت الزائفة .. والورد الذابل في أصص النوافذ كسنوات الشباب الأولى ..
آهات أرضنا المتصاعدة كالزمرد ..
الام التي منحتنا طاقة أن نكون أحراراً ..أن نستبقي العمر والأشياء المسكونة بالرحيل الأبدي في دفيئة الذاكرة .. جذلة .. حيية .. وبهية دوما ..

في عيد ميلادك الستين

دمْ لي رفيقي أبا نهران
صديقاً منعشاً للروح
ولما تبقى في القلب من خلايا نافذة المفعول
وكل عام وانت بخير


مالمو 23 ايار 2008
 


 


 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter