نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

هادي فريد التكريتي

hadifarid@maktoob.com

 

 

 

 

الأثنين 13/3/ 2006

 

 

 

الحكومة العراقية ..متى ..؟!

 

هادي فريد التكريتي

المتتبع للقاءات القوى السياسية العراقية وتصريحات المسؤولين عن هذه اللقاءات ، بصدد تشكيل الحكومة ، يجد أن تصريحاتهم تدلل على أن هناك شبه إجماع على قرب تشكيلها ، إلا أن الأمر يتطلب المزيد من المداولات والمناقشات فيما بينهم حسبما يقولون ، ولا أحد يدري كم من الوقت ستستغرقه هذه اللقاءات .فكلما مر وقت أكثر على قرب انتهاء المدة التي حددها قانون إدارة الدولة ـ الساري المفعول حتى اللحظة ـ فكلما زادت الخلافات وتعقدت بين القوى المرشحة لتشكيل الحكومة ، طالبت بشكل غير قانوني على تأجيل الدعوة لانعقاد الدورة الجديدة للبرلمان . لا شك أن هناك أسبابا جدية تحول تنفيذ ما نص عليه قانون إدارة الدولة فيما يخص دعوة البرلمان ، وهذه الأسباب لم تظهر في هذا الظرف ، بل هي قائمة منذ بدايات تسلم الحكم ، للقوى العراقية ، قبل وبعد الانتخابات العامة الأولى ، التي أجريت على عجل ، وتحت ضغوط أمريكية م! ن جهة ، وعراقية طائفية وقومية ـ عنصرية من جهة أخرى ، استغلت مشاعر وعواطف الجماهير الشعبية ، التي عانت كثيرا من حكم صدام الفاشي ، في وقت كانت الحكمة والتعقل تقتضيان التروي والتفكير الجاد ـ وهذا لم يحصل ـ من قبل كل القوى السياسية ، للتوصل إلى حلول وقواسم مشتركة ، للمشاكل التي أفرزتها سنوات الحكم القومي ـ الفاشي ، وما أحدثته في العراق قوات الاحتلال من تخريب لكل مؤسسات الدولة .

فالصياغة لمسودة الدستور ، التي ُُأقرت على عجل ، لم تكن تمثل أبوابها ونصوص موادها ، الواقع الوطني الذي يجمع عليه الشعب العراقي بكل قومياته وطوائفه واتجاهاته السياسية ، إنما كانت ملبية لرغبة حكم بواقع طائفي وعنصري ، لعبت دورا معرقلا لتوجهات مستقبلية في حكم يموقراطي سليم ، وتكمن بين بنوده اتجاهات خطرة لحكم ديني ، لا تقل عن توجهات الحكم القومي ـ الفاشي ، الذي عانى منه الشعب العراقي سنوات طويلة منذ العام 1963. .

انعكاسات هذا الواقع ، عدم صياغة دستور ديموقراطي شكلا ومضمونا ، لم يجمع عليه ممثلو الشعب العراقي ، وهو قابل للتعديل في بعض مواده بعد التئام المجلس النيابي الجديد ، وتشكيل الحكومة الدائمة .إشكالية عدم تشكيل هذه الحكومة ، ناتج عن إصرار كتلة الائتلاف على رفض المشاركة مع قوائم بعينها ، أو بمعنى آخر تضع خطوطا حمراء على العمل معها ، خلافا لتوجهات أكثرية القوائم الفائزة ، نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية دون إقصاء . قائمة الائتلاف ، رغم أنها تمثل الكتلة الأكبر في البرلمان ، لتشكلها من أكثر من خمسة عشر تنظيما ، إلا أنها غير قادرة على تشكيل الحكومة لوحدها ، ومن أجل أن تحوز على أغلبية ثلثي الأصوات لا بد لها من شريك أو شركاء يشاركونها تقاسم السلطة . القوى السياسية ، كردية وليبرالية وديموقراطية وقومية ودينية ـ طائفية ، هذه القوى اتفقت فيما بينها ـ اتفاق أولي ـ على تشكيل كتلة ، مجموعها يشكل حجما أكبر من كتلة الائتلاف الطائفية! ، و تنافسها على تشكيل الحكومة ، إلا أنها ترى أن تشكيل حكومة وحدة وطنية ، هو ما تسعى إليه من كل القوائم الفائزة في الانتخابات ، دون استبعاد أي قائمة من المشاركة ، وهذه هي الطريق المفضي إلى حل أزمة الحكم ، وحل المشاكل التي يعاني منها الشعب العراقي ، ولإقرار الأمن والسلم في العراق ، هذا التوجه نحو حكومة وحدة وطنية ، من كل القوائم التي يتشكل منها المجلس النيابي الجديد ، لا ترغب فيه كتلة الائتلاف الطائفية ، إضافة إلى أن هذه الكتلة تريد أن تفرض مرشحا لرآسة الحكومة ، لم يجمع عليه الائتلاف نفسه ، عند تسميته ، حيث فاز ب50 %+ 1 وعارضه 49 % منهم ، فكيف تريد أن تتقبله القوى الأخرى ؟ أسباب معارضة الكتل الأخرى لإعادة ترشيح رئيس الحكومة السابق ، جاء بسبب دعاوى فشله في إدارة الحكومة للفترة المنصرمة ، إضافة لمعارضة قوية من الحليف الكوردي لتجربته السلبية السابقة معه ، وخصوصا فيما يتعلق بقضية كركوك ، وعرقلة حلها وفق المادة 58 من قانون إدارة الدولة ، كما أن هناك قوى أخرى ولأسباب مختلفة ، تدفع باتجاه تغيير هذا المرشح ، والطلب من الائتلاف تسمية مرشح جديد لحكومة وحدة وطنية ، يتمتع بثقة القوى الم! مثلة في المجلس النيابي ، وهذا ما ترفضه حتى الآن قائمة الائتلاف. مناورة الائتلاف الرافضة لهذا التوجه الوطني ، والإصرار على مرشح لا يحظى بثقة الأكثرية ، ليس له ما يبرره ، ولا يتناقض فقط مع مبدأ الديموقراطية الذي تدعي كل الكتل الامتثال له ، وإنما يتعارض مع مصالح الشعب العراقي ، الذي يعيش في أجواء إرهابية ، تتساقط فيه العشرات من الضحايا يوميا ، ويعيش ظروفا معاشية قاسية ومتدنية جدا ، دون أن تتشكل الحكومة الدائمة ، لأسباب ذاتية ضيقة ، وخارج المصلحة الوطنية .

استقراء لواقع الشعب العراقي ونضاله الوطني ، منذ بدايات تشكيل الحكم الوطني الملكي ، وحتى نهاية الحكم القومي ـ الشوفيني والفاشي ، كان يقاوم ويرفض سياسات الحكومات حين تقدم على التلاعب بمصيره وبمصالحه الأساسية ، وما كان يخضع لمثل ما يمارسه عليه الحكم حاليا من تجاوزات على حقوقه المدنية والإنسانية ، تحول دون خلق مناخات وطنية ، ولا تسهم في صيانة دماء العراقيين ووحدتهم ، ولا تساعد على تشكيل حكومة وطنية قوية ، تضمن له حقوقه وبالتمتع بحياة اعتيادية آمنة ، ورفاه اجتماعي ، وحرية شخصية ، فمنذ أكثر من ثلاثة أشهر على انتهاء الانتخابات ، والعراق بدون حكومة شرعية ، يسوده فلتان أمني لم ير مثله منذ سقوط بغداد في العام 1258 م على يد هولاكو . وهذا هو نتيجة انسياق حكامنا وراء التوجه الطائفي ، والقومي ـ العنصري المضلل لجماهير الشعب ، والمفرق لصفوفها ، فعندما يغِلب الحكام النهج الطائفي والع! نصري ، على مصلحة الوطن وشعبه ، ويتجاهلون ما تحيط به من كوارث ومحن ، يحدث مثل ما هو حاصل عندنا ، وما نحن فيه لو كان يحدث بعضه في العراق ،أيام الحكم الملكي ، لقامت الدنيا وما قعدت بعد ، ولرأينا بغداد قلب الوطن ، وباقي المدن العراقية ، تتضرم نارا بوطنيتها ، وتمور بغضب شعبي عارم على حكامه ، وليس بعيدا عن الذاكرة ما شاهده مخضرمو هذا الشعب ، وما سطره مؤرخو العراق ، من وثبات وانتفاضات حدثت في العراق ، أجبرت الحكام على الهرب حينا ، وأحيانا أخرى ، النزول عند رغبة الشعب في إلغاء ما أبرموا من معاهدات واتفاقيات ، والنكوص عن قرارات وإجراءات ، مجحفة بحق الشعب العراقي . فكل ما يعانيه الشعب العراقي من مآسي حاليا ، هو نتيجة للتعنت وعدم الشعور بمسؤولية النتائج المترتبة على موقف مغامر ، يحاول أن يفرضه البعض ، لترويض الشعب لمواقف لاحقة ، وللخروج آنيا ، من مأزق ساهمت كل لقوى السياسية العراقية على خلقه ، بابتعادها عن الحل الوطني والنهج الديموقراطي ، واللعب بالمحذور والمنهي عنه وطنيا ، ولن يوقف هذا التداعي ، ويحول دون وقوعه ، غير الشعب عندما يضغط على قياداته ويقول كفى ، شكلوا الحكومة قبل أن ننزل ! إلى الشارع ..!!