|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  24 / 3 / 2016                               د. حسام آل زوين                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



 ... رســالة الى فـهـــد

د. حسام آل زوين
(موقع الناس)

البحرُ هادئ بأمواجهِ بعض الشيئ ، يُحيط الاخضرارُ بزرقته عند السواحل المنحنية ، السماءُ زرقـاء يؤطـرها اللون الفضي والابيض عنـد الافـق ، طيورُ البحر المتطايرة المتزاحمة تتبارى تلتقط مما وهبها الله من رزق . بواخـرٌ .. زوارقٌ .. سـفنٌ ضخمة راسـية تُبان من على البعد حيث وضوح الرؤيا ... الشمس تنهض متسارعة بسـطوعها الى السمت ، اناسٌ تلهـوا ، أطفال تلعب واناس بين هـذا وذا ، أهي الجنـة ٌ ! .

تباينُ المـدِ والجـزر واضحٌ من اثر تكوين الخطوط المتوازية المتناهية ( الكـونتـورية ) على طول الساحل والتي استطاع ان يقـدر الفـرق في مستوى ماء البحر بين الحالتين ، اخذ يـذرعـه بخطواته المقاســة المعـروفــة ذهـابـاً وأيـابـاً .

توقف فجأة ... ادارَ بوجهه يميناً الى المباني العالية المتنوعة المتناثـرة .. ، وعاد يتطلع الى ذات الافـق .. غاص في تفكيره ؛ أخذ يكلم نفسـه مدندنا ، كلامه قـد يكون مسـموعا لحد ما أو لمن يمر بجنبه ، .. لمه نحن لم نصل الى هكـذا رقــاء من التطـويـر والعمران ؟ . البصرة شمالاً .. ما البصــرة ؛ أن توصل النـوابَ للبحـر . شـناشيلُها ... الناس والسيابُ والاطفال لازالـوا بفارغ الصبر يسترجوا للمطـر والحزن بالوجوه محفـور بعمق منذ سني القمع .

كـم لك بمثل هذه الوقفـة وقفتـها بمراحل عند سـواحل ؛ بحـور، مضايـق وخلجـان ؟ ؛ أبيض ، أسـود ، أحمر ، ميت ، هندي ، أطلسي ، هادئ ، يوناني ، هـرمـزي ، فارسيٌ زمنَ الشاهنشاه ، عـربيٌ عهد عبد الناصر، عــدن ورأس الرجاء الصالح .... .
يخاطب من ؟ ، يكلـم من ؟ ، أعـاشـق مغـرم .. ولهـــان ! ، أم مصيبة ما ألمـت به ؟ .

أخـذ يعـدد ، يـقارن بما حل بالعـراق ما بين الامس واليوم .. ما بين هـذا وذا.. يردد كلمات الشاعر موفـق ابو خمرة يشـكو الى الله سـوء ســاستنا ، .. فـروق ، تباين ، هـوة ، أنقسام ، صراع مطامع .. ، وهـو بهذه الحالة جالت في خاطـره أن يبعث برسالة الى الخالد فـهـد يناشـده عن مفهوم الـوطـنية ، معناها ، وكيف رسخت بعمـق في اذهــان اجيال عـديـدة ، والمحطات الرئيسية التي مـر بها الحـزب بمناسبة التأســيس .

أزمات اقتصـادية عالمية ، محلية وركـود ، انعكاساتها على كل الاوضاع .. حـروبٌ همجية لا معنى ، لا طعم لها ؛ لازالت أدخنتها تعمي العيــون .. رائحتها تزكـم الانـوف . سـقوط بيادق وعـروش شـطرنجية ، أصنام ، أنظمة هوّتْ وتسـاقطتْ أيـديولوجياتها القـوميـة الصفـراء كتسـاقط اوراق الخـريف ؛ عانت من جرائمها الشعـوب لسنين واخرى اكل عليها الـدهـر وشـرب .

مـرور فصل عابر على البلـدان أسموه الربيع تـزامن مع تردي اوضاعها الاقتصادية السياسية ، أزمات عالمية أسـتفحلت صُـرِفتْ بأحـتلال العـراق ، حلول أنظمة مبرقعة مزركشة بنقوش مطلية اسـموها ديموقراطية ، وفي العراق خضراء صفـراء ســوداء لبست لباس الدين بخورها يبعث رائحة طائفية ثقيلة خانقة ، شــرار جمره المتطاير قشـور الدين اعـده بحنكة الشيخ وخبث مولاي والروزخون.. الذين سـفهوا الفقـه وزمروا ما أسْـتحلى لهم بنغمات الطائفية النشاز، تصدرتها سـاسة الصدفة والعمامة ما بعد السقوط ، ظللــوا بسطاء الناس والانسان المسحوق ، بملاقـاته الرسل ومضاجعة الحور العين .. وما لذ وطاب من خمور الجنة أنهاراً أنهـارا . تحت هذا من فضل ربي .. وبرقص الغجـر الليلي المجون أفتتح عالي العقـار المذهب المزورق .. تمتعـوا تنعموا بالمال المسروق ، واناسٌ تحت خط الفقـر .. مأواهم المـزابل ، المقـابر وصفائح (التنك) والطين وبأس المصير، أطفالهم مشـردون لا درس لهم ولا مـدارس .. يلتقـون على القمامة في لعبهم أو في سـد الرمق .. أو فيها خالدون ، فسـادٌ ينخــر في مفاصل الدولة ، بطالة عطالة مقيتة ، ظهور عصابات السرقة والعصابات المسلحة .. بغياب الوطنية الحقة تلك والقانون .. سـقطت مـدن من العــراق بايادي عصابات الرعب والقتل والسبي وحـز الرقاب .

هكذا الذي يجـري في العراق مختصر بكل ما تقدم ، لبلـــد ينام ويصحى على الـذهب الاسود .

وحــزبكم العــريـق ... ( اللي ما عنـده أبـو .. الحـزب أبـوه ... الحـزب بيته ) ... ( رحت مكبعة وامشي بالـدرابين الفقــيرة ... وزعت كل المناشـير وخـبرهم ... يمه يمه وعيوني ماتيهت دربـهم ... يمه يمه ) ...

بحلول اذار يسعـد الجميع ان يزف لشخصكم الكـريم ايها الخالــد أجمل التهاني وأسمى التبريكات بمناسبة حلول الذكرى 82 لتأسيس حـزبكم الحزب الشيوعي العراقي المجـيد ، حزب العمال والفـلاحين والشغيلة والكسبة والشبيبة والطلبة والعسكرين ، نساءا ورجالا من مختلف القوميات والاقليات ، متمنين للحـزب ورفاقه الصحـة والعافية ، النجاح والتوفيـق لانجاز المهام الملقـاة على عـاتقـه لاسـيما الوطن والشعب والحزب يمرون بظروف عصيبة بالغة التعقيد وان يخرج الوطن والشعب من هذه المحنة الاليمة سـالما معافى .

تنبأتم بأعتلائكم المشانق انتم ورفاقكم الخالدون ؛ الشبيبي ، زكي بسيم واخرون .. في 1949 ؛ بان الحزب أقـوى من الموت وأعلى من أعــواد المشانق ...لم يمت الحزب بل نهض شامخا ًمن جديد عاقـد العزم في النضال من أجل التحررالوطني وأرسـاء اسس العـدالة الاجتماعية ، فبنى الحزب تنظيماته ولجنته المركزية ومكتبه السياسي فبزغ ســلام عادل سـائرا في طريق الشعب بطل لم يهب نهش الاعـداء ، وكوكبة من رفاق أشـداء ... ســاروا في سـوح النضال على نهجكم ... شـعاراتكم ؛

قـــووا تنظيـم حـزبكــم قـــووا تنظيــم الحـركـــة الـوطنيــة .

اصبح الحزب قـويا في بنائه التنظيمي من العمال ، الفلاحين ، الكسبة ، الطلبة والشبيبة ، العسكريين ، المـثقفـين ، نساء ورجال من العرب ، الكـرد والاقليات القومية الاخرى من كل الاديان ومن كل انحاء العراق ، في المدينة والريف ، في السهل ، الهـور والجبل . في المصانع ، المعامل والمزارع ، المستشفيات المدارس ، في الساحات والشوارع ... من خيرة بنات وأبناء العراق ، منهم من لحق بالموكب العابر ورحل ومنهم شــمعات متقـدة لم يــزل بقـوة المــثل .

في فجر 14 تموز 1958 دوّت الثورة باسناد جماهير الشعب والحزب بعد تشكيل جبهة الاتحاد الوطني عام 1957 والقت بسـاسة العهد البائد مسؤولي السجون والمعتقلات والاعدامات في مزبلة التأريخ وسـقطت معهم الاحلاف العسكرية والسياسية والمعاهدات الجائرة . لقد ناضل الحزب منذ تأسيسكم ولحد الان على جميع الاصعدة وفي كل المناسبات والمنعطفات واضعا مصلحة الوطن والشعب هي العليا ؛ بوصلة نضاله بكل اشكاله . لقد رسخ مبدأ الوطنية الاصيلة عميقاً في الاذهان ، اصبح هو الخبز والملح ، ولم يستطع احد ان يغمز بوطنية الشيوعيين لا من بعيد ولا من قريب ، هو ذلك مفهوم فهــد – ومن بعده سـلام عـادل ؛ قـوة بقاء الحزب وديمومته ؛ لقد كنت وطنيـاً قبل أن أكون شـيوعيـاً وعندما صرت شـيوعياً صـرت اشــعـر بمســـؤولية أكــبر تجاه وطني .

لقد انعقدت كونفرنسات ومؤتمرات الحزب المتلاحقة السرية وشبه السرية أرتباطاً بالظروف المحيطة وطبيعة نضاله ، وقامت الجمهورية الفتية بانجازات كبيرة في الاقتصاد ، البناء والتعمير، النفط والاصلاح الزراعي وجملة مشاريع ومنشأات غطت مدن العراق في غضون الاربع سنوات من عمر الثورة ، الا ان هذه التحولات والانجازات لم تـرق للجهات الاستعمارية والرجعية فتكالبت من كل فج لاجهاض ثورة تموز ومكتسباتها ، وتعـرض الحزب مرة اخرى في 1963 نتيجة مساندته للثورة الى ابشع حملات اعتقالات دموية طالت بنات وابناء الحزب راح ضحيتها كوكبة مناضلة من قيادة الحـزب ؛ سلام عادل ، جمال الحيدري ، محمـد صالح العبلي ، عبد الجبار وهبي ، ابو العيس ، عطا جميل ، رحيم شريف ، جورج تلـو، حمزة سلمان ، مهدي حميد ، ماموستا باقي ، ياسين ورشيد أحمد وغيرهم ، وبعد ان صفيت قادة ثورة 14 تموز السياسية والعسكرية ؛ الزعيم عبد الكـريم قاسم ، فاضل المهداوي ، ماجـد محمـد أمين ، وصفي طاهر ، جلال الاوقاتي والمئات بل الالاف من الشهـداء العـرب والكرد ، التركمان ، الاشوريين ، السريان، الارمن ومن كل القوميات والاقليات والطوائف على ايادي قـطعـان وذئاب الحـرس القـومي وعصابات ومجـرمي البعث باسـاليبهم الدكتاتـورية القمعية الدموية بل اكثرهمجية وفاشية من حكم نوري السعيد ، تصفيات جسدية ضد أعضاء الحزب وأصدقائه ؛ ورغم شتى انواع التعذيب سـادية لم تنـزع منهم (البراءة للنواب) .

وفيما بعد 1968 ؛ نهض الحزب من جديد ، وانطلاقا ًمن نفس المبدأ في اقامة الجبهات (بحسن النية) ؛ تشكلت الجبهة الوطنية في 1973 (ديمتروف تصدر المحاضرات التثقيفية) انفـرد البعث بها وعاد يمارس انتهاج سياسة التبعيث ، التعـريب والترغيب ؛ الحلوى بيد والسوط بيد ، في 1978 انفرط عقد الجبهة وغصت السجون والمعتقلات والقبورالجماعية بخيرة ابناء الشعب العراقي من كل قـومياته واقلياته وطوائفه، حرم العمل السياسي للاحزاب الامرالذي ادى الى تجميد عمل المنظمات وخروج الحزب الى المعارضة ورفع شـعار الكفاح المسلح ... ومرة اخرى ضمد الحزب جراحه العميقة ولملم قـواه بتشكيل قوات الانصار من جديد في كردستان ، للحفاظ على اعضاءه وصلة تنظيمات بالداخل ... قدم الحزب اغلى التضحيات .

ادخل البعث الوطن في حرب طاحنة لا معنى لها في 1980 مع ايـران بضوء أخضرأمريكي ، فقـد العراق خسائر بشرية ومادية جسيمة ، دمار وخراب في البنية الاقتصادية والاجتماعية طيلة الثماني سـنوات استنزفت كل موارده واحتياطياته ، توقفت الحرب في 1988 وتلاها غـزو الكويت وتكبل العراق .. انتهى الامر الى احتلاله من قبل امريكا واختفاء الصنم في الجحور واعدامه وانتهاء حكمه الاسـود الجاثم .. تأمل الشعب العراقي خيرا بان يأتي نظام يستفاد من اخطاء الماضي ينقذه من وضعه الاقتصادي السياسي المتردي المزري، بل حصل العكس ، وبجملة تداخل عـوامل تفردت احزاب الاسلام السياسي بالسلطات الرئيسية التشريعية والقضائية والتنفيذية وارجعت العراق الى عهود التخلف واوصلته الى الهاوية ، حيث يعيش الناس الى دون خط الفقـر من جراء الفساد المستشري بكل انواعه الذي ينخركافة المؤسسات الذي مارسته السـلطات المتعاقبة منذ السقوط 2003 ، وباسم الدين سرقت الاموال وهربت بدون وجدان ولا ضمير ، حيث الميزانية خاوية لا تستطيع تسديد الرواتب ، نهايك عن انعدام أبسط الخدمات العامة والشعب يعاني ؛ من العوز ، الظلم .. الظلام ، انعدام الانتاج في القطاع الصناعي والزراعي ، تفـشي البطالة ، التخلف .. الفساد ، السرقة والقتل على الهوية في ظل غياب القانون من قبل عصابات وميليشيات الاجرام والارهاب ، قـطعت الرقاب ، ودنس شـرف الحرائر وسرقت ثروات البلاد من عصابات ارهابية تكالبت من كل حـد وصوب ، وبظل هذه الظروف المعقدة والحزب يناضل على كافة الاصعدة رغم التهميش وممارسة القمع ، حيث لازال رفاقه نساءا ورجالا لاشـهر بدون كلل وتعب يحتشدون محتجين بالساحات العامة للمدن وســاحة التحـرير ببغـداد رافعين شـعاراتهم ؛ مطاليب الشعب في مظاهرات حاشـدة .

.. ااي زمن هـذا .. ايها الخالــد ؟! .
فهـد بويه فهــــد بعدنه على العهــد
عـام والف عـام وتتلالي الاحــــلام

مما تقدم نستخلص ما يلي ؛
لقد حافظ الشيوعيون العراقيون منذ النشأة الاولى وبيانكم الاول على نقاء النظرية بأمانة من الشوائب ، وســاروا على نهجكم جيل بعد جيل بالحفاظ على مبدئية المواقف الوطنية الاصيلة ، وطنييون ... مثقفـون ... أمناء ... نظيفـوا الايادي والضمير بشرف مدافعين عن حقوق العمال والفلاحين وسائر الشغيلة والكادحين من اجل العمل والعـدل الاجتماعي ضد الاستغلال والاستعمار بكل تسمياته وتفضيل مصلحة الشعب والوطن فوق كل المصالح ... هي سـر ديمومته وبقائه .

منذ التأسيس وللوقت الحاضر تعرض الحزب ويتعرض الى تصفيات مريعة هـددت كيانه من قبل كل الاطراف التي لا يروقها وجـوده ، وظل بحق المدافع الامين عن الوطن وحقوق الشعب بكل مكوناته ، ولم يحـد عن هذه البوصلة الوطنية التي امتحنها الناس والـزمن ، لقـد تربى رفاق الحزب بالوطنية الحقة حيث أمست الخبز والملح والضمير ووطنيتهم لا غمزة أو لمزة فيها لامن قريب او بعيد ولا بد للتأريخ ان يقول مالم يقله بعد تجارب مريرة ... هي سـر ديمومته وبقائه .

لقد خاب ظن الحكام والطغاة المستبدين منذ أعتلائكم أعواد المشانق في 1947 وللوقت الحاضر بالقضاء على الحزب ، وكل من عـادى الحزب مصيره مزبلة التأريخ ، فأمتـد وتكاثر كفسيل نخيل العراق ، وبكل كبـوة يقوم وينهض شـامخاً ،.عـقدت مؤتمراته وصيغت قـراراته وخطت سـياسته ، بوقفـات انتقـادية ، وقـد زكت الحياة صحة مـواقفـه وسياسته لاجل الشعب والوطن ... هي صحته وسـر ديمومته وبقائه .

بكل الظروف القاسية واحلكها التي مر بها الحزب في السر والعلن انجب الحزب خلال مسيرته خيرة النساء والرجال وقفـوا وقفة الابطال بوفاء وضحوا بحياتهم وبزهرة شـبابهم بنكران ذات عالي من اجل الحزب والحفاظ عليه ، تعرضوا الى الاعتقالات ، السجون ، التعذيب ، الاعدامات والمقابر الجماعية ومن نفذ ..فالى الهجرة والغربة ، لقد قدم الحزب آلاف الشهداء قربانا للوطن للشعب ... وشهداء لم يـوار جثمانهم الثرى . للحزب رفاق طينتهم معجونة بالطيبة العراقيـة والشهامة الوطنية ، من كل أطياف الشعب بقومياته واقلياته ... متنورين بالثقافة والعـدل الاجتماعي نهضوا به من كـبوته ، لقد رويتْ أغصـان الامل للغـد الافضل بدماء زكيـة شــريفة من كل الالـوان وبالدمـوع من كل العيـون ، وها هي تلك البراعـمٌ ازهرت براعمـاً ... هي قـوته وسـر ديمومته وبقائه .
...
اللي يمشي بطريقنا شيشـــوف ...
يابوعـلي ... يابـوعـلي
موت لو ســعادة ... يابو عـلي

على العهـد لازال الـرفاق يرددون دائما :

سنمضي ... سنمضي الى ما نريد
وطــن حــر وشـــعب ســـعـيد



 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter