د. حسن البياتي
من يوميات الصبي الكادح حسوني
د. حسن البياتي
في البدء ِ كان بائعاً
أرغفة َ الخبز على رصيفْ
شويرع ٍ معبد نظيف
في حارة شرقيّ بغدادَ اسمها المألوف
في ألسن الناس ( الكرنتينهْ ) ،
محلة ٌ بيوتها عامرة بالحب والحياة والزينه ...
أمضى بها كادحنا الصغيرْ
حياتــَه حصوله على شهادة ( الليسانسْ ) ،
أحبه ، أحبهم فيها جميعُ الناس ،
إلا كلاب الليل والفئران ...
جارته – بائعة الحناء والبخورْ -
لمــّا يزل يذكرها كان اسمها بدور ،
صبية ٌ هادئة لطيفة مقلتها تنبض بالحنانْ
لطالـَما عاكسها الصِبيان
فتنزوي ، باكية حزينهْ
لكنما صبينا ، كادحنا الاصيلْ
كان يغيث دائماً جارتـَه بكفه الامينه
ذات العصا الغليظة المكينه ،
مكفكفاً ، برقة ، دموعها السخينه ،
فتنثتي باسمة ، شاكرة صنيعه الجميل ...
ومر عامان ، مضى بعدهما كادحنا ، فارسنا النبيل
يخوض ، واثـق الخطى تجربة كادحة جديدهْ
قد فتحت ادراكه على رؤى
عوالم واسعة غنية بعيده ...
صار يبيع الماءَ منذ لحظة الاصيل ،
بالقرب من مدخل ملهى اسمه المشهور ،
ملهى ليالي الصفا
يختلط الصفاء ، في احضانه ، بالجفا
فيظهر المكشوف والمستور والمحظورْ
وتفعل الكؤوس ما تشاءْ
في ذمم الرجال والنساء
تعلم الفتى ، وقد شبّ عن الطوق ، الكثير الكثيرْ
قبيل أن يحط ّ كعبيه على
أعتاب مدخل كبير ٍ كبير
لمعمل ِ السكائر الكائن في محلة ( المربـّعه ) ...
مـرّ من الشهورْ
ثلاثة أو أربعه
على الفتى ، كعامل ٍ أجير ...
وجاء عام خمسة واربعينْ
فهـزّ إضرابُ جموع الكادحين
في معمل السكائر المشهور ( لوكسْ ) ،
كيان مصاصي دماء المعدمين .
ودارت الاحداث والامور :
معاركٌ حامية نال بها كادحنا الجسور
ما نال من شتيمة وركلة و ( بوكس )
ماما ، لقد أسهمت في الاضرابْ
فسرحوني خارج الابواب ،
وليدك الصغير ، منذ لحظة الاضراب والمناوشات صارْ
يفهم ، عن وعي ، اموراً جمة كبار
يا ولدي ، يا كادحي الصغير ،
فلتبتهجْ ، خسرت في معركة الاضراب هذي العملا
لكنْ ربحت في مسيرة الحياة الأملا ،
فلتبتهج ، يا كادحي الكبير ،
اليو قد غدوت ، حقاً ، رجلا ...
واختطفت ، بـُعيد أشهر ، يد المماتْ
والدة الفتى الذي ما زالت الحياة
تمنحه الكثير
ولم يزل ، رغم الثمانين التي عانقها ، يسير
لندن في الاول من ايار 2012