|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  9 / 4 / 2015                                 همام عبدالغني المراني                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



ايام لا تُنسى
(1)

همام عبدالغني المراني

بعد انتفاضة معسكر الرشيد الباسلة , في 3/7/1963 بقيادة الشهيد الشيوعي البطل حسن سريع , حيث كانت لي علاقة بسيطة بأحد عناصرها الأبطال , الذي أبلغني بليلة التنفيذ , ولون الشريط الذي نربطه على اذرعنا في حالة الخروج للشوارع لمساندة القطعات العسكرية المنتفضة , والتي كتبت عنها سابقاً , , بعد قمع الأنتفاضة واستشهاد ابطالها , عدتُ لمتابعة الأخبار عبر الأذاعات الأجنبية, وبشكل خاص اذاعة صوت الشعب العراقي , والتي كان اسمها آنذاك "بكي ايران " , والتي كانت تبث اخبار الحركة في الداخل , في محاولة لتعزيز معنويات المناضلين الذين لم يقعوا بأيدي الأنقلابيين , الى جانب انباء حركة التضامن العالمية لدعم ومساندة الشعب العراقي وقواه الديمقراطية التي كانت تواجه ابادةً دموية على ايدي أوباش البعث وحرسه القومي المجرم.

كانت زوجتي واختي الكبرى المرحومة فضيلة عبد الغني المراني في سجن النساء في بغداد , وكان زيدون الصغير ذو الثلاثة أشهر , في بيت جده المرحوم حسين سالم المراني , بعد ان اخرجناه من السجن إثرَ مرض كاد ان يميته , لولا ذكاء ومهارة الدكتور الألمعي تحسين عيسى السليم الذي انقذه .

كنت اقضي جُلَ وقتي معه , وتعلمت كل ما يحتاجه الطفل بهذا العمر , وكانت هناك زيارات شهرية للسجينات . وحلَّ موعد الزيارة , جاءت اختي الصغرى هدية عبد الغني وابنة اختي هيفاء زكي طرفي ذات السبع سنوات لتأخذ زيدون الى امه في الزيارة , كما ذهبت معهما ابنة عمي المرحومة عواطف حسين سالم التي غادرتنا قبل بضعة اشهر في سوريا .

كنت قد كتبت رسالة صغيرة لزوجتي وفيها بعض الأخبار التي اسمعها , في محاولة لرفع معنويات رفيقاتنا نزيلات سجن النساء , واخفيتها في لفائف الرضيع , وكان هذا خطأً فادحاً ارتكبته في تلك الظروف الدموية السوداء, حيث عثرت احدى مسؤولات السجن على الرسالة , فاعتقلت اختي والصغيرة هيفاء فوراً , إلا ان عواطف كانت بعيدة عدة خطوات عنهما , وتمكنت من الأنسحاب دون ان تلفت نظر احد ,لتأخذ سيارة اجرة وتعود لتبلغني بأن الرسالة عُثرَ عليها , وان هدية وهيفاء قد اعتُقلتا , وتعرضتا لتعذيب وحشي لتدلا على مكان وجودي , إلا انهما انكرتا رؤيتي او اللقاء بي . وفي نفس اليوم اعتقل والدي ووالدتي المسنان , واعتقل عمي , والد زوجتي المربي الفاضل المرحوم حسين سالم المراني وولداه عبد القادر والمرحوم عصام . بقي والدي ووالدتي اربعة ايام في الأمن العامة واطلق سراحهما بعد ان وقعا تعهداً , بأن يبحثا عني ويسلماني خلال عشرة ايام . وبقي العم حسين وولداه شهرين في المعتقل واخلي سبيلهما بعدها .

أما بالنسبة لي , فحين ابلغتني عواطف بالأمر , توقعت انهم سيداهمون دار العم حسين والتي دوهمت اكثر من مرة قبل ذلك, غادرت على عجل , ولم اكن ادري اين اتجه , ففي تلك الأيام كنت خطراً على اي بيت الجأ اليه , وانا أقدر ظروف الناس , ولا اريد ان اسبب أذى لأحد .

اخيراً اهتديت لبيت احدى اقاربي , ابنة خالي , وهم عائلة بسيطة , ليس لها اية علاقة بالسياسة او الوعي , اخبرتها بالأمر , فقالت ابقَ هنا حتى تتدبر امرك . وكانت ليلةً من اتعس ما مر علي طوال حياتي , حيث الشعور بالخطأ من جانب , والأذى الذي سببته لعائلتي من جانب آخر , وانكشاف امر وجودي في بغداد , بعد ان كانوا يعتقدون انني " هارب الى ايران " .

في صباح اليوم التالي قررت ان اغادر بيت ابنة خالي , لكي لا اثقل عليهم من جهة , ولكوني غريب في الزقاق الضيق , وربما لفتُّ انتباه الجيران . زودتني ب "دشداشة" لزوجها ومائة وخمسين فلساً ودعت لي بالسلامة ...تذكرتُ وانا في الطريق ان احد معارفي في البصرة , عبد الأمير المظفر , وكان احد رفاقنا وترك الحركة قبل انقلاب شباط , له محل كهربائيات في ساحة الوثبة , فتوجهت اليه , رحب بي الرجل وعرف انني ابحث عن مأوى , فاعتذر عن قبولي لديه , وكان الجميع معذورين , كما قلت , سواءً كانت اعذارهم صحيحة ام لا , فالوضع آنذاك لا يحتمل ان يجازف الأنسان بسلامته وسلامة عائلته , خصوصاً اذا لم يكن لهذا الأنسان صلة قربى وثيقة , اولديه التزام ادبي او سياسي تجاه المعني المطلوب . ومع اعتذاره , دلني على اثنين من رفاقنا من البصرة , هما عبد الله صالح الحزبه وامين فريد التكريتي, وقال انهما في مدينة الكاظمية , واعطاني عنوانهما ...حيث كان لديهما " كشك " صغير في باب مستشفى الأطفال في الكاظمية ... ودعته شاكراً بعد ان دلني على سيارات الكاظمية .... لم اكن احمل اية هوية , فهوياتي كلها باسمي الصريح , ولا يمكنني استعمالها , شاءت الصدف ان لا تعترضنا اية نقطة تفتيش في الطريق ...وصلت مدينة الكاظمية , وانا لم ادخلها من قبل , حيث انني حديث العهد في بغداد , سالت عن مستشفى الأطفال ووصلت , وقد استقبلاني بالترحاب , فهما يعرفاني من البصرة . حدثتهما عما جرى , فأخبراني انهما يسكنان في غرفة في خان الأسترابادي, في السوق المسمى بنفس الأسم وسأكون معهما هناك , واتفقنا ان اسمي هو عبد الرحمن . كان خان الأسترابادي كبيراً , يضم عشرات الغرف , يسكن اغلبها طلبة الأرياف المحيطة بالكاظمية , وكان اغلبهم يرتدي ملابس الحرس القومي , اما نحن فكنا نخرج صباحاً ونعود مساءً , وغالباً ما كنا نحمل بضع ارغفة من الخبز واناء بلاستك " طاسة " نشتري بها دبس وراشي للعشاء .




 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter