|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  15  / 11 / 2016                                إبراهيم الحريري                                 كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

خواطر عابرة (3)

الإرهاب و"الإسلامفوبيا" : ثقل الموروث التاريخي (*)

إبراهيم الحريري
(موقع الناس)

اشرت في الحلقة السابقة الى ضرورة دراسة ظاهرة الإرهاب من جميع جوانبها؛ التاريخي، الإجتماعي،الفكري الخ...
واذ يجري في هذه الحلقة ابراز اهمية الموروث التاريخي، فلأنه يجري، احيانا، تجاهله والإستهانة به، والتركيز، فقط، على العوامل السياسية الراهنة. ومع انه لا يمكن انكار اهمية العوامل الأخرى، الإقتصادية، الفكرية - الثقاقية الخ... فان الموروث التاريخي، بما يمثله من ثقل ورسوخ في الذاكرة الجمعية للشعوب، حدد ويحدد، الآن، وربما لأمد طويل، الى حد بعيد، افعال وردود افعال الشعوب،على ما تتعرض له من احداث ومحن.

وفي الواقع فان الإرهاب، والدسائس، لم تكن ممارسة طارئة، جديدة، في التاريخ الاسلامي، منذ الصراع على الخلافة ، بعد وفاة الرسول، وهو، في جوهره، صراع على السلطة والثروة، مهما تعددت اشكاله ومبرراته، بين البيوتات المكية وتفرعاتها وتحالفاتها وامتداداتها. ويمكن الإستشهاد بما لا يحصى من الشواهد والأمثلة؛ الخوارج، الحشاشين (**) اغتيال الخلفاء، الصراعات على السلطة داخل البيت الخلافي الواحد. ويقدم لنا مسلسل "حريم السلطان" الذي عرض قبل مدة، وهو يستند الى وقائع تاريخية، قد تكون جرت المبالغة في عرض بعض جوانبها، مما تقتضية الأِثارة السينمائية - فهو ليس مسلسل وثائقي - مثالا آخر على هذا الصراع. ويمكن الإستطراد الى ما لا نهاية في عرض الشواهد والأمثلة، وهي لا تزال مستمرة (مسرحية "قاعة الخلد" من اخراج وتنفيذ صدام حسين وعصابته التي جرت فيها تصفية العشرات من الكوادر القيادية في حزب البعث).

ولا يختلف التاريخ الأوربي، هذا اذا توقفنا عند العصر الوسيط، فقط، فهو ممتلئ حتى الحافة، بالصراعات الدموية، الدسائس والإغتيالات بين الأسر الحاكمة، في الممالك والامارات الأوربية، وداخل كل اسرة وصراع الأجنحة، الحاكمة. وهنا، ايضا، يمكن الإستشهاد بما لا يحصى من الامثلة والشواهد لعل ابرزها اغتيال كندي، الجريمة التي لم يمط اللثام عنها حتى الآن، وغير ذلك الكثير. مما لا يتسع المجال للحديث عنه، لكن لا بأس من المرور "مرور الكرام" على بعض احداث التاريخ الاوربي الحديث: الألوية الحمراء (ايطاليا) بادر ماينهوف (المانيا) الجيش الأحمر الياباني (اليابان، خارج اوروبا).

وحين يدور الحديث عن ثقل الموروث التاريخي فانه لا يمكن تجاهل الحروب والغزوات الاسلامية - المسيحية المتبادلة، وهي ايضا شكل من اشكال الصراع على الأرض وما تدره من خيرات، والسلطة والثروة، يتخفى تحت رايات الهلال او لا اله الا الله، او الصليب، وما رافقها من انتهاكات ومذابح وتخريب المعابد والشواهد الدينية: الكنائس وتحويلها الى مساجد او العكس، الأرغام على تحويل الديانة تحت حد السيف (فتح الأندلس، مثالا ليس وحيدا) ورد الفعل الأسباني، بعد ردح من الزمن، وتمثل بتدمير الممالك والامارات الإسلامية، وارغام المسلمين واليهود على تغيير دياناتهم، ما اضطر الكثيريين على التحول الى المسيحية او الهجرة، هذا عدا الذين طالتهم المحارق بدعوى السحر والشعوذة. (دشن الفتح الأسباني عصر تحول اسبانيا الى دولة كولونيالية والصراع بين الممالك والأمبراطوريات الأوربية على المستعمرات في اميركا وافريقيا ثم الشرق الأوسط ).

وهل يمكن اغفال دور الحروب الصليبة في تغذية الريبة والمرارة بين العالم الإسلامي وبين اوربا المسيحية، وهي، اي هذه الحروب، ايضا، كانت استمرارا للصراع على الأرض ومواردها وموقعها الستراتيجي تحت رايات دينية .

وما تزال جنبات المسجد الاموي تردد صيحة الفرح التي اطلقها الجنرال النبي قائد الغزو الفرنسي لسوريا عند قبر صلاح الدين: "صلاح الدين! ها قد عدنا! " مذكرا بالحروب الصليبية التي قاد فيها صلاح الدين الانتصار على الغزو الاوربي تحت راية الصليب .
يمكن الإستطراد الى ما لا نهاية في ايراد الشواهد والأمثلة، لعل اقربها تفكيك السلطنة العثمانية والخلافة الإسلامية ليس لصالح الشعوب التي كانت تحت السيطرة العثمانية بل لصالح الاحتلال الأوربي، الإنكليزي - الفرنسي (الأيطالي في ليبيا واثيوبيا) ما اشعل ثورات وانتفضات لعب فيها رجال الدين دورا مهما - احيانا قائدا - وتلاحم فيها الوطني بالديني (عبدالقادر الجزائري - الجزائر، عبد الكريم الخطابي - المغرب، عمر المختار - ليبيا، دور رجال الدين الشيعة خصوصا في التحريض على الثورة - ثورة العشرين - و قيادتها والمشاركة فيها (الحبوبي).
 

لعل أخر "الحسنات" وعد بلفور الذي منح الحركة الصهونية فلسطين وشرد شعبها. هذا الجرح الدامي الذي ما يزال ينزف، ويمكن اعتباره، بحق، جريمة القرن العشرين الكبرى، لا تقل فظاعة وبشاعة عن جريمة ابادة اليهود، وجرى تحميل الشعب الفلسطيني، لا اوربا التي شجعت النازية في المانيا امدا طويلا، نتائجها. هذا الجرح الذي ما يزال ينزف، يمكن اعتباره مصدرا رئيسيا لإنبثاق وانتشار ظاهرة "الإرهاب الإسلامي" في المنطقة والعالم . 

وهل يمكن اضافة جريمة غزو العراق بدعوى امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل وساعد صدام حسين بغروره وجنون العظمة لديه ومغامراته الحمقاء وجرائمه ضد شعبه وضد الحيران، الفرية / الجريمة التي جرت فبركتها لصالح تبرير الغزو، وما اسفر عنه من نتائج كارثية على كل الصعد؟ 

لقد جرى تدمير العراق، مؤسساته وبناه التحتية بدعوى بناء عراق جديد بينما جرى ويجري، عمليا، على الارض، اطلاق كل عوامل الدمار والخراب والفساد والتفكيك والإرهاب، في مسلسل رعب دموي يبدو ان لا نهاية له....
 


(*) "الموتى يحكمون الأحياء" ماركس على الأكثر
(**)
 الحشاشين : فرقة اسلامية باطنية


هاملتون - كندا
14/11/2016


 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter