|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء 7/12/ 2010                               حسن مشكور                             كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

حملات ايمانية محسنة

حسن مشكور

اعطنا ديننا يساعدنا على الحياة ...فمبقدورنا الموت دون معاونة (المؤلف الامريكي البرت هاباررد)

بالمطلق لا يمكن انجاز العملية الديمقراطية في ظل الحكومات الدينية .التاريخ ترك لنا فصل كبير ورائع في النضال الذي خاضه المفكرين والعلماء والادباء والفنانين ورجال الدين المتنورين وهو التحرر من الهيمنة الشاملة للدين في عصور المسيحية الوسطى التي حاولت اضفاء الشمولية وذلك بجعل الدين يشمل امور الدنيا.

وهذه الظاهرة تكاد تكون تلاشت في المجتمعات الغربية بعد ان جرى فصل الدين عن الدولة. لكن هذه الظاهرة لازالت قائمة في المجتمعات العربية والاسلامية وخاصة في المجتمعات التي تسيطر فيها حركات الاسلام السياسي على مفاصل الدولة وتبنيها مفاهيم الشريعة كقوانين ولصعوبة تحقيق ذلك لجاءت الى ما اسمته بالصحوة الاسلامية وكان اول ضحاياها المرأة والتشكيلات الدينية غير الاسلامية وكذلك القوى العلمانية .

واتخذ هذا التيار اسلوبا دمويا في فرض مفاهيمه وجسدها بما اسماه " القنابل البشرية " اي البهائم المفخخة "الانتحاريين".

مجي التيار الدينى للسلطة في ايران في نهاية السبعينيات من القرن الماضي عزز مواقع الحركات الاسلامية المتطرفة والبعض وجد له ملاذ امن فيها وان اختلفت معه مذهبيا لكنها تلتقي معه في الاهداف ووضعت "الجمهورية الاسلامية" هرمها السلطوي المتمثل بالملا وحجة الاسلام وايات الله على نوعين وضمن نظام ولاية الفقيه . الذي يراد له ان يقام في العراق .

لاشك بعد 2003 اصبح للمؤسسة الدينية في العراق دور ودور كبير في العملية السياسية وكلمة مسموعة ومرهوبة الجانب واصبح لها ناس مختصون ولها نفوذ على السلطة التشريعية والتنفيذية والقضاء وكذلك ثقل كبير في الموسسة التعليمية والاعلامية وكذلك الاستحواذ على مساحات واسعة من الاراضي والممتلكات ضمن مفهوم الوقف الشيعي والوقف السني وحادثة منع العاب السيرك في البصرة بكونها اقيمت على اراض تابعة للوقف الشيعي الموضوع له اهداف ابعد من ذلك وتقع ضمن هذه الشمولية التي تمارسها المؤسسة الدينية يضاف لها الفعاليات الفنية والموسيقية التي جرى منعها وكذلك غلق دور السينما والمسرح . الواقع ان هناك توجه غير معلن من قبل بعض اطراف الحكومة والتي يسيطر عليها احزاب الاسلام السياسي "الدعوة الاسلامي / المجلس الاسلامي / الفضيلة الاسلامي / التيار الصدري وهو تشكيل حكومة دينية في ظل دولة اسلامية اي استنساخ الصيغة الايرانية ولاسيما ان جميع هذه الاحزاب عليها دفع فاتورة " الحضانة والصبا " لايات الله.

الفصل الذي تركه لنا التاريخ في نضال النخب المثقفة في التحرر من شمولية الدين للدنيا تجسد في التظاهرة والاحتجاج التي قادتها حشود المثقفين هي ليست مظاهرة من اجل احتساء الخمر كما وصفها احد المتحمسين للابقاء على قرار مجلس قيادة ثورة صدام المرقم 82 لسنة 1994 الناص على ابداء الحملة الايمانية وهو الزيف الذي تشبث به صدام المهزوم وهو يحمل عار حروبه الخاسرة كمحاولة لتخدير شعب لم يجد ما يسد رمقة نتيجة الحصار الاقتصادي الذي جاءت به حماقاته العسكرية.

الابقاء على هذا القرار الجائر او اعادة الحياة له يعكس الانتقائية في قرارات هيئة المساءلة والعدالة بكون هذا المتحمس عمل " في صفوف البعث وبمواقع متقدمة وخدم المجرميين الى الرمق الاخير " وهو اليوم في موقع متقدم في الدين يأتي بالمغالطات ويشوه الحقائق حيث وصف حشد المتظاهرين وبشكل غير معلن انهم حشد من العلمانيين الكفرة الذين يريدون اسقاط الفكر الاسلامي وقيم الدين الاسلامي والذي جسده بشكل واضح بيان السيد اليعقوبي امام حزب الفضيلة وهي نفس الاساليب التي جرت اثناء حكومة عبد الكريم قاسم حيث وقف قسم من الذين يشتركون في العملية السياسة اليوم الى جانب البعث في اسقاط حكومة قاسم بكونها تضم الكفرة.

نعم هناك مخاوف ومخاوف حقيقية من التوجه غير المعلن في زحف المؤسسة الدينية على كافة مرافق الحياة وجرى تجاوز فقرات الدستور المتعلقة بضمان حرية وحقوق الانسان والمعكوسة في قرارات مجلس المحافظات والتي يسيطر عليها حزب الدعوة تقريبا والمتضمنة قائمة طويلة من المحرمات يضاف الى ذلك الحالة التي وصلت اليها العملية التربوية بربط المنهاج بالدين وتولي وزارة التربية امام جامع بزي علماني عمل ردحا من حياته مؤذنا بجامع في العاصمة الكندية " اوتاوا " ولا ندري اي جيل ستخرج مدارس " خضير الخزاعي " هل هم هؤلاء الذين وقفوا الى جانب المجرم اوس الخفاجي في الناصرية يرددون اللطميات والله اكبر ، ام جيل لا تتعدى معارفة اسطورة الاسراء والمعراج ؟

المؤسسة الدينية تطالبنا بالكف عن الرواية والمسرح والسينما والشعر والغناء والرقص والموسيقى لان ذلك يعمل على جعل المجتمع العراقي مجتمع لا دين وينشر الرذيلة ولكن هل هناك رذيلة اشد من عاصمة توصف "اقبح عاصمة في العالم "
هل هناك رذيلة اشد من اكداس القمامة والمياه الاسنة تملأ الازقة والشوارع ، هل هناك رذيلة اشد من مدينة بالكاد تجد فيها حديقة او مكان استراحة او نظام نقل مريح او مدارس لا تعلو مقاعدها الاتربة او مستشفيات غير مملؤة بالذباب . وازاء كل هذه الرذائل يخرج البعض من مجلس محافظة بغداد منتشيا بكونه ادى الصلاة تيمما بكون الماء مقطوع.

الذي يجري اليوم في العراق هو بداية لصراع طويل ومرير اشبه بالذي جرى في العصور الوسطى بين قوى الظلام وقوى التنوير ولاشك ان التغيير الذي سوف يحصل في تركيبة البنى الاجتماعية سيكون في صالح قوى التنوير والمفرح ان الذي يقف في منعطف التغيير ليس الضباط الاحرار وانما المثقفون الاحرار .

تكملة بالمفعول المطلق { لكي يستقيم العراق يجب عزل الدين عن الدولة }

 

ديسمبر /2010


 


 

 
 
 
 
 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter