| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. هاشم نعمة

 

 

 

السبت 19/9/ 2009



مشكلة التصحر وأبعادها البيئية والاقتصادية والاجتماعية في العراق
(2)

د. هاشم نعمة

أسباب التصحر
بما أن التصحر مشكلة بيئية واقتصادية واجتماعية معقدة ومتداخلة؛ اذن تتداخل وتتشابك جملة من العوامل الطبيعية والبشرية لتصنعه. بالنسبة للعوامل الأولى نجد تكرر حالات الجفاف في العراق في العقود الخيرة، فمثلا انخفضت كميات الأمطار بنسبة %30 عن المتوسط كما هبط منسوب المياه في الأنهار الرئيسية بأكثر من% 50 عام 1999 . ونجم عن ذلك تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية المعتمد على الأمطار بنسبة %70 ومن خسائر في إنتاج القمح والشعير بنسبة 37 و %63 في المنطقتين الوسطى والجنوبية على التوالي.(1) وتزداد المشكلة تعقيدا إذا ما عرفنا أن المناخ الصحراوي يسود في 70% من الأراضي وبالأخص في السهل الرسوبي والهضبة الغربية حيث تتراوح الأمطار السنوية ما بين 50-200 ملم.

يعدُ التملح العامل الرئيسي للتصحر والذي بلغ درجة خطيرة جدا. وفي الحقيقة إن انتشار الأملاح في سهل ما بين النهرين، وجد بعد زراعته خلال أجيال متعاقبة، حيث تشير المصادر التاريخية إلى أن تاريخ ري الأراضي الزراعية في هذا السهل، يرجع إلى أكثر من ستة آلاف سنة. ومن هنا جاء الرأي القائل، إن انتقال مراكز الحضارات القديمة من الجنوب إلى الوسط والشمال كان سببه انتشار الأملاح في التربة وتراجع إنتاجها.(2) ويتضح أن انتشار الأملاح يعود للعوامل الجيمورفولوجية، والهيدرولوجية والمناخية وخواص المياه والتربة وإلى العامل البشري المتمثل بعدم استخدام طرق ري ملائمة وهذا يعني غياب التقنيات المائية والطرق العلمية المتبعة في الزراعة(3)، رغم كثرة الحديث طيلة سنوات عن الإهتمام بالزراعة.

إجمالا نتجت مشكلة الملوحة عن عوامل عديدة بعضها يتعلق بالبيئة الطبيعية، والآخر بعمل الإنسان وتتداخل هذه العوامل في درجة تأثيرها في انتشار الملوحة، التي تتباين مستوياتها من مكان لآخر فتزداد كلما اتجهنا من الشمال إلى الجنوب ومن الجهات المرتفعة إلى المنخفضة. وللعوامل الطبيعية دورها البارز، حيث يأتي المناخ في مقدمتها إذ تؤدي زيادة كمية الإشعاع الشمسي وارتفاع الحرارة وقلة الغيوم والرطوبة النسبية وسيادة الرياح الشمالية والشمالية الغربية إلى زيادة شدة التبخر، وبالتالي زيادة نسبة الأملاح. ويتزامن ذلك مع الإفراط في عمليات الري خاصة وأن المياه المستخدمة تحتوي بدورها على نسب مختلفة من الأملاح، التي تختلف كميتها من مكان لآخر ومن موسم لآخر. كما لطبيعة التربة أثر واضح في ظهور المشكلة وتفاقمها مع ما يرافقها من اتباع أنظمة زراعية خاطئة.(4)

تحتوي تربة العراق على مكونات ملحية عالية، إذ يقدر أن 61% من الأراضي الزراعية مهددة بالتملح حيث يبلغ معدله 8% وهذا يعني أن كل الترب ستتملح بعد 12 سنة، إذا لم يستخدم نظام التصريف الملائم. عندما يرتفع مستوى المياه في موسم الفيضان أو الري ترتفع الأملاح إلى أعلى التربة، لذلك يصبح البزل مهما جدا. وبما أن الأرض منبسطة جدا؛ بغداد مثلا رغم بعدها 550 كم عن الخليج العربي، فهي ترتفع فقط 34 م عن مستوى سطح البحر وهذا يساهم في صعوبة التصريف. وقد أصبح تملح الأراضي الزراعية مشكلة خطيرة نتيجة الإستعمال غير الرشيد للمياه، إضافة إلى فقر قنوات الري والبزل. حيث أدى هذا إلى ارتفاع المياه الجوفية وتراكم الأملاح في التربة. لذلك فإن الأراضي السهلية المشهورة بخصوبتها، تحولت إلى أراض متملحة. وتراجعت اٌلإنتاجية في اراضٍ واسعة إلى الصفر تقريبا. ويقدر بأن حوالي 100 ألف دونم (250,000 ألف متر مربع) تعاني من التملح سنوياً(5)، في حين نجد نسبة التصحر في الأراضي المروية في العراق 71% بينما في تركيا ولبنان وسوريا 13%، 7%، 17%، على التوالي.(6)

هناك كميات كبيرة من مياه البزل المالحة الناتجة عن غسل التربة والمياه الضائعة في الحقول تبلغ 23 مليار م مكعب/سنةن وتشكل 54% من مياه الري السنوية و38% من المياه المتاحة للبلد البالغة 61 مليار م مكعب/ سنة. ويصرف معظمها إلى الأنهار والأهوار والمنخفضات، نتيجة لقة كفاءة شبكة الصرف (الحقلية، المجمعة والفرعية) وإهمال تنفيذ الشبكة الرئيسية، مما أدى إلى تلوث الأنهار والأهوار بالملوحة وتدني كفاءتها وانخفاض خصوبة التربة، خاصة وسط وجنوب البلاد، إذ ارتفعت ملوحة نهر دجلة في الموصل وبغداد والعمارة والقرنة وفي شط العرب عند المعقل بنسب 9% و24% و207% و184% و183% على التوالي خلال 1967- 1991 وبين 13- 26% خلال 1993- 2002(7). ومن العوامل الأخرى: إقامة السدود والخزانات على نهري دجلة والفرات في العراق وتركيا وسوريا التي تؤثر على كمية ونوعية الأملاح . وتقدم مياه الخليج العربي المالحة في شط العرب نتيجة قلة مياهه وصرف مياه المعامل ومشاريع التصنيع العسكري إلى الأنهار دون معالجتها كيمياويا لضعف الرقابة وإهمالها إن وجدت وقلة معالجة مجاري المدن التي تصرف إلى الأنهار.

وإذا فحصنا التملح في المحافظات، نجد في بابل 743776 دونماً أصيب بالتملح بسبب المياه الجوفية وسوء الإدارة. وفي صلاح الدين ينتشر التملح في جميع المناطق الزراعية، وفي القادسية يوجد تملح متوسط الشدة في منطقة سومر- الشنافية- البدير بسبب عدم كفاءة نظام البزل، وفي ديالى يوجد في مناطق متفرقة، وفي الأنبار في صقلاوية – رمادي 12500 دونم وفي الخور- راوة 625 دونماً، وفي ذي قار جميع الأراضي المروية من دجلة والفرات ومنطقة الطار متملحة جدا، وفي البصرة ينتشر التملح بسبب ملوحة مياه السقي وخاصة في المْدَينة والقرنة وشط العرب والفاو، وفي واسط 75% من مساحة المحافظة مصابة بالتملح بسبب ارتفاع المياه الجوفية واحتوائها على كلوريد الصوديوم، وفي نينوى في الشيخ شيخان والإدارات، وفي كربلاء في عموم المحافظة وخاصة في فريحة والخيرات وطريق الإبراهيمية وتقدر الأراضي المتملحة بـ 25% من مساحة المحافظة، وفي المثنى 1360325 دونم مصابة بالتملح وتشكل 6,5% من مساحة المحافظة، لعدم وجود مشاريع الاستصلاح ونظام كفؤ للبزل وارتفاع المياه الجوفية، وفي بغداد 29500 دونم أراضي متملحة في مناطق مختلفة(8) ومن هذا يتبين لنا الانتشار الواسع والخطير لمشكلة التملح في أفضل الأراضي الزراعية.

ومن عوامل التصحر الأخرى تراجع الغابات التي تغطي 1,8% من المساحة الكلية. وطبقا لمنظمة الفاو فإنها تحتل 789,000 هكتارا وزراعة الغابات 10,000 هكتار. وهي تغطي المناطق الجبلية في الشمال والشمال الشرقي (كردستان). وكانت تغطي 1,851 مليون هكتار عام 1970 لكنها تراجعت إلى 1,5 مليون هكتارعام 1978 (9). وتراجعت النسبة الأولى إلى 1,1% وتبلغ المساحة المزالة سنويا 12 كم² والمعدل السنوي للازالة 0,2% في الفترة 1990-2005 (10). نرى الآن غابات منفردة لأشجار البلوط في الأراضي الأكثر بعدا. وقد نتج تدهور الغابات من القطع الواسع والضغط الرعوي والحرق والعمليات العسكرية. وهذا يؤدي إلى زيادة التعرية المائية ويسبب اختفاء الطبقة الخصبة من التربة، ويؤثر سلبا على طاقة خزن السدود وكفاءة الري ويزيد من التكاليف.(11) كذلك تراجعت أعداد النخيل من حوالي 30 مليوناً إلى حوالي 9,5 مليون بسبب الحروب وبالأخص الحرب العراقية –الإيرانية وقلة المياه وملوحتها والأمراض الزراعية والإهمال. لذا بات تدهور الغابات والنباتات الأخرى عاملا مهما في تدهور البيئة وتوجهها نحو الجفاف.

ويساهم تدهور المراعي التي تشكل 70-75% من مساحة البلد في التصحر وينتج من: الضغط الرعوي، قطع واجتثاث نباتات العلف لأغراض الوقود، زراعة أراضي المراعي التي تقل الأمطار فيها عن 200 ملم في السنة، عدم تنظيم توزيع المياه الذي يؤدي إلى تركز الماشية في الأراضي التي تتوفر على الماء مع ما تتركه من تأثيرات سلبية على الغطاء النباتي (12). لذلك تدهورت المراعي في السنوات الأخيرة مما أدى إلى تدهور القيمة الرعوية لها.
 

(1) تقرير الإسكوا الأول عن التنمية المائية، الأمم المتحدة، 2005، ص 22.
(2) د. ماجد السيد ولي محمد، العوامل الجغرافية وأثرها في انتشار الأملاح بترب سهل ما بين النهرين، مجلة الجمعية الجغرافية العراقية، المجلد 17، ص 24.
(3) نفس المصدر، ص 34-35.
(4) د. سعود عبد العزيز الفضلي ود. نصر عبد السجاد الموسوي، التباين المكاني لظاهرة الملوحة في إقليم السهل الرسوبي، مجلة آداب البصرة، العدد 43، جامعة البصرة، 2007، ص 250-251،

(5) K. Haktanir et et al, op: cit., p. 147.
(6) Ibid, p. 147.

(7) د. حمدان باجي نوماس، أهمية صيانة الموارد المائية من التلوث في العراق، مجلة البحوث الجغرافية، العدد 6، جامعة الكوفة، 2005، ص 119- 130.
(8) تفرير الإحصاءات البيئية، مصدر سابق، من جدول 3-13، ص 51-55 .

(9) K. Haktanir et al, p. 149.

(10) التقرير السنوي للتنمية الزراعية في الوطن العربي لسنة 2007، الخرطوم، جدول 1-14، ص 18.

(11) K. Haktanir et al, p. 149.
(12) Ibid, p. 150.

 

 

¤ مشكلة التصحر وأبعادها البيئية والاقتصادية والاجتماعية في العراق (1)
 

 

free web counter