|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأحد  5  / 5 / 2013                                 حازم كوي                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

بمناسبة الذكرى 195 لميلاد كارل ماركس

اعداد: حازم كويي

رأس ثور ملئ بالافكار، هكذا وُصف كارل ماركس في ارشيف رئاسة الشرطة في برلين (في اطراف اصابع هذا الرجل يوجد خزين عقلي قياسا الى ادمغة بقية المجتمع) هذا ما كتبه رئيس الشرطة هنكل دي عام 1852 ،حيث جرى التجسس على الدكتور كارل ماركس طوال عام من قبل جواسيس بروسيا ، والذي اضطر بعدها ان يعيش لاجئا بلا جنسية في لندن بضاحية في سوهو في شارع دين ستريت 28 ، في حالة من الفقر والبؤس .

في رسالته المؤرخة في 8 ايلول الى انجلز كتب فيها (زوجتي مريضة ، لينا لديها حمى عصبية ، لا استطيع استدعاء الطبيب لانني لا املك المال لشراء الدواء ، منذ اكثر من اسبوع وانا اطعم العائلة خبزا وبطاطا واسأل نفسي ان كنت استطيع ان اجد شيئا اليوم ليأكلوه)

هذا الرجل المُولع بكتابة الرسائل لا يجد المال للحصول على الطوابع ولا حتى قرشا لشراء الصحف ويكون احيانا طريح الفراش ولاسابيع عدة ، ديون متراكمة عند الخباز ، بائع الحليب ، اللحام وبائع الخضراوات ، بذمته 22 جنيها عند مالكة البيت ، ومع ذلك فقد اصبح مألوفا ان لا يبالي لذلك وبالرغم من ان لديه عمل كثير لتهيئة كتاباته الادبية الاقتصادية والتي منعته بشكل مؤقت من زيارة متحف الكتب البريطاني ليعكف على قراءة كنوز كتبها لعدم استطاعته الحصول على بطاقة المكتبة ، ومن اجل شراء ورق الكتابة اضطر الى ان يرهن معطفه ، ورغم ان ماركس لا يفهم التعامل مع النقود في حياته الخاصة ولعدم امتلاكه رأس المال وهذه حقيقة ، الا انه استطاع اشاعة كتاب (رأس المال).

وفي عام 1852 استطاع كارل ماركس اكمال كتابه الرائع (الثامن عشر من برومير) وقد كتب في احدى رسائله مثبتا من ان البرجوازية حتمية تأريخية لكنها ضرورة مؤقتة لان ما يميزها هو الصراع الطبقي والذي سيؤدي الى دكتاتورية البروليتاريا ، هذه الدكتاتورية التي ستعمل على الغاء الطبقات ، اي مجتمع لا طبقي نحو الشيوعية والذي يحمل مبدأ اساسيا ، المصاغ في رأس المال فيما بعد وهو التطور الكامل والحر لكل فرد.

في محاكمة كولونيا ضد اعضاء من عصبة الشيوعيين والتي كما تقول لائحة الاتهام بان هؤلاء يريدون الاطاحة بدستور الدولة واثارة الحرب الاهلية المسلحة من خلال تحريض الناس ضد الملكية ، حيث صدر الحكم على سبعة منهم من مجموع احد عشر عضوا بعقوبات صارمة ، وقد اوضحت عصبة الشيوعيين بعد خمس سنوات من انقضاء المحكمة والتي صاغها ماركس بنفسه من انها (اي المحكمة) قد عفا عليها الزمن وتعتبر ملغية .

البيت الذي ولد فيه ماركس في مدينة ترير

ماركس الذي ولد في الخامس من شهر آيار عام 1818 في مدينة ترير الالمانية الصغيرة والتي كان عدد سكانها آنذاك لا يتجاوز 12 الف نسمة ، اباه وامه ينتميان الى اليهود الاحبار ، فالوالد المحامي المتعلم والمستشار في مجلس القضاء والذي قرأ لايبنتز ، نيوتن ، لوك ، روسو، فولتير وكانط . تحول هو أولا ، وفيما بعد زوجته واولاده السبعة الى المسيحية بعد التعميد ، والذي ادى الى قطيعة مع شقيقه الحاخام الاكبر في ترير مبررا ذلك الموقف بالتشريع القمعي لنابليون في بروسيا.

وقد عٌمِد ماركس البالغ من العمر ستة اعوام دون ان يُسأل وبعد عشر سنوات وعندما كان طالبا في المدرسة الثانوية جلب انتباهه في احدى حصص الدين من الفصل 15 من انجيل يوحنا والتي تؤكد على ضرورة اتحاد المؤمنين مع تعاليم المسيح والا فان المرء سيكون عقيما ، هذا الذي تأمله ماركس وعلى اثرها ترك المسيحية واليهودية بعد عام وبشكل جذري .

وكان الدين بالنسبة له ليس فقط خداع القس ، ورأى انه (اي الدين) ليس افيون الشعب ، لكنه افيون خلقته الشعوب بنفسها هي رغم ان ذلك هو وعي عالمي مقلوب ، فالناس تتحسر وتتنهد، متأملتاً السعادة اليومية ، لهذا كان نقد ماركس للدين نقدا اجتماعيا في النضال ضد الملكية وسلطتها ، اولئك الذين يريدون تجسيد ذلك في خلق سعادة وهمية ، حفاظاعلى مصالحهم لحاجتهم لها من اجل البقاء من خلال زرع الاوهام بين عامة الناس.

درس ماركس القانون في بون وبرلين واكمل الدكتوراه في مدينة يينا كفيلسوف بارع وهو ابن السادسة والعشرين عاما والتي بدأت فيها وجهته الى الشيوعية وبكامل المنطلق الانساني والذي لم يستند على الدين او القانون ولا الاعتبارات الاخلاقية السائدة ولا حسدا بثروات الاغنياء ولا اشفاقا بالفقراء كقوة دافعة ودون منطلق عاطفي ، بل المنطلق العقلي ، هو الذي جره الى ذلك ، هذا الذي كان يتميز به طوال حياته والذي سام العذاب من جراء ذكائه المتقد ، وقد الهمته افكار هيغل الجدلية وفوير باخ المادية اضافة للاقتصاد البرجوازي الانكليزي والفرنسي الكلاسيكي ذات الميل الانتقادي والفتت نظره في تحليلاته للازمة الرأسمالية العالمية .

بعد انهيار المنظومة الاشتراكية في اوربا عام 89ـ90 نعيش الآن واقع العالم المعاصر حيث ان قانون التراكم الرأسمالي الذي صاغه ماركس لازالت افكاره حية فتراكم الثروة يتمثل الآن في قطب واحد يقابله البؤس والجهل والوحشية اللااخلاقية في القطب الاخر المعاكس والتي لا يستطيع احد انكاره.

في خريف عام 1999 قامت مؤسسة BBC. Online باستفتاء حول اكثر المفكرين اهمية في الالفية الثانية ، والتي تصدر فيها كارل ماركس الاولوية وجاء بعده اينشتاين ، نيوتن ، داروين وتوما الاكويني .

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter