|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  14  / 3 / 2012                                إبراهيم الحريري                                 كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

 العيوب المنهجية في النظرية "الأنتيسنذهبية

 ابراهيم الحريري

[كتب الكتور صباح علي الشاهر خاطرة او مقالة يفترض فيها ان فلانا من الناس (مفيد الجزائري) يتقلد سنا ذهبية و بنى ، على اساس ذلك، نظرية متكاملة تبدأ بالتعريض الشخصي المعيب (التغنج، التخنث الخ... من مفردات علم الجمال ! الذي يختص به السيد ، الدكتور الشاهر] لينفذ من ذلك الى التعريض بقوة سياسية (الحزب الشيوعي العراقي) مستخدما في ذلك ليس المنهج العلمي - و هو حق مشروع له ، فالحزب ليس الهاً بل كائنا حيا يخطأ و يمرض الخ ... بل قد يموت! كما حصل لأحزاب و حركات سياسية عديدة، اذا انعزل عن مصدر قوته ،اي الناس، و اذا فقد القدرة على التجدد، اي على البقاء لصيقا بكل جديد في الفكر و الحياة و الطبيعة - بل مستخدما ، اي السيد الشاهر" سن الذهب المزعوم" ، مارا على بعض كتابات الصديق سعدي يوسف التي يحزن لها كل ااصدقائه و معارفه ،هاتفا : لله درك يا ابا حيدر ماذا فعلت بهم "! و الضمير هنا يعود على الشيوعيين العراقيين. و لقد كتبت ردا على السيد الدكتور الشاهر اكثر من مقالة مفندا بعض تصوراته و ناقدا غياب المنهج العلمي في النقد لديه ، و هو امر يؤسف له لشخص يقدم نفسه " دكتورا في علم الجمال ". اخترت لمقالتي هذه كلمة عيوبا، و ليس اخطاءً كما وعدت ، لعله بسبب تأثري بخبرتي كصانع بزاز ، فطول القماش المثقوب كنا نركنه جانبا باعتباره " معيوب" ثم نبيعه خردة، او مفرداً و بتخفيض ]

أِ . ح

...و هكذا اجد نفسي مضطرا لخوض ميدان ليس من تخصصي فانا ليس لي في العلم ولا في المنهج ، فكيف بالجمال !فلست سوى عامل نسيج يدوي، صانع نجار، فراش بالاضافة الى مهنة صانع بزاز , و غير ذلك من المهن البسيطة ، بالكاد ( بطلعان الروح !) اكمل السادس الابتدائي ، ثم دفعته الصدفة البحت الى شارع الصحافة و حرفة الكتابة، و ما زال يعاني بسبب ذلك ، و يعاني غيره ، ارجو الا يكون الاستاذ الشاهر بينهم ، فانا لا ابلغه شأوا و لا ادانيه علما ...
اِذا فليغفر لي الدكتور الشاهر جرأتي فالساكت عن الحق ، كما لابد يعرف الدكتور، هو شيطان اخرس . و اذا كان قدر لي ان اكون ، كما يتراءى للبعض الذبن عانوا من" شيطنتي" الشيطان بعينه ، فانني افضل ان لا أكون اخرسا (يعني هم شيطان و هم أخرس؟ آخر الله ما يقبل !)

سالجأ فيما انقد الى التفكيك ، او المنهج التفكيكي ، اي تفكيك النص او الخطاب ، و هو منهج في النقد لا بد ان الدكتور درسه او سمع عنه او صادفه ، اذ لا يعقل ان يكون دكتورا في علم الجمال و لم يسمع بهذا المنهج .

يبدأ الدكتور الشاهر ، بعد ان يزجي من المديح ما لابد ينوء له كاهل الصديق سعدي يوسف، ليصل الى معركته الاساس ، بل "ام معاركه" اي التعريض الشخصي و السياسي بالجزائري و بغيره و بالحزب الشيوعي، منطلقاً من فرضية ان الجزائري يتقلد سنا ذهبيية... لكن كيف تحقق من ذلك ؟ هناك اساليب في التحقق و التحقيق لا بد ان الدكتور درسها او مارسها، ومن بينها ، في هذه الحالة ، المشاهدة او المعايشة او المساكنة (ساكن قصادي... و لا احبه!) و هو ما لم يتأكد لنا و لم يذكره الدكتور في بحثه المرموق .

الطريقة الثانية في التحقق ، ما دام الامر يهم الدكتور و تقوم عليه نظريته ، هو ان يرسل احدا – بوليس سري مثلا – يتعقب الاستاذ الجزائري حتى يجد فرصة لارغامه على فتح شدقيه ، و يلتقط له صوة ملونة (بالديجيتال) تؤيد نظريته و هو ما لم ينشره الدكتور في بحثه، موثقا بالصور .

الطريقة الثالثة هي الاعتماد على "التواتر" و هو منهج نشأ في رحاب علم الحديث ، يعتمد رواية شهود او معاصرين او نقلا عنهم من ثقاة ، اختلف الباحثون في اشتراط عددهم، فيقال عن عن ،عن،عن، عن و غير ذلك من "العنعنات" و لم يورد لنا الدكتور اسما واحدا يسند فرضيته ... اللهم الا رواية العزيز سعدي ، و هو شاعر، و كلنا يعرف ان الشعراء يتراءى لهم ، احيانا ، خصوصا في لحظة تجلٍ و انبساط . او قد يكون سعدي رأى فيما يرى النائم ، و هو امر يحدث احيانا ، لي ايضا ! عندما ابدأ بعض رسائلي الى رفيق ، صديق في قيادة الحزب , مقترحا او منتقدا و استهل رسالتي من باب التفكهة : رأيت فيما يرى النائم "،حتى طفح الكيل برفيقي الصديق فرد، رغم ما يتحلى به من ادب جم، في واحدة من رسائله النادرة : يبدو اننا سننشغل بمنامات الحريري بعد ان شغلنا بمقامات الحريري!" فضحكت على الفور، ورددت مُكْبِرا فيه الظرف و روح النكتة , و هو امر لا يتحلى به كثيرون ,,

فهل تأكد الاستاذ الشاهر ان العزيز سعدي كان جادا ؟ فقد فقال مرة لأحد اصدقائه ، و كان يعاتبه على واحدة من هذه الكتابات - الارتكابات : انكم تأخذونني جَدَّا اكثر مما يجب" و هذا عين ما اقوله أو اكتبه في حديثي او كتابتي لبعض الرفاق و الاصدقاء ، عندما "ازودها حبتين" ،كما يقول الاحباء المصريون، اقول حينها : اخذوني على قدر عقلي !" فيضحكون و يفعلون ، و لعلهم يفعلون الامر نفسه مع الصديق سعدي ، و الله اعلم...

فكيف اذا خذلت الباحث الجاد ، مثل الاستاذ الدكتور، كل هذه الطرق و تبين ان المعني لا يتقلد سنا ذهبية ؟ و هي "الاساس" الذي تقوم عليه النظرية ؟ فتنهار بالتالي من الاساس ، كمن استند على سن منخورة ؟

اريد ان اوفر على الباحث هذه الخيبة فأفترض ، لاغراض البحث، جدلا ،ان ما افترضه بناءً على ما توهمه الصديق سعدي كان صحيحا ، فماذا يعني هذا ؟

هنا يرتكب الباحث خطأه – خطيئته الثانية، فيبين عيب آخر من عيوب نظريته العتيدة اعني : التعميم. فلأن فلانا من الناس ، و لسنا ندري اين التقاه و تعرف عليه و في اية ظروف ، كان ُيَركَب (مراعاة التشكيل) سنا ذهبية و يتغنج تخنثا ، تغنج النساء، فإن كل من يتقلد سنا ذهبية واحدة هو من هذا النوع من الرجال المخانيث! لكن المثل الشعبي كان اكثر حكمة حين استخلص "مو كل مدعبل جوز!". لقد اوردت في مقالٍ سابق موسوم ب "عن سن الذهب ادافع لا عن مفيد" امثلة عن ابطال صناديد كانوا يضعون سنا ذهبية في جانبٍ من فكهم ، بينهم الشهيدان سلام عادل وسعيد متروك ، اللذان رقيا الى الشهادة ثابتي الخطى ... (*)

ان افدح ما يمكن ان يرتكبه الباحث هو التعميم اعتمادا على تجربة واحدة ، لهذا نرى في الكثير من التجارب والبحوث العلمية انها اجريت او لوحظت على كذا الف من " العينات " و لكذا من السنوات ، مع ذلك يظل الباحث او الباحثون في شك مما توصلوا له ، لا يقطعون به تماما ، مرجحين ان تجارب اخرى قد تأتي بنتائج مختلفة في ظروف مختلفة ... ذلك لان هؤلاء هم باحثون يعرفون ما للبحث الجاد من اهمية . و كم كان حريا بباحثنا ان يترسم خطاهم ، ما دام دكتورا ... و في علم الجمال !

لكني سأفترض، لأغراض البحث، مرة ثانية، ان كل ما توصل له الدكتور، رغم عيوبه الجوهرية ، كان صحيحا ، وأتصور الامر ، لأغراض البحث ايضا ، معكوسا ، و لأَغراض البحث ايضا، سأقلبه رأسا على عقبٍ اتصور ان فتى ، رجلاً ما ، لا يركب سنا ذهبية ، لا يتغنج ولا يتمقلج، تمقلج و تغنج المخانيث لكنه – و العياذ بالله – من"اياهم" الذين عناهم الدكتور في تلميحه الاقرب الى التصريح , يعني ، باختصار، و لتسهيل الامر على الدكتور و على القارئ ، مصاب باحد ادواء الملوك ! (**) فكيف ستتعامل معه النظرية ؟ لعلها ستنفخ اوداجها غضبا و" تدب الصوت " كما يقول المصريون الاحباء ، صارخة مولولة : هذا خطأ! هذا لا يجوز! هذا ضد النظرية !

لكن ، بالأِعتذار من النظرية ، هذا موجود ، قائم ، وحيٌ يلبطُ ، فما العمل ؟ ستبتكر النظرية حلاً عبقريا ؛ستلقي القبض على المذكور، الآبق، الهارب من اسار النظرية الأنتيسنذهبية، و تقوده الى اقرب عيادة اسنان ، و تطلب من الدكتور ( طبيب الاسنان و ليس الدكتور الشاهر ) بعد دفع التكاليف ، ان يركب له سنا ذهبية بارزة 24 قيراط ، تقوده لآقرب مدرسة لتعليم الرقص الشرقي ، تغنجا و تمقلجا و تفحجا (لزوم النظرية!) ثم تدفعه الى الترشيح لمركز السكرتارية في الحزب ، اخيراً ، و بعد التأكد من " سلامة " كل هذه الاجراءات ستشهر به و بالحزب لانه يقبل هذا الشخص في صفوفه ، و الانكى ، مرشحا للسكرتارية ! عندها تتنفس النظرية الصعداء بعد ان دافعت عن شرفها دفاعا شرساً...

اليس هذا ما يقودنا اليه منطق النظرية العتيدة ؟
يتساءل المرء كيف قدر لأكاديمي ان يرتكب كل هذه العيوب ؟ الغرض واضح (لغرض ما تجاوز الدكتور كل الاعتبارات الاكاديمية ، و قديما قالت العرب في وصف خديعة معروفة من خدع الحرب بين القبائل ذلك الوقت بطلها قُصًيِّر [لغرض ما جدع قصير انفه]، و يمكن القول انه لغرض ما جدع الدكتور انف العلم و انف الجمال) وهو يكمن فيما ساقه الدكتور شامتا " لله درك يا ابا حيدر ماذا فعلت بهم ؟" لكن الغرض ، كما قال الأوائل ، مرض اين منه مرض الملوك؟

***********
اخذ عليّ العديد من الرفاق و الاصدقاء، بينهم رفاق في قيادة الحزب، لعل بينهم الرفيق مفيد ذاته ، اني اوليت الامر اكثر مما يستحق ، لكني لا اشاركهم الرأي، منطلقا من ان القلم، كان ، و يجب ان يظل، مسؤولا، و ينبغي ان يضع في الحسبان ان هناك من يقرأ ؛ يناقش و يحاسب ، حتى لو كان قليل الحيلة مثلي ، و قد يكون حسابه عسيرا ، خصوصا عندما يتعلق الامر بأكاديمي ساقه الغرض الى تجاوز كل الاعتبارات الاكاديمية في وقت تتعرض فيه الحريات بكل صنوفها ، خصوصا الاكاديمية منها ، لامتحان عسير، يقف فيه الشيوعيون و سائر التقدميين والديمقراطيين و المتنورين و اللبراليين موقف الدفاع عن الحريات بكل صنوفها.

فاين يقف الدكتور، وهو الاكاديمي ، من هذا الصراع ؟ يبدو لي ان مكان الدكتور الشاهر ، الطبيعي ، هو الى جانب المدافعين عن الحرية ضد خصومها ، بدل التلهي بالترهات من قبيل "سن الذهب"، و هذا، لا غيره يمكن ان ينسجم مع رسالة العلم و الجمال، و لعلي اتوقف هنا عند ما كتبه هو في مقالته ذاتها : "ما اجمل القلم حين يكون ناصحا، و ما ارقه عندما يكون معاتبا، و ما اصدقه عندما يكون مقوما او ناقدا، و لكن ما أقساه و اخبثه عندما يكون حاقدا، و ما آلمه عندما لا يتحكم فيه وازع من بقايا ضمير..."

وهذا ما لا يتمناه كل مخلص وحريص على تجميع كل الطاقات في الدفاع عن الحرية ، والحرية الأكاديمية خصوصا ، لاستاذ علم الجمال ، الدكتور صباح علي الشاهر...
 

 

(*) ورد في مقالتي "عن سن الذهب ادافع لا عن مفيد " ان اول لقاء لي بالشهيد الخالد ابو ايمان كان اواخر 958 او اوائل 959 في مقر اللجنة المحلية في بغداد و الصحيح ان اول لقاء كان في آب 958 ، اي بعد شهر من قيام الثورة ، في منزل الراحل كريم الحكيم او بيت "ام غصوب" كما كان يعرف في الاعظمية, وذلك في اجتماع لكوادر بغداد
(**)
من امراض الملوك : النقرس و الأِبانة ...
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter