|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  10  / 4 / 2007                                إبراهيم الحريري                                 كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

النص الكامل لمقابلة "الصباح" مع
الكاتب ابراهيم الحريري


اجرت صحيفة "الصباح" البغدادية لقاءً مطولاً مع الكاتب ابراهيم الحريري نشرت مقاطع ضافية منه في الملحق الادبي الثقافي يوم 4 نيسان 2007 ولم يتسع المجال لنشره نصاً.. فيما يأتي نص اللقاء كاملاً..

حول القصة الصحفية
يثير لدي هذا السؤال ذكريات فيها ما يوجع، وفيها -ايضاً- ما يستدعي الفرح ويبدو لي ان الحكاية الصحفية ثم القصة القصيرة جداً، والعمود الصحفي، الساخران، متلازمان لدي منذ ان بدأت، لنقل منذ ان حاولت الكتابة، وما اكثر ما اتخذ العمود الصحفي (سأتحدث عنه بتفصيل اكبر فيما ياتي) شكل قصة صحفية ساخرة. واستطيع ان اعتبر ان اول محاولتين ناضجتين لدي (وانا اتحدث هنا من موقع التجربة وبعد اكثر من خمسين عاماً) كانتا بين عامي 1952-1953 (لا احتفظ- بالطبع- بأية نسخة فلم يكن في بالي اني سأصبح- يوماً- كاتباً للعمود القصير الساخر وللقصة والرواية(وكلها ويالخجلي "وقصر" باعي! قصيرة) مع انني كنت وضعت لنفسي ومنذ بداية تفتحي (كان ذلك مبكراً... في كل شيء! والله الساتر!) وضعت هدفاً ان اكون كاتباً وثورياً في ان..فقط! وما زلت احاول....
ثانيةً محاولتين لكتابة القصة القصيرة جداً(هما-ايضاً- اقرب للعمود الصحفي) كانتا نهاية عام 1955 او بداية عام 1956 عندما اصدرت في منفى بدرة، مع الشابين- ذلك الوقت طبعاً- عبد الزهرة العيفاري (د. اكاديمي يقيم في موسكو الان) والجندي المطرود من الجيش، الموهوب علي تايه(كاتب القصة والمسرحية والمسلسلات الاذاعية التي اشتهر بها عام 1958 من الاذاعة العراقية، مع الراحل د. زاهد زهدي والفنانة متعددة المواهب زكية خليفة) اصدرنا، في منفى بدرة، وعلى ضوء اللمبة، نشرة حائطية (اسميناها "الاخبار" وكنت وما زلت لا احب الاسماء الطنانة) نشرت فيها قصتين قصيرتين جداً واحدة بعنوان "الحمال الصغير" والثانية فنتازية "كان ياما كان" سيلازمني هذا النوع من الكتابة.. حتى الان)، استطيع القول الان انهما كانتا اقرب، فنياً، الى القصة القصيرة جداً- ثم ما لبثت النشرة ان منعت من الصدور بقرار من التنظيم "لشقاوتها" (ولذلك قصة طريفة قد أرويها يوماً) وصودرت اعدادها المحفوظة في واحدة من غارات الشرطة (لا ادري ما اذا كان ما يزال بالامكان العثور عليها في ملفات الامن المنهوبة) عدت الى القصة الصحفية المنشورة، هذه المرة، بداية عام 1959 عندما التحقت بصحيفة "اتحاد الشعب" ملخصاً للعرائض ثم محرراً في الصفحة العمالية ثم مسؤولها وعضواً في هيئة التحرير وهكذا ظهرت "حكايات حمدان" وكنت اوقعها بـ"صديق حمدان" هذه الشخصية التي ستلازمني لفترة طويلة (وهي شخصية واقعية بطلها الحقيقي "غيدان" عامل نسيج طريف تعرفت عليه في ورشة بيت عطرة للنسيج اليدوي، ممتلئ بالحيوية والطرب وحب الحياة.... والسجائر الملغومة! سمعت انه ما يزال حياً في الكاظمية سأحاول الالقتاء به في اقرب وقت) ظلت هذه الشخصية تلازمني لفترة طويلة... وما تزال. اتخذت في بيروت شكل سائق تكسي وقعت عنه باسم "محسوبكم زكور شوفير ع الخط" اشتهر في بيروت كثيراً على صفحات مجلة "الهدف" اللبنانية والنداء اليومية وذكر البعض بالزجال اللبناني الساخر المعروف، الراحل، عمر الزعني كان يعلق على الاحداث اللبنانية الساخنة، اوائل السبعينات، من الحزام وجوّه احياناً وهذا ما اقصده "بقلة الادب")، عندما عدت الى العراق بدايات 1974 والتحقت "بطريق الشعب" احتفظت باسم "زكور" للكتابات الساخرة الموجعة(لعل قراء ذلك الوقت ما زالوا يتذكرونها) فيما عاد "حمدان" حكاية صحفية، لكن باسم "ابو عمشة"، السكن (مساعد سائق) وقعت حكاياته باسم"نفر" ولم تكن حكاياته تخلو من قلة ادب لا تتحملها الصحافة العراقية، الجادة، خصوصاً، صحافة الحزب! فاختفى لانه اصر ان يبقى "سكن" سليطاً، قليل الادب (ادب سز حاشا السامع)! على ان يصبح شيوعياً "مهذباً" كما نصحني الراحل زكي خيري في محاججة شهد طرفاً منها الصديق عبد الرزاق الصافي تلوت فيها "دفاعاً عن ابو عمشة!" (دفاع من خمسة اوراق احتفظت به فترة طويلة ثم مزقته وانا اغادر العراق الى المنفى من جديد اوائل عام 1979، لكني احتفظت "بزكور" كاتباً للعمود الساخر، الموجع، (وان لم يستطع ان يتخلى، تماماً، عن قلة الادب!) حتى اوائل التسعينات عندما بدأت اوقع في صحافة الحزب وصحافة المنفى عموماً باسمي الصريح.
خلال ذلك بدأت منذ اواسط الستينات تنفصل القصة والقصة القصيرة جداً عن الحكاية الصحفية (لعله بسبب ابتعادي في المنفى القسري عن العمل الصحفي السياسي اليومي) فنشرت في الصحافة الكويتية قصصاً قصيرة ناضجة (واحدة منها باسم"ايهٍ ايها البحر العظيم" نشرت في اسبوعية "صوت الخليج" التي كان يحررها الصحفي العراقي (متعدد الجنسيات!) صالح سلمان (سمعت انه ما زال حياً، متعه الله بالعمر الطويل) وقعتها باسم ابراهيم ابراهيم(كما اتذكر) سرعان ما تحولت الى فلم (بس يا بحر)... لكن باسم مؤلف آخر! (بامكان من لا يزال يحتفظ بمجلدات "صوت الخليج" لتلك الفترة ان يقارن. كما علمت مؤخراً ان محاولة مسرحية شعرية كتبتها بعنوان "قمر وحوت وصغار" تقود فيها الجدة مظاهرة الى البحر لانتزاع القمر من بين انياب الحوت ونشرتها في مجلة "الطليعة" الكويتية مطلع عام 1968 -تحولت فيما بعد الى عمل كامل بعنوان "القيامة"- قد تحولت هي الاخرى الى حكاية تلفزيونية للاطفال ولا ادري تحت أي اسم!)
القصة القصيرة جداً، التي كرستني كاتباً لهذا الضرب من الكتابة القصصية الفنتازية (الغرائبية كما يسميها النقاد) هي قصة "الولادة" التي نشرت في مجلة "مواقف" الطليعية، التي أصدرها الشاعر ادونيس عام 1969. لقد عرفت بهذه القصة، لدرجة انني عندما تعرفت على الروائي صنع الله ابراهيم في القاهرة بعد اكثر من عشرة سنوات من نشر "الولادة" هتف: انت ابراهيم الحريري بتاع الولادة!"
مازلت، اراوح بين هذه الانماط الثلاثة من الكتابة، العمود والحكاية الصحفية والقصة القصيرة جداً، وان كنت أصبحت مقلاً فيها جميعاً واكثر ميلاً لكتابة الرواية القصيرة واشعر بدافع جارف الى كتابة المسرحية... هذا اذا سمح لي ما تبقى من عمر، والعمل الصحفي اليومي، الذي كلما حاولت الهرب منه امسك بتلابيبي (هل تعرفون معنى التلابيب؟ اراهن ان كثيرين ممن يستخدمون هذا التعبير لا يعرفون معناه الحرفي ولا قصته، وانا –بالطبع- احدهم!)

الحدود الفاصلة بين القصة الصحفية وانماط القص الاخرى
هل ثمة حدود فاصلة واضحة بين القصة الصحفية وسواها من الانماط القصصية الاخرى؟ بالتأكيد، وعندما احاول ان احلل تجربتي في هذا الميدان، ولأضف اليه العمود القصير، بحكم ممارستي لهذه الانماط فترة طويلة كما اشرت، اجد ان ثمة ما هو مختلف، لكن ما هو مشترك، ايضاً بين هذه الانماط (لا أزعم انها حدود فاصلة، اكاديمياً، فانا بالكاد ادركت السادس الابتدائي! ولست نادماً على ذلك ابداً).

عما هو مختلف
يختلف العمود الصحفي والقصة القصيرة جداً، فيما اكتبه (اشدد على ذلك اذ ليس ضرورياً ان يكون الامر كذلك في تجربة كتاب آخرين) عن الحكاية الصحفية في ان اللونين الاولين يتطلبان قدراً اكبر من التركيز والتكثيف من الحكاية الصحفية التي يمكن ان تكتب بسرعة وتكون على الأغلب مباشرة أي ذات هدف مباشر حتى لو لجأت الى الترميز او "الحسچة" كما في بعض حكايات ابو گاطع (وصديق حمدان وزكور احيانا).
العمود والقصة القصيرة جداً كما اكتبهما، يتطلبان بناء متوترا، إيحائيا تصعيدياً، يعتمد، الى حد كبير، على الضربة الختامية (لعل ثقافتي الموسيقية، الفطرية هي الأخرى، ساعدتني كثيراً في هذا المجال) فيما لا يتطلب الأمر ذلك في الحكاية الصحفية.

ما هو مشترك
لكن تشترك القصة القصيرة والحكاية في أنهما ينبغي ان يتوفر لهما قدر، وان يكن بشكل مختلف لدى كل منهما، من فن القص، البناء الحبكة الخ.. مما يعرفه النقاد اكثر مني.
هل هذا يكفي؟ لست ادري فانا آخر من يمكن ان يفتي في هذا الميدان.

عن التجربة الصحفية..
اشعر بالقرف! خصوصاً في هذا العمر...
بجد! أخذت من الصحافة الكثير... وأخذت مني الكثير
أيهما أكثر؟ لا ادري... لكن ماذا يهم ان كنت ادري او لا ادري، ان كنت مازلت أمارسها، حباً أحيانا، واضطراراً، في هذا العمر، اغلب الأحيان.
دخلت الى الصحافة من باب الحزب، عندما توسم في الحزب عام 1959 القدرة على رفد صحافته. لم أكن واثقاً من صحة هذا الحكم في بادئ الأمر، فدخلت صحيفة الحزب متوجساً وجلاً ثم سرعان ما استهواني الأمر وفجرّ فيّ طاقات كامنة، ليس في الكتابة فحسب، بل في التغيير أيضا فلطالما لم تفترق الكلمة لديّ، منذ مارستها، عن التغيير وتظل كذلك ما دمت مولعاً بهما معاً: الكتابة والتغيير، بالا حرى التغيير بواسطة الكتابة بما في ذلك تغيير الكتابة ومحاولة تجاوز نفسي في هذا الميدان (كتبت نصّا "القيامة" نشرت مؤخراً في "طريق الشعب" مقطعاً منه حِرتْ وحار في تصنيفه وتوصيفه الخلقُ).
الحكاية الصحفية كانت لي تمرينات على كتابة القصة القصيرة جداً، وأفادني تمكني منها من كتابة حكاية صحفية أكثر فنية.
الصحافة هي مثل المرأة التي تحب، تحس بالرغبة، بل، أحيانا، بالحاجة الملحة لان تبتعد عنها، ويا ويلك،-وويلها!-. ان لم تفعلا ذلك في الوقت المناسب فقد يتطور الأمر الى قطيعة وقرف.. (الله يستر!)
بعد كل هذه السنوات من ممارسة مهنة الصحافة (فضلاً عن ممارسة أشياء أخرى وأرجو ان لا يذهب بكم سوء الظن بعيداً! فانا اعني النجارة وصبغ السبيرتو والحياكة وبيع الأقمشة صانعاً لبزاز، وكاتب أنتاج في مستودع للنفط في الكويت، ومدير مصنع للحوائط الجاهزة-يمكن للصديق باسم مشتاق- كان مدير المشروع في القاهرة ان يروي لكم حكايات تهلّك ضحك عن تلك الفترة، فما يزال يخاف ان يمر من تحت بناية ساهمت في بناء حوائطها، وبائع ملابس أطفال متجول في شوارع القاهرة ثم صانع طباخ في مطبخ كندي، وعامل تعبئة بانزين في كندا الخ.. والمخفي أعظم. اما عن العشق الأبدي الخالد للمغامرة، فهو "عادة سرية" ما زلت أمارسها حتى الآن ، بالرغم من التقدم في العمر لعله سيحين يوما اوان الكشف عن تفاصيلها المثيرة... او بعضها على الأقل!).

العمل الصحفي والصحافة
أحس ان أفضل الفترات في هذه العلاقة هي الوقت الذي لم يكن عليّ ان اقترب منها كثيراً، الوقت الذي أفلحت فيه ان احافظ على مسافة بيني وبينها، فكلما اقتربنا من بعضنا أكثر، بانت عيوبنا كما في قصة "ابو گروة" في المثل الشعبي المشهور أرجو ان لا تعتبروا ذلك والصحافة- وصحيفتي بشكل خاص- ضرباً من "قلة الأدب"!).
في كل حال مازلت، بعد حوالي الخمسين عاماً من العمل الصحفي اعتبر نفسي، وأُفضّلْ ان أكون صحفياً هاوياً، يكتب عندما يريد، وما يريد. يحدث أحيانا أنني عندما أفكر بكتابة خاطرة او فكرة ويأتي احد، خصوصاً اذا كان "مسعولاً" ويطلب مني كتابة ذات الفكرة، أميل الى التخلي عن فكرتي وخاطرتي! لعله نزوع فطري –آخر!- الى الاستقلال والتمرد، أما كيف استطعت التوفيق بين هذا النزوع وبين عملي الطويل في صحافة الحزب. فتلك قصة أخرى، يمكن ان يخبركم بالمزيد عنها "حمدان" و"ابو عمشة" و"زكور" ومن شاكلهم.. وشاكسهم!.
ويقتضي مني الانصاف ان لا ادعي انني الطرف الوحيد الذي عانى، فلطالما عانى مني رفاقي، ايضاً. وكنت كلما توترت العلاقة اهتف بين الجد والهزل: خذوني على قدر عقلي! فنضحك. ويفعلون.. لكن تظل بيننا المحبة والاحترام، وهي الابقى...

عن الصحافة الان...
لا اريد ان أتحدث كثيراً –ولا قليلاً- عن أداء الصحافة العراقية بشكل عام، يكفيني همي واهتمامي بأداء صحيفتي! فالوضع الذي نعيشه، وينطبق ذلك على الصحافة، هو (شليلة وضايع راسها) او لعل المثل الآخر هو أكثر انطباقاً (واحد مضيّع صول چعابه)
فوضى في كل شيء! في المقاييس والأخلاق والقيم والفن (الصحفي وغير الصحفي) وأتذكر عفو الخاطر أغنية المنولوجست الراحل عزيز علي "أرد انعل ابو الفن... لأبو ابو الفن" اما من "ينجن" فهو وطن بأسره يأخذ بعضه، بتلابيب (عدنا للتلابيب مرة أخرى.. مع مراعاة التشكيل!..) بل برقاب بعض.
فوضى في كل شيء، هل هي التطبيق الملموس لنظرية الفوضى الخلاقة التي سمعنا عنها؟ لكن أين هو "الخلق" في كل هذا الهدم والتخريب الذي نراه؟ والادهى والأمر هو تخريب النفوس كأنه لم يكف العراق ما عاناه من تخريب على يد النظام السابق وصانعه... وصانعيه!
أفكر أحيانا: قد ينجم عن هذه الفوضى المريعة امر خلاق في النهاية، على صعيد الصحافة وعلى صعيد الحياة العامة لكن عندما استعيد مقولة غرامتشي "تتلخص ألازمة بالضبط في حقيقة ان القديم يموت والجديد لا يستطيع ان يولد، في هذه الفترة الفاصلة يظهر الكثير من الأمراض" (دفاتر السجن)
أدرك أننا نعيش أزمة تزداد تعقداً بفعل عوامل باتت معروفة في ضوء مقولة غرامتشي ان لم تفلح قوى التجديد والتغيير في قيادة البلاد الى تجاوزها فان كل شيء وارد... ويمكن لقانون الفوضى ان يعمل حتى حدوده القصوى أي التمزق الأليم والانهيار الكاملين، أحاول ان أراهن على الامل حتى لو كان صعباً بل حتى لو بدا مستحيلاً...
وذلك انه ليس لدي بديل آخر سوى المنفى من جديد... او الموت! وكلاهما سيان (بالمعنيين!)

العمود الصحفي
تحدثت فيما تقدم عن العمود الصحفي، وقد يدهشكم ان عملي الصحافي اليومي لا يسمح لي بمتابعة ما ينشر في الصحافة الاخرى، في هذا المجال، وهذه "مكرمة" اخرى للصحافة اليومية عليّ...

السجن.. تجربة حياة وتجربة كتابة
لم اسجن لفترة طويلة واذا جمعت سني السجن والتوقيف والابعاد والاعتقال فأنها لا تتجاوز الست او السبع سنوات وهي فترة قصيرة اذا ما قورنت بما قضاه غيري (بعضهم مثل االمناضلين عزيز سباهي وسامي احمد قضيا ما يقارب او يزيد على الخمسة عشر عاماً سجناً في فترات تكاد تكون متصلة.)
اتاح لي السجن في فترات الانفراج (أي الفترات التي كان يتمتع فيها السجناء الشيوعيون واليساريون والديمقراطيون بقدر نسبي من الحقوق إبان الحكم الملكي -اعتقلت حوالي ستة اشهر بعد انقلاب شباط قضيت أكثرها في قصر النهاية... وهي تكفي!-اتاح لي وقتاً جيداً للقراءة والتثقيف الذاتي، وأنا مدين لتلك الفترة بتثقيفي النظري الأساسي بكلاسيكيات الماركسية (أعدت قراءة بعضها مؤخراً)، كما علمني على الحياة الجماعية وحب الرياضة للدرجة التي تمكنني من المحافظة على جسمي قوياً ونشيطاً.
ولا اكتم أنني اكتسبت في السجن، بالمقابل، بعض العادات السيئة مثل الميل أحياناً، الى التأمل والاعتزال، والنفور من الضجة والأصوات العالية بسبب اشهر طويلة قضيتها في السجن الانفرادي.
كما شهدت سنوات السجن والابعاد في بعقوبة وبدرة اعوام 1954- 1956 محاولة جادة لي في الكتابة السياسية والادبية ولعله سيفجأكم القول انني اشتهي –احياناً- العودة الى السجن! لبعض الوقت لانجز هذا العمل الادبي او ذاك، وفكرت في كندا بالبحث عن مخالفة تسمح بـ"سجني" ستة اشهر، مثلاً (فظروف السجن هناك انسانية) للتخلص من العمل الشاق المرهق، ومن منغصات اخرى، فضلاً عن التفرغ للكتابة... لكن "الحظ" لم يسعفني في تحقيق هذه الامنية ولا تتيح لي الظروف الراهنة في العراق التفكير، مجرد التفكير، بتحقيق هذه الامنية... خصوصاً بعد فضيحة سجن ابوغريب ايام اشراف السجانة الامريكية "المستورة" الشهيرة، عليه وفضائح السجون "الوطنية" الاخرى، الجادرية مثلاً فلم يعد في العمر متسع لهذا النوع من المغامرات رغم ميلي الشديد للمغامرة...
لعله ينبغي التوقف عند جانب اخر من تأثير تجربة السجن علي والعنف الذي تعرضت له، وغيري الكثير، لا يحصى. إن على الصعيد الادبي، الابداعي، او على صعيد الموقف من الاخر ومن الحياة بشكل عام.
لم تدفعني هذه التجربة الى تنمية مشاعر العنف المضاد والرغبة في الانتقام، بل على العكس لقد هذبت هذه المشاعر لدي الى حد النفي –اكاد اقول المطلق التام- ودفعتني الى محاولة تقصي جذور العنف في المجتمعات والشخصية الانسانية، وفي المجتمع والشخصية العراقيان بشكل خاص.
يبدو لي ان الجلاد، صغيراً كان ام كبيراً، بمحاولته نفي الاخر وتجريده من انسانيته، انما ينفي ذاته، فيما يحاول تأكيدها عن طريق العنف، ويتجرد من اثمن ما يملك، انسانيته.
لهذا لم استطع، وانا اعاين الى شريط حياة صدام حسين عشية اعدامه، وهو التجسيد النقي الصافي للعنف المجرد، وبشكل خاص صورته وهو صبي يافع، ثم صورته وحبل المشنقة يلتف حول عنقه، لم استطع الا ان أهتف ملتاعاً: ايها الشقي! ماذا فعلت بالعراق، وبجيران العراق؟ ماذا فعلت بالعراقيين وجيرانهم؟ ماذا فعلت بعشيرتك واهلك الاقربين؟ ماذا فعلت بعائلتك؟ بصهريك والى أي مصير بائس قدت ولديك واحفادك؟ واخيراً:
ماذا فعلت بنفسك؟

صدام حسين... ايها الشقي!
خرجت من البيت الذي كنت فيه الى فسحة قريبة اتملى الفضاء المفتوح (عادة اكتسبتها منذ خروجي من السجن الذي اورثني كراهية الجدران، العالي منها خصوصاً) احاول ان اتطهر من مشاعر الحقد والانتقام واتمنى، انتظر، استدعي، مع اشعة الصباح الاولى، يوماً آخر مختلفاً للعراق وللعراقيين...
لكن يبدو ان علينا جميعاً، ان ننتظر طويلاً...

كيف يحول الكاتب وكيف يتحول...
- الكاتب لا يحول بل يتحول، بمعنى ان المرارة ذاتها تتحول الى ابداع اذا امتلك الكاتب الادوات وانا لا اعني هنا، فقط اللغة، بل الاهم، الخيال.
ولأضرب لكم مثلاً او اثنين:
ظللت فترة طويلة عاجزاً عن الكتابة عن تجربة "قصر النهاية". بدا لي ان نوعاً من الاخصاء الروحي يحول بيني وبين ذلك. حتى "رأيت" في ليلة شتوية مطيرة عاصفة وفي غرفة خشبية كنت اسكنها على سطح بناية قديمة قرب بحر بيروت "رأيت" نفسي محاصراً بكائنات غريبة تملك ذيولاً طويلة تتقافز على شبابيك الغرفة تريد ان تقتحمها.
هذه الرؤيا، ان صح التعبير الكابوسية، تملكتني حتى وضعتها على الورق في ليلة واحدة، كانت الهيكل الاساس للكوميديا الساخرة السوداء "الانقلاب" التي هجوت فيها قصر النهاية وجلاديه.
كيف تحول الوضع المأساوي الدموي الى عمل هجائي ساخر حد الاضحاك؟ لا ادري...
لكنني كنت أنتقم من الجلادين بزرع ذيول في مؤخراتهم وكما قلت لدى حديثي عن هذا العمل في منتدى الكوفة في لندن نهاية عام 1994 –كما اتذكر- اعدت للجلادين الذيل الذي حاولوا ان يزرعوه في مؤخراتنا، اعدته الى مكانه الطبيعي: مؤخراتهم! مع الفائدة المركبة (سأضيف لهم فيما بعد "القرون" في اضافة للنص لم تنشر، تحت عنوان "التصحيح!")

نموذج اخر:
كنت قد شرعت وانا في بيروت عام 1970 في كتابة نص بعنوان "الاغتيال" كتبت منه الفصل الاول ثم ركنته جانباً (هذا يحدث معي غالباً فانا ما ازال اعكف على العمل في "الانقلاب" رغم انني كتبت جزءها الاساسي عام 1970 ايضاً نشرتها عام 1990) فالعمل يعيش معي سنوات طويلة حتى اضعه على الورق، في لحظة، لا اعرف كيف تتكون، في بضعة ايام) كان ثمة اشكالات لم استطع حلها، من يقتل المكلف بالاغتيال وهل هي عملية اغتيال، تدمير، خارجي، ام تدمير ذاتي الخ...
تركت العمل لسنوات، ثم حاولت عندما عدت الى بيروت 1979 نشر الاوراق القليلة التي تشكل الفصل الاول في مجلة البديل (اصدرتها رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الديمقراطيين العراقيين في المنفى) فجرى اغتيال "الاغتيال" في غارة اسرائيلية على المبنى الذي كانت تطبع فيه... ثم أصدر الصديق صنع الله ابراهيم عام 1981 عمله المميز "اللجنة" وفيه ملامح مشتركة مع مشروع "الاغتيال" فأقلعت عن محاولة تكملة "اغتيالي"!
عام 1986، اذا لم تخني الذاكرة نشر الصديق المرحوم ماجد عبدالرضا مقالة بعنوان "المطلق والنسبي" في مجلة "رسالة العراق" (اصدرها الاعلام الخارجي للحزب الشيوعي العراقي لسنوات طويلة حتى سقوط النظام) بالنسبة لماجد كان الحزب هو "المطلق"وعضو الحزب هو "النسبي" وانه لهذا، ينبغي ان يخضع المطلق للنسبي، استفزتني هذه الرؤية ورأيت فيها الجذور الفكرية ليس في الفكر الشيوعي السائد آنذاك فقط، بل في كل فكر مطلق، لنفي النسبي، عضو الحزب، وبمعنى اشمل، الانسان، باسم المطلق.
وهكذا اكتسب النص المؤجل "الاغتيال" ابعاداً جديدة اعمق، وانحلت العديد من الاشكالات التي كانت تعيق انجازه، وانكببت، محموماً، اكتب لليال متصلة حتى انجزته رواية قصيرة وذهبت بالمسودة الى صنع الله ابراهيم في القاهرة.
عندما التقاني بعد ايام قال ضاحكاً: اعرف لماذا دفعت لي "اغتيالك" لان فيه ملامح من "اللجنة" لكن لا عليك، فثمة رغم بعض اوجه التشابه الخارجي، تجربتك الخاصة، ولغتك الخاصة او احد ان يكتب لي الغلاف الاخير"الاغتيال". اكتشفنا، فيما بعد، اننا شرعنا كل في كتابة نصه في وقت واحد عام 1970، واننا تأثرنا، معاً، بـ"محاكمة كافكا" التي قرأناها ذات العام في وقت متقارب واننا نحن الاثنين، نحينا الاوراق الاولى جانباً حتى عام 1980، هذا فضلاً عن أوجه تشابه اخرى بدءاً من "تلك الرائحة"! التي لازمتنا طويلاً، الى الكآبة.... الى 1937 سنة ولادتنا كل في عالم...
لا اعرف، اذن، كيف تولد الكتابة، ومن الذي يولد الآخر، انا ام النص (في بعض المحاولات الشعرية يبدأ النص عندي من الايقاع اما في القصة والرواية فيبدأ من الحلم الذي يستحيل كابوساً هذا احياناً، وقد يتخذ الأمر في احيان اخرى، مسارات مختلفة).
لعلي، مثل الاميبيا، اتوالد والنص، الواحد من الآخر نكبر معاً ونرتبط، معاً، بحبل سرة، واحد، الابداع *

الحزب.. التحزب.. الديمقراطية..
لا أجد تناقضاً بين هذا "الزعم" على حد تعبيركم، وبين ايماني، وانا اضيف هذه المفردة الهامة الى سؤالكم- بالتعددية السياسية باعتبارها الخ.....
فأنا شيوعي اؤمن بشكل عام بفكر الحزب، مبادئه وسياسته العامة ولولا هذا لما كنت شيوعياً، ولما كنت عضواً في الحزب (وان كان فهمي "للعضوية" يتميز –هو الآخر!-، فالعضوية، لا تمنح، بل تكتسب، ولقد عشت سنوات طويلة، لظروف قاهرة ليس هنا مجال الخوض فيها، عشت خارج التنظيم، لكني كنت احاول ان اتصرف كشيوعي فنجحت حيناً واخفقت حيناً ويبقى لي اجر المحاولة- اذا سمحتم!) ولا اختلف في هذا، من حيث الشكل، عن أي عضو او مناصر لحزبه، سواء في العراق او في أي قطر.
فعضو حزب المحافظين في بريطانيا (من اعرق البلدان في التقاليد الديمقراطية، وينطبق الامر ايضاً، على حزب العمال) يعتقد ان حزبه ومبادئه وسياسته هي الافضل وهو الاقدر على قيادة بريطانيا الى الرفاهية والرخاء، ولا احسب أن أي عضو في حزب المحافظين او أي حزب آخر سواء في بريطانيا او غيرها من البلدان الليبرالية، بعمله، بنشاطه، من اجل حزبه ودعايته له، انما يتخلى عن ايمانه الديمقراطية والتعددية السياسية. ولو طرحتم عليه هذا السؤال، فلعله كان رد عليكم، من باب "الادب" بابتسامة او بضحكة عالية، ولعله كان لو اراد ان يزيد: ايها السادة! ولكن هذه الديمقراطية!.
ولطالما اكد الحزب في ادبياته وسياسته ومواقعه، انه يسعى الى التحالف مع اية قوة او شخصية تسعى لتعزيز الديمقراطية، وشدد على انه حزب انتخابي، وليس انقلابياً، بل يسعى الى نبذ العنف من الحياة السياسية العراقية وقطع الطريق، نهائياً على الانقلابات
هذا كما قلت، من حيث الشكل، أي من حيث موقف عضو الحزب، أي عضو في أي حزب، من حزبه، هذا اذا كان مخلصاً، صادقاً، مع نفسه ومع الناس، و"أزعم" انني من هذا الضرب من الناس، فانا لا "أبيع" الناس نفاقاً او سعياً وراء ربح او مكسب، بضاعة مغشوشة ولو كنت اريد ان افعل ذلك، غامرت بالراتب التقاعدي والبيت المريح في كندا وعدت الى العراق، ولما كنت وبعد قرابة 56 عاماً من ممارسة النشاط السياسي، اعيش من كدحي اليومي، الشاق اكثر الاحيان، واتنقل بدراجة هوائية هي الاغلى عندي من كل المركبات واتعرض شاني شأن اكثر العراقيين، للمخاطر المعروفة.
هذا، مرة اخرى (هل هي الثالثة؟) من حيث الشكل.
اما من حيث الجوهر فأنا، وبغض النظر عن الحزبية والموقف الحزبي، اؤمن بالماركسية بل ازداد ايماني بها بعد قراءتي لكلاسيكياتها مؤخراً كما اشرت، باعتبارها موقفاً للنقد وللنقض، من العالم ومن ذاتها قبل كل شيء ولاورد لكم هذا المثال:
عام 1872 كتب فردريك انجلس رفيق ماركس يقدم للطبعة الالمانية من "البيان" الشيوعي الذي صدر عام 1950 (يصفه البعض بانه انجيل الحركة الشيوعية) كتب:
"أن (البيان) نفسه يوضح أن تطبيق هذه المبادئ يتعلق دائماً وفي كل مكان بالظروف والاوضاع التاريخية في وقت معين فلا نعلق أهمية قائمة بذاتها على التدابير الثورية المذكورة في نهاية الفصل الثاني، ونحن لو عمدنا الى انشاء هذا المقطع اليوم، لاختلف في اكثر من (عن) الاصل وقد شاخ هذا البرنامج اليوم في بعض نقاطه، نظراً للرقي العظيم (تمعنوا جيداً هذه الفقرة جيداً أ.ح) في الصناعة الكبرى خلال السنوات الخمس والعشرين الاخيرة).
هذا ما كتبه انجلس، ولم يكن قد مضى على صدور البيان الشيوعي، سوى (22) عاماً، فما الذي كان سيكتبه الآن وبعد 157 عاماً على صدور البيان، وأي نقد كان سيوجهه؟.
الماركسية هي بنت النقد والنقض، بنت العلم، تتجدد مع كل جديد في الفكر والحياة والطبيعة، وحيثما افترقت، بالاحرى افترق بعض من طبقها، احزاباً او اشخاصاً، عن العلم، عن الجديد، في كل مجال، وحيثما غفل في كل مكان (أي مكان أ.ح) عن الظروف والاوضاع التاريخية في وقت معين الخ... اذا حدث ذلك للحزب او للشخص الماركسي، انتهى، كما تنبأ انجلس، شاخ اذا استخدمنا كلمة انجلس ذاتها وليس اشد منها، ولا ادق تعبيراً ووصفاً، لما حدث للحركة الشيوعية في الكثير من البلدان.
انني، بهذا الفهم للماركسية، الذي هو روحها وجوهرها الحي، اجدني اتجدد، بإستمرار، بانفتاحي على العلم وعلى الجديد في كل شيء في الفكر والحياة والطبيعة.
وانه ليسعدني حقاً، ان الحزب الشيوعي العراقي، بدأ السير على هذا الطريق منذ سنوات بالتحديد، بالتحديد عام 1993 عندما انعقد المؤتمر الخامس للحزب، مؤتمر الديمقراطية والتجديد.
لا ادعي، ولا يدعي الحزب، ان المعركة من اجل الديمقراطية والتجديد قد انتهت، انها بدأت فحسب، وستلقى بل هي تلقى فعلاً، ويمكنكم ملاحظة ذلك من النقاشات الدائرة حول مسودتي وثيقتي البرنامج والنظام الداخلي اللذين سيقدمان الى مؤتمر الحزب الثامن، القادم، تلقى شأنها شأن أي جديد، المقاومة، وقد يفلح الضغط، وقوة العادة في احداث تراجع هنا وهناك لكن ليس بامكان قوة على الارض ان تعيد العجلة، كما يقال، الى الوراء، فقد انطلقت، قد تتوقف في هذه المحطة او تلك قد تتأخر لكنها ستواصل المسير.

انني اؤمن بذلك
اما اذا احتكمنا الى سياسة الحزب ومواقفه العملية خلال السنوات الاخيرة، منذ ما قبل الحرب الاخيرة وسقوط النظام وبعدها، فانها تقدم لي ولكثيرين من الشيوعيين ومناصري الحزب واصدقائه، مبرراً آخر للالتفاف حول الحزب.
لا اريد الدخول في الكثير من التفاصيل لكن لعلي اذكرّ ببعض العناوين :
* لقد عارض الحزب الحرب والاحتلال قدر معارضته للدكتاتورية وحذر من انها لن تحل أزمة العراق بل هي ستفاقمها.
أليس هذا ما حصل؟
* دعا بعد سقوط النظام الى مؤتمر وطني للمعارضة تنبثق عنه حكومة وطنية مؤقتة تهيئ للانتخابات وللدستور، لكن من المؤسف ان الامور، بعد شرعنة مجلس الامن للاحتلال وتشكيل مجلس الحكم اتخذت مساراً اخر. ولا يمكن اتهام الحزب بانه كان او عمل من اجل ذلك، بل فضل دائماً الحل الآخر.
* ولقد عارض الحزب القرار السيئ الصيت المسمى "اجتثاث البعث" باعتباره قراراً يكرس مبدأ العقوبة الجماعية المخالف لشرعة الامم المتحدة ولميثاق حقوق الانسان، فضلاً عن انه خاطئ ومضر سياسياً، ألم تثبت التجربة صحة هذا الموقف؟ الا تجري الآن محاولات التراجع عنه؟.
* ولقد انتقد الحزب وعارض سياسة التسعير الطائفي والمحاصصة الطائفية ليس لانه لم يفز بالمقاعد التي كان يتوقعها، بل بالاساس لانها سياسة تقود الى الكوارث.
وبامكان كل ذي عينين، بل حتى الاعمى ان يرى الى أية كوارث وبيلة قادت اليها هذه السياسة وما تزال. ويمكن الاستطراد وايراد العديد من الشواهد والامثلة مما تحدث عنه غيري بالتفصيل.
لا ادعي اننا نحن الشيوعيين العراقيين، لم نرتكب اخطاء، بل خطايا احياناً.
لكن قولوا لي أي حزب مارس من النقد ازاء سياسته، واخطائه قدر ما مارس الحزب الشيوعي العراقي؟
ذلك انه ليس للحزب ولا للشيوعيين، مصلحة موضوعية او ذاتية ضد الحقيقة. ولقد انتقدوا بقسوة، بلغت احياناً حدّ جلد الذات، أي موقف ، اية سياسة اعاقتهم، بسبب قصور الوعي ونقص التجربة، عن تقديم اداء افضل من اجل الشعب، مبرر وجودهم ذاته، وهدف نضالهم.
نحن الشيوعيين العراقيين لا نزوّر صلة بالسماء ولا نحتمي بها، ولا ندعي العصمة، بل نحن نبت هذي الارض، نسعى لان نغرس جذورنا عميقاً فيها.
من هنا عجز كل الحملات الدموية عن تصفية الحزب والشيوعيين، ومن هنا قوتنا.
وسنظل نضرب جذورنا، اعمق، في هذه الارض ما دمنا نحبها..
ونحب ناسها.
* * *
الآن وقد شارفت على الختام، ختام هذه الاوراق وربما ختام رحلتي، ايضاً، من يدري؟ احس، بخلاف، ما يقال، انني اعيش ليس "ارذل" بل اجمل سنوات العمر، بعد ان اتاح لي التقدم في العمر، التقدم في الوعي والتجربة، ان ارتشف القطرات الاخيرة في كاسي متمهلاً، ملتذاً.
وان اراه، اذ يتناقص، او يشبه لي ذلك، يمتلئ، بالحب، من جديد وعلى الدوام.
واهتف جذلاً من اعماق القلب:
اشهد انني عشت مغامرة كبرى للقلب والروح والعقل..
... وما ازال
ولكم وللناس محبتي
ابراهيم الحريري

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter