| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

د. حسن البياتي

 

 

                                                                        السبت 28 / 12 / 2013

 

- قصة قصيرة -

إبريق الشاي

يوري كوڤال
ترجمة وتقديم : أ. د. حسن البياتي

يوري كوﭬال كاتب سوڤيتي معاصر,ذو شهرة بارزة في مجال ادب الاطفال, ويعد كتابه (الثعلب الصغيرنابليون الثالث) واحداً من أبرز اثار هذا الأدب في الاتحاد السوﭬيتي. وقد سبق للتلفزيون العراقي أن عرض فيلما سوڤيتيا للأطفال مقتبسا من هذه القصة الطريفة, وما نابليون هنا سوى إسم لبطل القصة, ذلك الثعيلب القطبي الابيض اللون, المنفوش الشعر, الذي مازال دون طور سن النضوج.

غير إن إنتاج يوري كوﭬال القصصي المكتوب للقراء (الكبار) يحظى, هو الآخر منهم بالإهتمام. وتمتاز أقاصيصه القصيرة بإيجاز العبارة وتوتر الحدث مع الميل نحو الأمثولة أو الحكاية المنطوية على مغزى والمفعمة, ابداً, بالسخرية الچیخوفية اللاذعة وبالشحنات السايكولوجية.

وثمة شيء اخر يميز أقاصيص كوﭬال, هو هذه النظرة الطفولية الصافية الى العالم وذلك الإستهلال اللعوب الذي نحسبه ضرورياً للكبار بقدر ماهو ضروري للصغار.

كل هذا يمكن ملاحظته في اقصوصة (ابريق الشاي) التي نقدمها للقراء العرب. وهي إحدى اقصوصتين نشرتهما للكاتب مجلة (أغنيوك) الاسبوعية السوڤيتية في عددها العاشر, الصادر في الرابع من اذار 1989 مع مقدمة قصيرة إستندنا هنا الى بعض ما ورد فيها. .. (المترجم)

إبريق الشاي

- لا يحبني إبريق الشاي.
يراقبني من ركنه طوال النهار, بعينيه النحاسيتين الكابيتين.
صباحاً, عندما أضعه فوق موقد الطبخ, يشرع يعول, يغلي, يحنق ثم يبصق – من ظفر- بخاراً وماءً فائراً. وحين يباشر الرقص والصداح أغلق الموقد وأضع في الماء المغلي شايا فينتهي عندئذٍ فاصل الطرب والمراح.
يأتي ﭘيتروﭬيتش, ثم يسند كتفه الى الدولاب ثم يقول:
- ( عدم تسديد)
هذا الكلام المزعج يتدلى في الهواء بين ابريق الشاي, بيني وبين ﭘيتروﭬيتش.
أنا لا أفهم رد فعل ابريق الشاي. أَيروقه هذا الكلام أم لا؟ الى جانب من هو ؟ معي أم مع ﭘيتروﭬيتش؟ فهو ليس الى جانبي. الكلام المعلق في الهواء لايعنيه. متاعبي لاتهمه. إنه قادر على مواصلة العيش من دوني.
ويسألني ﭘيتروﭬيتش:
- متى تسدد؟
فأبين له:
- تدري, ابريق الشاي لايحبني.
- من هذا الذي زارك أمس؟ لماذا كنتما (تتصارخان)؟
- ابريق الشاي, يا ﭘيتروﭬيتش. هذا الواقف هنا. هذا النحاسي الأصفر.
- وجعلت أسأل نفسي: لماذا يتصارخان؟ لعلَّ نقوداً أخذت تسيل على كفيه! هيا – قلت لنفسي – فلأسرع إليه. آن له أنْ يسدد إيجار السكن. ورحت أبثه شكواي:
- علاقتنا ليست على مايرام, متوترة جداً . إنه يترصدني باستمرار, يريدني أن أغليه ليل نهار. لكنني لا أستطيع , إفهمْ!.. فثمة شؤون اخرى.
يدهش ﭘيتروﭬيتش وهو ينظر الى مائدة الطعام التي لما تنظف منذ مساء امس:
- والسجق باق!.. حتى الثانية صباحاً كنتما تتصارخان!.. وينتابني هاجس : أخشى أنهما سيتذابحان!
أطفئ موقد الطبخ فيبدأ ابريق الشاي بارسال خنينه في الحال.
- ها, تسمعُ؟ تسمع؟ تمهل, فهناك ما هو ليس بالحسبان !
لا يسمعني ﭘيتروﭬيتش. انه ينصت الى صوته الباطني يقول:
- ( ماذا أسمع؟ لقد سئمت!.. ادفعْ او ارحلْ) لأمر ما يصمت ابريق الشاي, يكف عن الخنين ويروح ينصت الى حديثنا في تعنت بليد.
أشغل أنا عند ﭘيتروﭬيتش ركناً له عدة أركان: ركن حيث أنا, ركن حيث الأصباغ, ركن حيث ابريق الشاي, ركن حيث الدولاب. لكن ﭘيتروﭬيتش هو الان مع صوته الباطني الذي سرعان ما يتحول ظاهرياً:
- لأجل السجق تتيسر النقود!.. للسجق, للخبز, للشؤون الثقافية... يتصارخان حتى الرابعة صباحاً! أما نحن فلا يصيبنا سوى عدم تسديد مطلق!..
لماذا يصمت ابريق الشاي؟ يتظاهر كأنْ لم يسمع حتى بالغليان!
أبيّن لپيتروفيتش:
- یصمت, یصمت عن قصد, لقد أستكنّ. وسوف يبقى صامتاً مدة طويلة. ذلك هو ديدنه.
ويلمّح لي ﭘيتروﭬيتش:
- و إلا سنفعل كالمرة السابقة!
يالرباطة جأش ابريقي! .. الموقد الكهربائي قد توهج, في حين هو يتعمد عدم الغليان, يكز على اسنانه, يتجلد ويصغي. لا انبجاسة بخار صغيرة تندّ عن منخره,
لا وشوشة ولا بقبقة تبلغ الاسماع من تحت غطائه!
وفي المرة السابقة كانت الفعلة شنيعة جداً: جراءَ عدم التسديد الذي أمتد ثلاثة أشهر, حمل ﭘيتروﭬيتش الى الفناء الخارجي لوحاتي ورسومي, أقام منها خصاً وأضرم فيه النار. اللوحات - يقولون- كانت تشتعل اشتعالاً رديئاً, لا سيما لوحة الطبيعة الصامتة وإبريق الشاي. فقد غّريتها بنسيج – أعظم به من نسيج !- مركب من مزيج الرمل والآجرالمجروش. لكن ﭘيتروﭬيتش عزل اللوحة جانباً لكيلا تحول دون إحتراق الاوراق. ورحت أجري في طرقات المدينة, ملفوح الوجه, يغمرني الرماد, لا أعرف ماذا أصنع . لم يكن ثمة سوى مخرج واحد: أن أقتل ﭘيتروﭬيتش!
ويسألني:
- إسمع, ماذا جرى لابريق شايك؟ ما باله لا يفور؟!
أعصاب أبريق الشاي متوترة الى آخر حدّ, أنه يرشح من خلال خيشومه صوتاً رفيعاً مثل لسعة زنبور.
انزاح انا الى مكان ابعد. أعلم أنَّ من الخير لي أنْ لا أعاشر, في اللحظة الحاضرة, إبريقَ شايي, أنه لا يعرف الحدود. بامكانه ان يقذف بوجهك اية قطعة في جوفه.
ويعود يسألني, مقترباً من ابريق الشاي, ﭘيتروﭬيتش:
- أم أن الموقد الكهربائي قد أحترق؟
وأصيح فيه :
- حذارِ!.. إحترس!...
فيسحب ﭘيتروﭬيتش يده جانباً, لكنْ بعد فوات الأوان,,,,
يفلت الغطاء من ابريق الشاي. تتطاير ذرات البخار المتوهجة وشظايا الماء المغلي نحو ﭘيتروﭬيتش فيعول مصعوقاً, أعشى... ويجري متمرغاً الى المطبخ, حاشراَ رأسه تحت صنبور الماء. يبتهج طرباً ابريق الشاي, يبصق بخاراً الى جميع الجهات, يرقص, ينط ويصدح في ظفر, وأي ظفر!
كان عليّ – طبعا – أن اطفئ الموقد الكهربائي, ان أجلس الى نفسي قليلاً وأفكر كيف سأعيش في المقبل من أيامي... أما كيف سأعيش بعدُ فذلك أمر خفيّ, وأما ابريق الشاي – حسناً – فلندعه الآن يغلي!...



لندن 28/12/2013
 




 

 

 

free web counter