|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  8  / 4 / 2017                                 حامد خيري الحيدر                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

ذكرى مأساة العراق

حامد خيري الحيدر  *
(موقع الناس)

أنه التاسع من نيسان عام 2003... لم يكن ذلك التاريخ أحد أيام ربيع العراق بأجوائه الجميلة الصافية، العبقة بنسائمه العليلة التي تزيح الهم من الصدور، ولم يكن يحمل بين جنباته فرحاً أو سروراً، كما أعتاد شعب الرافدين أن يتمنى في هذا الوقت من كل عام مع اخضرار الارض وامتلائها بأزاهير الحياة، بل كان للأسف النقيض من كل ذلك تماما، كان بحق يوم أدهم أسود، أعاد لأذهان العراقيين كل مآسيهم التي مرت عبر تاريخهم الموغل في القدم. حيث دنست في ذلك اليوم المشؤوم أقدام ذئاب أمريكا وعملائها الأقزام باحتلال بغيض ثرى وطننا العزيز، مُهينة كرامته ومُعيثة بين ربوعه الخراب والدمار، جالبة له هول الكوارث وفجيع المصائب لازال شعبنا الصابر المظلوم حتى اليوم يدفع فاتورتها الباهظة القاسية. وأكثر ما يدعو للغرابة في ذلك أن ذلك الغزو الهمجي البربري الذي لم يراعي أبسط قواعد القانون الدولي أو لوائح حقوق الأنسان، والمستند فقط الى مبررات وأسباب مُفبركة أثبتت الأيام زيفها وبطلان حُججها قد تم أمام مرأى ومسمع العالم المتحضر أجمع الذي يدعّي زوراً الانسانية والتمدن، ويرّوج لأكذوبة حقوق الأنسان، بعد أن هَلّل وصفق لهذه الجريمة النكراء بحق وطننا المغدور الانتهازيون والمتلونون، والصعاليك من البلدان اللاعقة لأقدام أمريكا والمتشبثون بذنبها. أما خونة الوطن، فالمتملقون وصفوه تحريراً، والمنتفعون صوروه نصراً، ومنافقو التدّين ومدعّوه جعلوا منه هِبة إلهية جاد بها الله على شعب العراق... فياله من تحرير أنصف المظلومين والمسحوقين، وياله من نصر أبهَج الطفولة وأشبّعها، ويالها من هِبة أحلّت الرخاء والسعادة بين الناس.

أن الواقع الكارثي الأليم الذي يعيش تفاصيله الثقيلة اليوم عراقنا الجريح للأسف، يصرخ بالحقيقة المرّة التي خلّفها ذلك الاحتلال الغاشم، بلد منهوب الثروة مُدمر بكامله، كيانه ممزق بحراب الطائفية البغيضة، آثاره ومواقعه التاريخية ورموزه الحضارية بين مسروقة ومُخربة، ثلث أراضيه تحت سيطرة الارهاب، شعبه جائع مشرذم متناحر، انهيار كامل في بُناه الرسمية والاجتماعية والاقتصادية، آفة الفساد ناخرة لمؤسساته حد النخاع، ملايين العاطلين والنازحين والمُهجّرين، ومثلهم غادر مكرهاً الى بقاع أخرى من هذا العالم بحثاً عن نسمة أمان ونفحة كرامة، ابتلعت البحار العشرات منهم غالبيتهم أطفالاً بعمر الورود.

أن كل تلك النتائج المأساوية تشير بوضح كبير الى حجم المؤامرة الدنيئة التي تعرض لها وطننا ومدى وساختها، والتي ابتدأت منذ وقت ليس بالقصير وتحديداً منذ انقلاب 8 شباط الاسود عام 1963، ليشهد ذلك اليوم المشؤوم انطلاق المرحلة الاولى منها وساعة الصفر في تنفيذها، بعد أن حيكت تفاصيلها الخبيثة بحرفية المجرمين في الاقبية السوداء لدوائر الامبريالية العالمية كرّدة فعل مسعورة لانتصار ثورة العراق الخالدة صبيحة يوم 14 تموز عام 1958،حين خطا شعبنا أولى خطواته بطريق التحرر الكامل من التبعية الغربية والاستعمارية، فكان شعار تلك الدوائر الحاقدة حينها (يجب أن يعود الحصان الجامح الى اسطبله). لتتوالى بعدها المؤامرات القادمة مع عجلات قطار الاستعمار وتزداد شراسة وقبحاً، ابتدأت بجرائم وممارسات شوفينية عرابوها قتلة البعث وحرسه القومي سيء السمعة والصيت، أعقبتها دكتاتورية مسعورة حمقاء مزقت الوطن شر ممزق تلطخت أياديها بدماء خيرة أبناء شعبنا كانت متعتها شن حروباً عبثية طائشة أحرقت الأخضر واليابس، ثم حصار لعين لم يعرف العالم له مثيل، ضحاياه آلاف الأطفال. ليكون الاحتلال البغيض وما خلّفه من كوارث آخر حلقات ذلك المسلسل السمج المُمل المُعتم، الذي ترك شعب العراق يعيش كابوساً مرعباً لا أحد يعلم متى أو كيف سينتهي، وهو يسافر من ظلم لظلم ومن خراب لخراب ومن بؤس لبؤس، ليظل على مدى الأيام تتقاذفه أمواج القدر بعيداً عن بر خلاصه الذي غدا حلماً وردياً بعيد المنال.

لكن رغم فجاعة مأساتنا وشدّة هولها نقول... أن من يقرأ التاريخ وما بين سطوره، ويفهم فلسفته ويدرك عبرته، وما حواه من فواجع وآهات آلمّت بشعبنا الأبي الجريح، لابد أن يستخلص أن العراق بشعبه العظيم الرافض للضيم، وعمقه التاريخي الكبير وأرثه الحضاري الهائل الذي جُعل منه مقياساً لرقي الانسانية وازدهار مَدنيتها، لقادر حتماً أن يلملم نوائبه ومعاناته ويضّمد جراحاته العميقة التي أثخن بها جسده على مدى الزمن، وأن ينهض من جديد صارخاً بوجه الأيام وهو أعظم شأناً وأعلى هامةً، وأكثر شموخاً بين باقي أمم الأرض.


 

* باحث آثاري

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter