|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  24  / 6 / 2015                                إبراهيم الحريري                                 كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



النازحون كقوة منتجة (5 )

ورشة فكتوريا يلدا كَوركَييس

إبراهيم الحريري

يلاحظ القارئ ان الهم الاساس لهذه السطور و ما سبقها هو تقديم بعض الأفكار , بعض المقترحات , التي يمكن ان تساعد النازحين و العاملين من اجلهم , على تحسين ظروف حياتهم و تفعيل دورهم في التعامل مع قضيتهم بدل تركها فريسة للسماسرة , المحليين و الأجانب , و تقديم بعض النماذج الملموسة في هذا المجال , وليس الأِكتفاء بالتقاط الصور كما يفعل بعض المزوِّرين , المزوَّرين , و نشرها , هنا او هناك , للوجاهة و لأغراض لاتمت بصلة للعمل الجاد من اجل التخفيف عن النازحين .

فكتوريا يلدا كَوركَيس (ام عادل) ناشطة شيوعية تقيم و عائلتها في مدينة دهوك . انخرطت و زوجها في مجالات نشاطٍ مختلفة , في مدن مختلفة وعانت وعائلتها كثيراً من النظام السابق , حتى انتقلت الى دهوك .

ما ان احتلت داعش الموصل و القرى و القصبات المحيطة بها حتى كرست نفسها و نشاطها , هي و عائلتها لمساعدة النازحين وزعت المساعدات (ملابس , نقود , حولت بعضها الى مكائن خياطة وزعتها , بالتعاون مع الناشطة ماجدة الجبو ري على المخيمات) .

تفتّق ذهنها مؤخرا عن فكرة : لماذا لا تقيم ورشة لتعليم بعض النازحات فن الخياطة والتطريز؟
اتصلت بمديرية الثقافة و الشباب في دهوك التي شجعتها ووفرت لها قاعة لأقامة ورشة للخياطة .

السيدة بهار مسؤولة منظمة " ايما " زودتها بثلاث مكائن خياطة قديمة و (500 ) دولار . اتصلت ام عادل بنازحات من تلّسقف و بطنايا و قرى اخرى كانت عصابات داعش احتلتها و شردت اهلها. شرحت لهن مشروعها و عرضت عليهن الألتحاق به .فرحن ووافقن .

في أوائل هذا الشهر, حزيران/ بدأت ورشة فكتوريا العمل .

لدى الورشة الآن متدربات يعرفن الخياطة و التفصيل و التطريز و صناعة الأقراط و الأساورو الحقائب , بعد ان وفرت لهم ام عادل بمساعدة بعض تجار المدينة , المواد الاولية الضرورية .

لا تكتفي ام عادل بذلك , بل هي توفر ل " بناتها " العناية الطبية و الآدوية عند الحاجة , و تزورهن و اهاليهن في محلات سكناهن . اما ابنتها التي تهيئ لعرسها خلال ايام , فتشكو عدم اهتمامها بها , و تكريسها وقتها كلّه للنازحات !

تطمح ام عادل الى اقامة ورشة كبيرة خاصة بها, و تهيئ لاقامة سوق خيرية تعرض فيها منتجات بناتها , وتتمنى ان تتوفر لها امكانية تحسين ظروف عمل البنات و لا يتطلب هذا الكثير : ربما ثلاجة و بعض العصائر ووجبات خفيفة , فهل هذا كثير ؟ ,

برغم المتاعب الصحية التي تعاني منها ام عادل , فقلبها يعمل بمساعدة بطارية و برغم مشاغلها كمسؤولة فرع كلدو-آشور لرابطة المرأة الكردستانية , الا ان فرحتها لا توصف ,لآنها تعمل في المجال الذي تحبه و طالما نشطت فيه : العمل بين الناس و من اجل الناس .

و اذا كانت هذه السطور عنيت بابراز هذه التجربة فللتدليل على انه يمكن , ببعض المبادرات , تحويل بعض النازحين الى قوة منتجة , و يتوجب تعميم هذه التجربة ليس في مجال فتح دورات وورش لتعليم الخياطة , فحسب , بل يمكن الأنتقال الى فتح دورات وورش لتعليم و لممارسة مهن اخرى كالنجارة ,و الحياكة اليدوية , و غيرها من المهن التي لا تتطلب تجهيزا آليا كثيفا , متقدما .

الجانب الآخر في هذا المشروع هو العناية بتسويق منتجات هذه الورش و افادة العاملين فيها بالعائد المادي لعملهم ما يحسن من ظروف حياتهم و يشجعهم على المواصلة , و يشجع آخرين على الِألتحاق بهذه الورش .

و لتحقيق هذا المشروع سيكون من المفيد اجراء احصاء للأختصاصات و المهارات المتوفرة بين النازحين لغرض الأستفادة منها وزجها , قدر الأمكان , في مشاريع منتجة , بدل تركها متعطلة , يتآكلها و يتآكل اصحابها الصدأ و اليأس و المرارة , و ربما مشاعر وتسلكات اخرى , سلبية , بل مضرة , خصوصا بين المراهقين و الشباب , و يمكن ,كحد ادنى ,الأستفادة من طاقات االمراهقين و الشباب في نشاطات عملية لا تتطلب قدرا كبيرا من المهارة , كالنقل و التوزيع الخ... , لقاء عائد مادي , مهما كان بسيطا , يساعدهم و يساعد عوائلهم , بدل تركهم فريسة سهلة لدعاة السوء و غواية الأنحراف بمختلف اشكاله و تلاوينه .

يمكن , بل من الأفضل , من اجل تحقيق , و التوسع في تطبيق هذا المشروع , الأِستفادة من خبرة الوكالات الأجنبية , التابعة منها للأمم المتحدة خصوصا , العاملة في مجال معونة النازحين و اللاجئين , و قد تكاثر عددهم خلال العقود السنوات و العقود الأخيرة , مع الأسف , بسبب النزاعات الداخلية , او الهجرة الأقتصادية , و مؤخرا الأرهاب , بل انه يتوجب على هذه الوكالات ان تبادر هي , و ان تشجع السلطات الأتحادية و المحلية و منظمات المجتمع المدني ,على سلوك هذا الطريق , بدل الأِكتفاء , فقط ,بتقديم المعونات الأِنسانية , على اهميتها .

واضح , مما تقدم , ان الهم الأساسي لهذه السطور , ليس العائد المادي لزج النازحين في عملية الأنتاج , مهما كانت بسيطة , اولية , بل تحويلهم , القادر منهم خصوصا , الى طاقة منتجة , ولو بقدر , كما كانوا قبل ان يجري اجتثاثهم من جذورهم , بكل ما صحب ذلك من وحشية تفوق التصور . فليس اصعب على المرء اكثر من احساسه انه مهمش , معزول , معطل عن ممارسة واحدة من اهم وظائفه : اعني بها العمل المنتج , فالعمل المنتج ليس احتياجا ماديا , فحسب , بل حاجة اجتماعية , سيكولوجية , و هو , اي , العمل المنتج , مثل الصحة في المثل المعروف , تاج على رؤوس الأصحاء , لا يحس به الا المحرومين منه , حتى لو كانو مُقْسرين على ذلك .

و تظل الخطوة الأولى من اجل تفعيل دور النازحين في كل ما يتعلق بحياتهم , هي تشكيلهم للجان المخيمات التي تساعد في تنظيم حياتهم اليومية , و تعبر عن مصالحهم .
 

الحلقة القادمة " ليس بالخبز وحده ..."


 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter