|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة 21/1/ 2011                               حسن مشكور                             كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

معاول كامل الزيدي

حسن مشكور
 

( تتكفل الدولة حماية الفرد من الاكراه الفكري او السياسي او الديني ) - المادة 37 من الدستور العراقي

نص جميل ومهذب ولكن اين هي الدولة التي سوف تتكفل بتطبيق ذلك ؟ والسيد كامل الزيدي طوطم حزب الدعوة طالبنا ان نلغي عقولنا ونصدق جنونه المتأسلم والا اصبحنا في عداد الكفرة وهدد بالتجييش وان ايدي المؤمنين على السلاح للمدافعة عن " صحيح الاسلام" ومضى معه في سباقه على هشيم في صحراء الجهل بعض المعممين فها هو عبد الحميد المهاجر والصدر واليعقوبي وغيره يحاولون " اسلمة التخلف " ويطلون علينا عبر مؤسسات "الدولة " التي اصبحت ملك الاحزاب الحاكمة ويجوبون ساحات الوطن حاملين رايات التخلف يطالبون بتدين السلطة السياسية وجعل مرجعياتهم الدينية هي السلطة السياسية . هذا الاسلوب اتبعه صدام عندما قام بحملة التشريعات الدينية بعد هزائمه في حروبه الخاسرة والذي وفر مناخ للتأويل الديني وامر بالاكثار من بنا ء الجوامع حيث اطلق على مدينة الفلوجة ام الجوامع والتي اصبحت بعد السقوط معقل للقوى الارهابية . والضبابية الدينية التي وقع فيها صدام دفعتة الى تطبيق بعض قوانين الشريعة الاسلامية ومنها تغليف النساء ( الحجاب ). في هذه البيئة نما الفساد الاداري والاجتماعي وانتشرت ظاهرة التحلل الخلقي

الخراب الذي خلفته حملة صدام الايمانية والتي يعاد تطبيقها بشكل محسن الان حيث يعلن الزيدي وبكل صلافة تمسكة بتلك التشريعات وخاصة التشريعات المتعلقة بالنوادي الاجتماعية والمشروبات الكحولية وهي محاولة لتعمير السدود الطائفية وحجب البصيرة عن هذه القوى لتمارس جنونها المتأسلم بفرض المزيد من القيم البالية والمتخلفة ويأتي هجومهم على العقل والعلم والفن واقتحام مبنى اتحاد الادباء وجمعية اشور بانيبال الاجتماعية الثقافية من قبل الشرطة الدينية المرتبطة بمجلس محافظة بغداد والمخجل ان السيد محافظ بغداد يعلن عن استعداده لاعادة تأثيث وتصليح جمعية اشور بانيبال بعد ان يثبت التحقيق عدم وجود مخالفات وربما يقصد " مشروبات كحولية " وبدل من ان يقدموا الاعتذار واحالة الموضوع للقضاء نجد هذه الفصيلة قد وفرت لنفسها الحصانة ضد ناقديها واصفين الذين يقومون بالنقد هم من الكفرة والمخمورين حسب تعبير كامل الزيدي . وهذه الحصانة تأتي من اجهزة الدولة العليا في مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية والبرلمان وبعكس ذلك لما تمادى رئيس مجلس محافظة بغداد بأعماله المشينة!!

ويتضح من السذاجة ان ننظر الى ما تقوم به مجالس المحافظات من سلوكيات منافية للعقل والذوق ان لم نقل مخالفة للدستور ونعزوها الى المحافظ او رئيس المجلس وانما المسألة مرتبطة بالصراع الاجتماعي المعقد بحكم تشكيلة البنى والهياكل الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع العراقي فالتشكيل الحاكم المنسجم دينيا والمختلف سياسيا يعكس حالة الصراع الفكري فكلما اشتعل هذا الصراع جرى اخماده دينيا بحكم طبيعة الاحزاب القائمة على الارث الديني ولنا في صراع الدعوة مع التيار الصدري او التيار الصدري مع المجلس وهذا يشمل الجبهة الاخرى من الاحزاب الدينية القائمة على المذهب السني .

اليوم في العراق ، السائد هو الثقافة الدينية وهذه الثقافة قادرة على دفع الملايين من الجمهور السرابي للسير من البصرة الى كربلاء مشيا على الاقدام وهذا الجمهور السرابي الذي يجد تحقيق ذاته في النحيب على القبور ويجد خلاصه بالاعتماد على الغيب ويقف منتظرا " المهدي المنتظر " لخلاصة من البؤس والفقر او انه سوف يعوض عن ذلك بنعيم الجنة هذا المشهد المغرورق باللاعقلانية والذي يطالبنا به حميد المهاجر او كامل الزيدي او اليعقوبي بان نحترم مشاعر الناس الدينية في الواقع هم يطالبوننا ان نحترم التخلف الذي عليه الناس طالما جرى اسلمته انها ثقافة الاستلاب القائم على التهميش الاقتصادي المعوض بالطقوس الدينية . واليوم
اصبح لهذه الثقافة مؤسساتها المدعومة ماليا من قبل الحكومة ومن المال العام وكذلك لعبت " ديمقراطية التكنولوجيا " والمحتكرة لقنواتهم الفضائية دور كبير في جعل هذا الاخطبوط يمد اذرعه في كل مفاصل الحياة في العراق . لاشك هذا الصراع ربما يأخذ منحى اقسى واعنف ولن يكتف بتحطيم اثاث جمعية اجتماعية او غلق ناد اجتماعي او اقتحام مبنى اتحاد الادباء او منع الموسيقى او الغناء بكون عملية اغتيال قاسم عبد الامير عجام وكامل شياع كانت نذير الشوؤم الذي يواجه الثقافة التقدمية بكونها هي المصباح الذي يضئ طريق التنوير الاجتماعي الذي يرفضه التشكيل الديني الحاكم ..

ثقافة التشكيل الديني الحاكم ليس فقط قائمة على رفع الشعار وانما ممارساتها تعكس جوهرها الفكري الذي يراد به لتأسيس نموذج من البناء الاجتماعي وهذا ما يعبر عنه والي بغداد اوغيره ولو بشكل ساذج في طرح اسلمة المجتمع وهم في الواقع يعملون على اسلمة التخلف (اسلمة التخلف تعبير اورده المفكر الاسلامي المتنور د. محمد عبد الجبار الشبوط) .
المتغير في العراق والذي جاء بفضل امريكا وبفضل فتحها فضاء الحرية كشف عن حالة كانت مخبأة او لنقل كانت تعمل في السر وهي حالة الصراع الاجتماعي والفكري بين الثقافة التنويرية ومعارضيها والتي جاءت ببرنامجها المتضمن تغيير البنى الاجتماعية والسياسية والتفاعل مع كل الثقافات التي ترتقي بالانسان العراقي نحو الافضل بغض النظر عن مصدرها وكذلك نقد المفهوم السلبي السائد حول العلمانية وطرح البدائل الابداعية في قواعد النقاش وترى قوة العراق وامانه يأتي من العلم والعدل بين ابناءه ويعني اقتصاديا الحفاظ على الثروة من النهب والفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية وهذا يحتاج المبدع في اختصاصه . التشكيل الديني الحاكم والذي وصل الى الحكم بفعل الجمهور السرابي المسربل بطقوس عاشوراء والغيبة الكبرى والذي صوّت لصالح هذا التشكيل وسبقنا في هذه التجربة المريرة الشعب الفلسطيني حينما سربل بشعار الاسلام هو الحل وصوّت لصالح "حماس " فرع حركة الاخوان المسلمين في مصر واعلان خلافة اسماعيل هنيه على امارة غزه حيث قام نظام حكمه في فرض الحجاب على كل نساء غزه بما فيهن القاصرات وغلق النوادي الاجتماعية ومنع التعليم المختلط وغلق المرافق السياحية وربما تتذكرون يوم قامت شرطة هنيه الدينية بحرق وتدمير المنتجع السياحي الواقع على شواطئ غزه وهذه الممارسات نفسها قائمة في العراق الان والاسلام هو الحل شعار رفعه التيار الصدري ايضا وهذا هو الجانب المظلم من الديمقراطية عندما تصوّت الجماهير ضد مصلحتها . على اية حال لا اعتراض على ما جاءت به الانتخابات شريطة ان يحترم الطرف الفائز حرية الذين لم يصوتوا لهم . ويبقى السؤال هل هذا التشكيل الفائز قادر او لنقل ثقافة هذا التشكيل قادرة على التعبير عن الضرورة الموضوعية في التغيير والانتقال بالمجتمع الى مرحلة اعلى ؟ في الواقع كلا لا تستطيع بكون برنامجها الاقتصادي لا يتعدى مفهوم الزكاة وبرنامجها الاجتماعي لا يتجاوز الغيبيات ولذا تلجأ الى القمع والرشوة والتنصل من التزامتها الانتخابية وخرق الدستور. ولكم بممارسات المجالس البلدية في المحافظات خير دليل بكون هذا العمل يحتاج كما ذكرنا الى المختص المبدع الذي لا مكان له في هذا التشكيل . والثقافة عرفها علماء الاجتماع هي ( الكل المعقد الشامل للمعرفة الفنون / القانون / الاخلاق / واساليب الحياة المعبر عنها في المؤسسات التعليمية والسياسية والاقتصادية والدينية ) ومن هنا يأتي فعل الثقافة والذي يدفعنا بالتواصل والاحتكاك بالحضارات الدائمة العطاء والتغيير ولنا في تجارب كوريا الجنوبية البرازيل الهند وسنغافوره وكيف قطعت شوطا كبيرا في التحضر والتمدن مرتكزة على الثقافة العلمانية وليس على خرافات المهاجر او اليعقوبي او الصدر . الراحل نهرو قال حول بلاده الهند والتي تضم المئات من الاقوام واللغات والاديان ( الطريق الى الوحدة لابد ان يبدأ" بالعلمانية " ) حيث ارسى التفسير الهندي والذي يبدأ – وحدة الهند هي وحدة في ظل التنوع وهذا ما يكسبها خصوبتها الروحية والثقافية ويطلق مواهبها الخلاقة -

مثل هذه الثقافة يجري العمل على تغييبها في العراق ولنقل الى كامل الزيدي لا ترفع معاولك الهدامة ضد قوى التنوير لانه تهديم للعراق واحترم المادة 37 من الدستور واعرف ان:
الحرية لا تتجزأ .


ك2 /2011
 


 


 

 
 
 
 
 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter