| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

د. حسن البياتي

 

 

                                                                                        السبت 24 / 8 / 2013

 

ثلاثة مزامير من سفر الاشجان

د. حسن البياتي

المزمور الأول - البكاء

جئت للعالم أبكي -
كانت الدنيا مطيرهْ ،
وعويل الريح يزري بالأكف المستجيره
وضعتني أميَ التعبى
على أعتاب هذا الكون تبكي -
وجهها الحنطيّ كانْ
شاحباً ، ينحب يبكي ،
رغم لحْظات مخاض ٍ لم تكن جدّ عسيره -
آخرَ العنقود كنتُ ...
قبــّـلتني بحنانْ ،
غسلت بالدمع خديَّ ... بكيتُ ،
كل من في الدار كانْ ،
يوم ميلاديَ يبكي ،
والدي المنكوب كانْ
يجرع الحسْـرات ، يبكي ،
شاعراً بالذنب ، يبكي :
ضيعت كفاه في سوح التجاره
كلَّ ما يملك حتى
حقلـَه الغارق في الديـْن وداره
وأمانيه الجميلهْ ...
بعد أعوام شجيات ثقيله
حدثتني أختيَ الكبرى بما كان وكانْ ،
فبكيتُ .
بعد عام من بكائي الاول ِ
غادر الدنيا أبي ذات مساءْ ،
دون أن يترك لي
غير أسفار هموم ومحطات شقاءْ ،
فبكته أمـُّنا حَـرّ بكاء .
حدثتني أختيَ الاخرى عن الحزن الذي
لفّ أبي قبل الرحيلْ
وعن الليل الطويل
ألذي عانق دنيانا عناق المستحيل ،
فبكيتُ .
مرّت الايام تعبى
وحياة الأمّ تعبى
وحياة الاسرة التعْـسة تعبى ،
بلدتي ( السعدية ُ) الدامعة العينين كانت
أكثر البلدات تعبى .
ورحلنا
نحو باب الرزق في بغدادَ ،
عشنا وكدحنا ،
دون أن ننسى البكاءْ .
مرّت الاعوام تنداح عسيرات مريره
والبكاءْ
لم يزل يقفو البكاء ...
رحلت أُمي ، فلم أملك سوى
أن أملأ الحارة والدار بكاء ،
رحلت أختي الكبيرهْ
وشقيقي ، وأنا أنحب أبكي ،
رحلت عينايَ عني ،
لم أجد غير البكاء
راحةً للنفس ، مأوى للعزاء ،
لم أمُت يأساً ولكن عشت أبكي ،
قدري أنْ أمطر الأرض بكاء ،
قدري أنْ أزرع الارض بكاء
وسأبكي ...


لندن 13/03/2010
 

المزمور الثاني – ويستمر البكاء

(الى شقيقتي الخالدة الذكر حمدية نجم البياتي ، التي رحلت عنا صبيحة يوم الثلاثاء المصادف للسادس عشر من شهر آذار سنة عشر وألفين)

(1)

يظل ، يا شقيقتي ، البكاءْ
قاسمنا المشتركَ الأثيرْ
يصحبنا ، كظلنا ، للنفس الأخير،
ينهل ما يشاء
من دمنا ويسأل المزيدْ .
فلنستجب ، يا أيها الشريان ، يا وريد ،
لكل ما يريد -
فإنه رائدنا الكبير
في الحل والترحال والمصير ...
يسكن في ضلوعنا ،
ينبض في قلوبنا ،
يطل من جفوننا ،
يلامس الخدود والجباهْ
ويوقظ الرعشة في الشفاه
فترتوي من نبعه جداول الحياه
بكل ما يحرك الاسباب في الحياه .
جئنا الى الوجود في أحضانهِ ،
بكفه عمّـدنا ،
باركنا ، قبلنا ، مسّــدنا
وضمنا الى حمى سلطانهِ ...
ولم نزل في فـُلـْكه ندورْ
على مدى الايام والشهور ...

(2)

شقيقتي !.. ها أنتِ ترحلينْ
وتتركينني هنا وحدي بلا عيون
ألمح فيها نفحةً من الضياءْ .
وحدي هنا ،
لا وطنٌ يلثمني ترابه الطهور ،
لا أصدقاءٌ أوفياء
أشمّ في حديثهم رائحة البخور ...

ها أنتِ ترحلينَ ،
يا شقيقتي ، يا أميَ الحنـونْ -
بعد رحيل أمنا الحنون ...
ها أنت ترحلينْ
وتتركينني بلا خدين ،
وحدي مع البكاءْ
في عالمي الحزين ...
وحدي ، بلا دعاء
أسمعه من قلبك الرؤوم ِ
عبر هاتف الصباح والمساء
ينساب من بغدادنا التي
تصارع الأجير والدخيلْ
الى مدينة الضباب - موعدي الاخير ،
قبيل أن تحل ساعة الرحيل ! ...
شقيقتي ، لا تحزني !
ها أنني
أشدّ خطوي ، مسرعاً إليكِ ،
مقبـّلاً ، في لهفةٍ ، يديكِ ...


لندن 17/03/2010

المزمور الثالث – الحزن

( الى ابنتي البكر جميلة ، التي اختطف الموت شريك حياتها وهما في مقتبل العمر )

حزين عليكِ ،
حزين مدى العمر، يا إبنتي الغاليهْ !
حزين عليكِ ،
تكاد نياط الردى
تشدّ الخناق على مهجتي الواهيهْ
وتعصر أنفاسيَ الذاويه ...
حزين عليكِ ،
حزين وليل العمى
يدب دبيباً باوصاليه ،
يشلّ سبيلي اليكِ ،
حزين عليكِ ،
أحس وأسمع ، عبر المدى
وعبر امتداد الثواني ،
نحيبـَك ِيسري بروحي ، يهز كياني
فيشتد حزني ويسمو حناني ...
حزين عليكِ ،
على الورد يبكي شجياً
ويذوي شذاه على وجنتيكِ ،
على الدمع يهمي سخياً ،
يودّع ، في حرقة ، مقلتيكِ ...
حزين عليكِ ،
وحزنيَ طيرٌ كسير الجناح ِ
يهمّ انطلاقاً اليكِ
فيهوي على الارض ،
مختلجاً في مسوح نواح ِ ...
فهل من نسيم صباح ِ
يحطّ فؤادي على راحتيكِ ،
قـُبيل براحي ؟ !

 

لندن – اوائل تشرين اول / اكتوبر 2009



 

 

 

free web counter