|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  20 / 12 / 2016                               د. حسام آل زوين                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

 فهلم النهـوض ... وانتقي الـورد

د. حسام آل زوين
(موقع الناس)

وصلت المفرزة الجبل الاسود (شاخه رش) المطل على سـديكان عند رقبة وادي حصاروست ما بين العصر والمغـرب ، قادمة من بهدينان بسبعة ايام من المشي ومبيت فى العراء ، لم يزل قرص الشمس دائريا كبيرا ساطعا تشعر ببرودة المنطقة ، حيث يكاد هـواء الوادي يقـرص الظهر ببرودته اذا لم يكن ملفوفا بحزام الظهر (البشتين).. على طرفي الدرب الى مقر سرية حصاروست تنبعث رائحة النباتات التي تلسعها اشعة الشمس نهارا كأنها رائحة العاقـول او الصفصاف او ما بينهما لكونها مزروعة في الذاكرة حملته الى ارياف الحلـة وحقولها ... يهب نسيم بارد من باطن الـوادي يرتفع الى اعلاه في مسطحات رقبته ... يمينك قمة (شاخ رش) وبوجهك يهطل قرص الشمس البرتقالي يشق الافق ، على يسارك قمم حصاروست الشاخصات العاليات التي تقدر ارتفاعاتها بثلاثة آلاف متر فوق مستوى البحر ، يغطيها الثلج معظم ايام السنة خصوصا في القطع الصخري الشاهق الذي يعلو الجبل ، لقطات تشابه تلك التي صورت في افلام الكاوبوي أو في افلام الحروب . لكنها جميلة ... تلك هي بلادي ! .

لقاءات متكـررة بمفارز من الشباب والشابات الانصار يحملون بنادقهم تعلو وجوههم اثار التعب ، الجوع والسهر ، الالم والحيف ، متربة البستهم . اثيرت التساؤلات من افراد المفرزة القادمة للتو من بهدينان وبين ما تصل من مفارز تتلاحق بالدروب الى مقر حصاروست .. اين الرفيق ابو .. واين الرفيقة .. هل التقيتم بها .. اين تركتموهم من استشهدت .. ومن استشهد ، ومن وقع بالاسر ومن الشهداء.. استشهد .. لم يستشهد بل اسيرا ، لا وربما تائه في وديان بشتآشان .. جريحا .. واخر لقد صفيّ ... ، بعض من اعضاء المفرزة الجـدد يعرفـون بعض الاسماء ... تعالى الى سماعه استشهاد زملائه .. فلان .. وفلان .. بل سمع استشهاد صديق العمر.. سمير مهدي شلال (ابو تيسير) .. خرج من حدود حلقة المتجمعين كي يجمع قواه الذهنية وليتأكد من ترشيح غربال سمعه للاخبار التي تخللت الى ذهنه ليرى مستقرها ... كيف له هذا .. واراد ان يلتقي به بفرحة اللقاء في الوطن كي يبرهن له بفخر بانه لازال على العهد باللحاق به ، وليحمله تحيات زوجته وطفله الجميل بملابسه الانيقة وهل اوصلوا له شريط التسجيل والذي حمله اليه هدية عبر كل المحطات .. وليقص عليه بفخر اخبار صد الهجوم التركي مع اصدقاء ورفاق لهم نفس التمنيات والهموم وبطولاتهم وتضحياتهم بروح نكران الذات العالي ، ومنهم شـهداء ، ويروي له مشاهداته منذ تركه البيت الاخضر في عـدن مرورا بكل محطات العبور والاسفار ، وليقص له روايات غرامية جديدة لم يتسن لهما تبادل اطرافها ، كل ذلك لتفاوت مغادرتهما اليمـن ودخولهما الى الوطن والالتحاق بقوات الانصار .

لا يعرف كيف يركن الخبر الصاعق المخيف في مخيلته وذهنه ويتيقن من صحته .. خبر هـز كيانه واغثاه .. دقات القلب تتصاعد لا يعرف بماذا يتفوه ، ينظر ذات اليمين وذات اليسار ، يسدد نظره الى قمم سلسلة جبال حصاروست .. ايتسلقها وينظر بعيون زرقاء اليمامة الى الدروب عسى ولعله ان يجد أثر له مع القادمين المتخلفين عن الركب . يسرح قبالته الى المنحدر، من على البعد تتراى قـرى وبيوت متناثرة بدأ دخانها يتصاعد يعتقد انها ادخنة التنانير، سـوف يأتي سمير بطبق الخبز الحار ليستقبلنا به ، بمعرفته للمفاجئات ، ويعرف بان سـمير في شبابه ساعد امه في بيع الخبز لاعالة العائلة .. . على بعد مئات الكيلومترات يقطنون اهـله في منحيات نهر الفرات ، الا زالوا أحياء سـاكنين ،الا زالت حبيبته ملازمة لشباكها ، كيف الولوج اليهم من عنق حصاروست . من هذا العلو تتراى منحيات لافرع وانهر كأنها خيوط عنكبوت متلألئة بتردد اشعة الشمس ذهبية صفراء حمراء ، مروج خضراء داكنة فاتحة الخضرة وخضراء مصفرة تغطي كل هذه المسافات حيث الافق المترامي ، .. ازهار حمراء طبيعية لونت بعض المساحات من السفح ، اراد ان يقلمها ويرتبها ويعمل منها شكل قلب كبير يمتع الناظر من على البعد او ان يقيم مشروعا للورد فانها في بلاد الغرب لها قيمتها المادية والمعنوية لقلب من يحب ، اتتذكر كم كنت يا سمير تحب هذا الورد الذي اسميناه (ورد التلبان) بحباته الصفر والسود لنقدمها سـوية هدية بالمناسبات ... وطنية كانت او اممية ... او للقاء الاحباء ، وتتباهى بفخر بها عند الحصول عليها واختيارها ، .. حينها تلبس ربطة العنق الحمراء ليكتمل بذوق ترتيب الالوان . لا زلنا بحلق الوادي واقفـين منتظرين متعبين مبلهمين .. .

اتتذكر كيف كانت تجري الاستعدادات لهذه المناسبات لساعات متأخرة من الليل ، بين الاوراق والرسم والاقلام ، الاحبار ، الاصباغ والالوان ، لصور فهد وسلام عادل والشهداء الاخرين تزين قاعة الاحتفالات ... ولابد من اعداد كلمة وكلام ... .

لقد باعـدتنا الايام وفرقتنا السنين والمهجر والغربة ، وفي الوطن غـربة وغبار .. قسى الظلاميون والطائفيون على ابناء الوطن الشرفاء بالتهميش والظلم والظلام ، وارهـق منا البعض التعب ، منا من رحل ومنا من عـزل ومنهم من تَفِـل ...
كان ولم يزل لكم ولنا وللباقيين تفـاؤل وامـل ... .

كم مضى من السنين ، وانتم في القلب يا سمير والاحبة من الشهداء ، انتم لستم من المنسيين ... اطلقت لحيتي قسما لذكراكم حين وطأت قدامي الوادي الجميل اللعـين ، ولحين انتهاء الحرب .. لحين الخروج . انت ظلي ... كنت تتنقـل معي في كل حفل وفي كل فصل .. واينما حللت ، انها الحقيقة.. ، لقد غنت الرفيقة ليلى ذات ليلـة اغنية .. الورد جميل ... جميل الورد .. شوف الزهور وتعلم ... في موقع وادي دراو ... . وها انا من مكان اخر استنشق رائحة نباتات العاقـول او الصفصاف كالتي كانت في اريافنا نابتة في القلب او في رقبة وادي حصاروست .. وتيقني بنبأ الاستشهاد الذي لم يركن .. في هذا الوقت وفي هذه الساعة يعقـد المؤتمر العاشر للحزب .. . فهلم النهوض لنسرع الحضور ، واستنهض الاخرين من جوارك ، وأنتقي الورد وانا كالعهـد ... قـد هيأت لوحـة وحمامة السلام ...

ولنزف اطيب التمنيات ... بالنجاح والتوفيق لاعمال المؤتمر للـحـزب ضمير الشعب ... ، وسيبقى ...
وطن حر وشعب سعيد .

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter