|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  10 / 9 / 2019                               د. حسام آل زوين                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

 دعــوة للشـيطان

د. حسام آل زوين
(موقع الناس)

خلال الاعـوام الستة عشرالمنصرمة التي مر بها العراق ، تعاقبت انتخابات مزيفة ، وتسـلطت احزاب أسـلاموية فاشـلة ، وتوالت حكومات فاسـدة ، ولازالت حياة الناس تـئن بالقهـر والفقـر والجـور، وقـد جُربتْ كل الحلـول والسبل لانتـشال الوطـن وشعبه من محنته وازماته الخانقة ، ولم تحرك ساكنا قيـد انملة . والترجي من رجالات الديـن والمشايخ من منابرهم ورجالات الاسلام السياسي الجـدد على ان يترجلـوا عن صهـوات جيادهم ويتلمسـوا على اية ارض يقف الشعب ، وعلى اية ارض يقفـون ، والى اين بالبلـد سـائرون ، وبهذا لم نبشر نـورا بل اوغـلـنا ظلماً تائهين في الظلام .. الى المجهول .
وبعـد ان اكملوا بعون الله وفضله بناء قصـورهم وعقاراتهم وفنادقهم العالية القـريبة والمحيطـة بالاضـرحة المقـدسة المكيفة بمكائن التوليـد والتبريـد لمواجهة حـرارة الصيف الحارقة ولتخفيف العناء للزائـرين ( في السياحة الدينية ) كي يأخـذوا قسـطا من الراحـة والارتياح ، وبعـد ان أمنـوا مستقبل أبنائهم وبناتهم في العيش ، السكن الراقي ، العلاج والصحة والاستجمام في المنتجعات ، التعليم العالي والجامعات العالمية ، والسيارات بأحـدث الموديلات مرصعة مزينة في دول الضباب والثلج تماشيا لمكانة ذويهم ولتضحياتهم الجسام التي قدمـوها ، وبعد ان هيئـوا لانفسهم مكاتب ومطاعم ذات الخمسة نجوم ( اكل الامام ) في داخل العتبات المقدسة لتجنب المشي تحت الشمس ، وبعد ان حشـدوا ابناء (الخايبة) في مليشيات باسم زينب (ع) وابي الفضل العباس (ع) الى سـوح القتال برايات خضراء وصفراء مع معـاوية بن سـفيان في جرف الصخر اومع داعش في سـبايكـر والموصل واخذ الثـأر من سبي نسائنا في سـنجار، ( وقل ما يصيبنا الا ماكتب الله لنا ) ، ترجيهم متضرعين الى الله علنا ان يخـرج الوطن من ازماته المتكاثرة ، وتنظيفه من الفساد الروحي والاخلاقي والاجتماعي والاداري والحكومي ومن حيتان الفساد الذين لا ذمة لهم ولاضمير ولا وجـدان ، وان يتعـافى الوطن والشعب ، ولاسيما هم المتنفـذون في السـلطـات التشـريعية والتنفيـذية وسـلطة القانـون والمـال ومجالـس المحافظـات .. وزراء ومـدراء عامـون (وكل كعكته في يمينه ) وبعد انجاز المشاريع الكبرى الاسـتراتيجية الاقتصادية ، التنموية والاستثمارية والتي فاقت كل التصورات بتصاميمها المعمـارية وبكلفـها (الاقتصلدية – الخيالـية) كما في سـنغافـورة ، كتبليط الارصفة وطلائها باللون الاصفر والاخضرفي قضاء طـوريج وغرسها في حديقة كلية الاداب (حسب المواصفات العالمية) ، وافتتاح القنطرة العظيمة على نهر في الناصرية وبناء المواكب على طول الطريق من النجف الى كربلاء لتقديم افضل الخدمات للزائرين (المشاية) من (التمن والقيمة) وما يتخللها من لطم وتطبير وتشابيه وزنجيل وزحف على البطون بالطين والتفنن في ركضة طوريج (رحمة الله على روح الشيخ أحمـد الوائلي) ، وهم المتنفـذون في التشـريع والتشيع والعشيرة ، بالمقامات ، العتبـات ، الحـوزات الدينية ، واماكن الروليت والملاهي الليـلية ، في الطـائفة ، الـوقف ، القـدسية ، الـولاء والـدين ، من الجادرية الى البصرة ، (عـلم ودسـتور ومجلـس امـة كل عن المعنى الصحيح محـرف) ، وبعـد ان وصل التـذمـر ذروته وبعد كل هذا رفعـوا من عقيـرتهم لامتصاص غضب الشعب يتسائلون .
واخرها ؛ خرج الناس بكافة فئاتهم وشـرائحهم واطيافهم بمظاهرات عمت مدن العـراق الجحيم لثلاثة سنوات متتالية مطالبين بالتغيير وبابسط الحقوق الخدمية .. كهرباء وماء .. والتي اصبحت هذه وغيرها في بلـدان (الكـفـر) من الحقوق الانسانية كما في العيش الكريم والعمل والمسكن والضمان الاجتماعي والصحي وبكل مايمت بصلة بحقوق الانسان .. الا ان هذه المظاهـرات التي وصلت شرارتها وجذوتها بالمطالبة بالتغيير وضد الفساد المستشري وانتقلت من سـاحة التحريـر ببغـداد الى البصرة وباقي المدن العراقية ، اجهضت وطغت عليها شعاراتهم (شـلع قلـع) ، طغت بالتـأيين الطائفي والديني .. اراد الناس مخرجا .. هـدأت الناس وبردت ، وتأملت بالشعارات الاخيرة خيـرا .. والمدنيون الذين يتغنون بلحن الجبهات بَحتْ حناجرهم ، لا حول لهم ولا قـوة في مظاهـراتهم السـلمية ضد الفسـاد وحيتانـه من كل يوم جمعـة .
من خلال الحـوار الدائر بين الكاهن والشيطان في قصة كتبها دوسـتويفسـكي على جدار زنزانته عند نفيه الى سبيريا في روسيا القيصرية قبل 160 عام ، حيث امسك الشيطان بالكاهن من ياقته ليطير به ليطلعـه على مدى وحجم المعاناة التي تعيشها الناس ، الامرالذي لم يستطع الكاهن تحمل تلك العذابات التي شـاهـدها ، فتوسـل الكاهن بمغادرة هذه الاماكن لانها حقا هي بالجحيم ، حيث قصرت خطبه ووعظـه بالوعيـد والتهديـد للناس بالجحيم وجهنم في الحياة الآخرة غير مبالي بمعيشتهم ومعاناتهم ، وتبين بعـد هذا الحوار بان الشيطان اكثر رأفـة من الكاهن .
هنا تقافـزت الافكار .. تلاطمت بسخرية عن هـذا القـدرالذي نعيش وباية بـذاءة ، وتبادر للـذهن سـؤال ؛ بماذا لـو ان تلبى دعـوة للشـيطان لزيارة العـراق والاطلاع عن كثب بما يعانيه الانسان البسيط ؛ عسى وان يخيفهم على هذه الافعال التخديرية للناس ، عسى ان يدركـوا بما سـببه سكوتهم وصمتهم وعدم مبالاتهم على ما آلت اليه الاوضاع من هـدر للمال العام ، أيستطيع ان يمسك من رقابهم ويدور بهم لكي يريهم عن قرب وبشهادته عن حجم المعاناة والعذابات التي يعيشها الناس بكل هذا الجحيم المستعر في المـزارع الخـاوية ، المصانع المعطلـة ، الشوارع الحارقة ، المسشفيات وثلاجاتها المخنوقـة بالجثث المحترقة ، مـدارس الطين ، الفساد المستشري في الدوائر والمؤسسات الحكومية ، خيم النازحين ومخيمات المهجرين في الصيف والشتاء ، خراب المدن ومؤسساتها ، جوامعها ، كنائسها متاحفها التي احتلت وخربت من قبل داعش وبقاء الجثث المتعفنة والمزابل المتراكمة فيها ، السجون والملاجئ والمعتقلات المكتظة بالمساجين (ملجـأ الجادرية وغيرها) والتي تمارس فيها أسـوء حالات التعذيب ، وكل هذا بظل المتسلطين والمتحكمين على الرقاب والخناق من رجالات الاسلام السياسي والساسة والمشايخ الجـدد ، ابيض واسـود ، وبالتالي عسى وان ينتشل الناس من هذا الجحيم ، والشيطان يعرف ويميز اكثر من غيره مسالك وطرق جهنمية من اعمال المكـر والشر والنار ، ولتبيان ما يـدور حقـا في أدمغة وتفكير الظالمين والظلاميين وفضح اسـاليبهم وخداعهم ومكـرهم ، هؤلاء الـذين طفـوا وطغـوا على السطح ما بعد السقوط بنفخة منه وبغفـوة من هذا الـزمن الاغـبر ، عسى ان يعـدلوا بالوقـوف بالصدق والعـدل والحق والانصاف مع ابناء الشعب ، عسى ان يتعضوا ويكـفـوا عن تظليل الناس البسـطاء الفقـراء المساكين المضللين والذين لا حـول ولا قـوة لهم ايضا . حيث ذهب ويذهب بعضهم في التمادي في التظليل والخـداع والكـذب والنفاق ، واخرون يخرجون بالنصح الماكـرالمنمـق وكأنهم في وادي اخر لا يعلمون بما يجري للناس وللمجتمع .. ولايعـرفون حالة وعيش الاطفال الايتام في قارعات الطرق وتقاطعاتها في الشمس المحرقة وبالمـزابل والمقابر يجمعون ما في القمامة او من يقع بيد عصابات التجارة بالاعضاء البشرية وتهريبها ، تاركين مدارسهم وتعليمهم .. ، الا يعلمون بالارامل والمطلقات ومن منهـن يرمين اطفالهن لعدم ايجاد شيئ لسد الرمق ، او منهن من ينتظرن في طوابير زواج المتعة ، والماجدات من الامهات من فقدن معيلهن يستجدين في الشوارع وقرب المطاعم ، وعوائل تعيش في الصفائح والتجاوز والطين التي لا تقي من الحرالجهنمي ولامن البرد ، وشباب وخريجين عاطلين عن العمل ومنهم من التجأ الى الكبسلة والمخـدرات للهروب من الواقع ، ومنهم من شاغت ارواحهم بعد ضاقت بهم كل السبل في العيش الكريم في الوطن ، رحلوا عبر الحدود ، ومنهم من رمت امواج البحر بجثثهم على سـواحل مدن المهجـر ، وتعطل وخراب المعامل والمصانع والمزارع وسـوء الانتـاج والاقتصـاد والذي بدوره انعكس على تدهـور الاخـلاق والعلاقات الاجتماعية .. وحتى اماكن القبورقد بيعت بسعرالاخضر باهظا من خلال سـماسرة متنفـذين ، لايجـد الفقير قبرا لمماته..
يتسائلون عن النبأ العظيم ؛ ومنهم من يصرخ باعلى صوته ؛ اين ذهبت أموال الدولة خلال الستة عشر عاما المنصرمة .. اي بعد كل هذه السنين يتسائلون..الا يعلمون بالفساد وحيتانه ؟.. كلا ..(والله يعلمون علم اليقين) ، وممثل اخر للمرجعية .. يحث الناس ويقنعهم بالبقـاء والرضا في فقـرهم وعيـشهم في الحياة الدنيا ، ولا ضرر في ذلك ، بل الغناء هو في الحياة الاخـرة حيث الحـورالعين وجنات عـدن ، بدل ان يطالب السلطات التنفيذية ، منذ سنين ، في وضع الخطط والبرامج لتوفيـر فرص عمـل لشـباب الوطن وحثهم في السعي والعمل والانتاج ومفاهيم الوطنية ، وفي تحسين امور الناس واحقاق حقوهم المشروعة في العيش الكريم ،.. مغالطين في محكم كتابه العـزيز؛ (وما على الانسان الا ما سعى وان سعيه سوف يرى) ، وقول امير المؤمنين (لو كان الفقـر رجـلا لقتلته) .. فبهذا لاينطلي مكـرهم على الشيطان ولا يخافهم لانه خلق من نـار ويقـدر اي جهنم وجحيم هذا الذي يعيشه الانسان البسيط في بلده وهؤلاء الـولاة الاولياء ذوي الوجنات الوردية ينعمون على الارائك مترفين في جنائن الدنيا وقصـورعاليـة ونـور شمعة (555) بقدسية رسموها وبنوها خلال الاعـوام المنصرمة وباحدث وسائل الاخراج والمنتاج .. وبما جنت وغرفت ايديهم من نفـط العــراق ! .
والجيـاع تصـرخ اين حقي ؟ .
الا الصبح بقـريب ، الا الشـمس تشرق في كل الفصـول ! .
فتبا للوطنية
وتبا للمدنية والعلمانية

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter