|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأربعاء  13  / 2 / 2013                                 حازم كوي                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الديمقراطية في المانيا الاتحادية
وجهة نظر حزب اليسار

حازم كويي

تعاني الديمقراطية في المانيا الاتحادية من وضع سئ جراء اصابتها بالحمى، يصعُب فيها ان تستعيد عافيتها. فلو أُخذ ذلك بشكل مجرد وترجمنا هذه الكلمة اليونانية القديمة، اي الديمقراطية والتي تعني حكم الشعب، نسأل انفسنا: هل يحكم الشعب فعلاً ام هو محكوم؟

وكمثال على ذلك فان غالبية الشعب الالماني تقف ضد قانون التقاعد الذي يراد تحديده بـ67 عاما. وكذلك فإن الاكثرية ضد وجود القوات الالمانية في افغانستان، ويطالب الشعب بحق اتخاذ القرار بانتخابات ديمقراطية مباشرة وبالضد مما يحدث الآن في البرلمان (البوندستاغ).

ورغم ما يقال بأن البرلمان منتخب من قبل الشعب بطريقة ديمقراطية، يمكن القول للوهلة الأولى نعم، لكن الغالبية أخذت لا تنتخب الاحزاب الكبيرة، حيث اصبح هذا الاتجاه في تصاعد. فعلى سبيل المثال، وللتذكير بما حصل في انتخابات 18 آذار عام 1990 في المانيا الديمقراطية إثر التحولات التي حصلت آنذاك حيث علق الشعب آمالاً على التغيير نحو الأحسن، بمرور الزمن ازداد الشك ببطلان ذلك بسبب عدم تمثيل البرلمان لمطالب الاكثرية. وتدريجيا انسحب الكثيرون من مواطني المانيا الشرقية وتناقصت أعدادهم بالمقارنة مع مواطني الغرب. وأخذ الامر ابعاداً اخرى، فالحكومة المنتخبة من البرلمان اخذت تتراجع عن الالتزامات البرلمانية وترفض أي رقابة وتشويش على سلوكها، وهذا ما يعارض مبدأ الديمقراطية. فالكثير من القرارات تختفي عن أعين المواطنين في الفناء اللاديمقراطي، ومنها على سبيل المثال في غابات البرلمان الاوربي. ونتيجة لهذه التطورات فقد قدم حزب اليسار شكوى في المحكمة الاتحادية من اجل الحفاظ على حقوق المواطنين الانتخابية.

وهناك ايضاً ما حصل مؤخراً من تقديم مئات مليارات اليورو بذريعة انقاذ اليونان ودول اخرى في الاتحاد الاوربي وبدون قرار برلماني. ان هذا الامر لايتعلق باليونان والآخرين، بل بمضاربات وارباح البنوك التي لا يوجد رادع يصدها. وهنا يتضح شكل الديمقراطية التي تحمل وجهين. فتحت اشراف الاتحاد الاوربي وضعت المليارات تحت تصرف اليونان متحدية برلمانها والاحزاب الممثلة فيه، والتي اذعنت بخنوع لاملاءات مفوضية الاتحاد الاوربي دون ي اعتراض. وبهذا جرى التعامل مع اليونان ببرودة، وحين تأتي المواجهات الاجتماعية لاحقاً تعقبها بعد ذلك انتهاكات للديمقراطية.

وكانت مستشارة المانيا انغيليكا ميركل دعت عام 2005 الى ديمقراطية السوق، حيث تسود دكتاتورية رأس المال التي وصفها كارل ماركس بالسلوك المسيطر. فالسياسة هي الرشوة وممارسة البغاء والتي تعني خيانة الديمقراطية.

هناك ايضا ما تقوم به الصحف الالمانية المحافظة من تسعير لحملة تأجيج النزعة القومية الالمانية ضد مايسمى باليونانيين الكسالى. فنحن نعيش الآن حركة عالم البورصة والبنوك وعلى المستوى العالمي من خلال الكومبيوتر وبحساب الثواني، لكن السياسة والديمقراطية تحتاج الى وقت، اسابيع وربما اشهر. فالحاجة ماسة الى اتحاد ديمقراطي للسوق التجارية، والذي يعني توسيع عالم المال بوضع ضوابط على الاقتصاد بأن يكون اجتماعيا وايكولوجيا. فالحديث عن الديمقراطية يجري غالبا في الصالات  السياسية وهو لا يعبر الاّ عن القلة. فعالم الاقتصاد هذا بعيد الى حد كبير عن الديمقراطية، فالقرارات تصدر في الحقيقة هناك من اصحاب المعامل والمصانع او مالكي الاسهم الكبيرة، وليس من ملايين الشغيلة. ورغم وجود النقابات ودورها الايجابي لكنها ليست ضامنة للديمقراطية. ففي السياسة الداخلية هناك مشاكل اجتماعية، وهي بحاجة الى سياسة امنية واجراءات ضامنة للحقوق دون تعقب وتجسس على المواطنين. فمن جهة تتغنى السلطات البوليسية بالديمقراطية ومن جهة اخرى تحتفظ بسجلات عن عامة الناس وبمعلومات كاملة. فالمحكمة الاتحادية في المانيا كشفت ان المواطنين الذين تجمع عنهم معلومات دون علمهم يفقدون استقلاليتهم الشخصية ويجري التحايل والتجسس عليهم، فلايمكن تصور الديمقراطية دون وجود الاستقلالية. ويلاحظ حالياً ان أحد اشكال الرقابة يتم عبر وسائل التعارف على الفيس بوك او التويتر. واخذت الدولة بالتهور في جمع المعلومات دون مبررات  مقبولة مع تزايدالغضب ضدها نتيجة جمع البيانات عن المواطنين بمقاييس كبيرة والذي يشكل خطرا كبيرا على المجتمع

والامر لا يتعلق بهذا الجانب فقط. فالعاطلون عن العمل تتوفر عنهم بطاقة معلومات باكثر من 150 نقطة،تشمل حياتهم الشخصية وكل ما يحيط بهم. اما الاغنياء فلا تتوفرعنهم هكذا معلومات. وباختصار فان الفقراء يفقدون حقوق المواطنة والاستقلالية.

ورغم ان المادة الاولى من القانون الاساسي الالماني تؤكد على عدم المس بكرامة الانسان، فان مجموعات النازيين الجدد الذين يقتفون خطى الفوهرر الالماني يقفون بالضد من ذلك. وما قاموا به في السنوات الاخيرة من سلسلةعمليات قتل هي أشبه بقمة كتلة الجليد المخفية. فالتطرف اليميني والديمقراطية متعارضان كالنار والماء. وتؤكد دراسات للبروفيسور هايت ماير تزايد نشاط جماعات معادية للاجانب والناس عموما وبكافة التلاوين، واصبحت في حالة جاهزية لممارسة العنف كوسيلة لحل المشاكل. وتعتبر الدراسة ان المحرض لهذا المزاج المعادي للديمقراطية هوالوضع الاقتصادي الذي ينعكس على حال المجتمع ،والمؤدي بدوره الى افراغ الديمقراطية من محتواها .

وفي دراسة خاصة قدمتها تحت عنوان (انقلاب الوسط) تدق مؤسسة فريدريك ايبرت، القريبة من الحزب الاجتماعي الديمقراطي، ناقوس الخطر بشأن التطورات المتسارعة في العالم، إستنادا الى الخبرة المستمرة كون هذا العالم يدخل حالة من القلق والريب، يعيشها الناس بالملموس. فعلى السياسيين ان يأخذوا ذلك مأخذ الجد، بالاقدام على سياسة اجور جديدة وتقييم جديد لظروف العمل وتقسيم الثروات بشكل عادل، ومن اجل اوربا اخرى تكون اكثر ديمقراطية. وهذا ما يجده المرء اصلاً في برنامج حزب اليسار الالماني.

فالديمقراطية تعاني من حالة دوار واسبابها كثيرة. فرئيس جمهورية المانيا (يواخيم كاووك) يخاطب المواطنين بلغة سطحية وغير مسؤولة يرجوهم فيها ان يكونوا ديمقراطيين شجعان.

ان الاكثار من الديمقراطية مرتبط بتحسين حق الانتخاب، والسؤال الكلاسيكي المطروح هو ما العمل؟ وتوجه المتخصصون من العلماء في هذا المجال ومنذ زمن بنداء الى لجنة التقصي والبحث في البرلمان الالماني من اجل اعادة حيوية ونشاط الديمقراطية.

ان الديمقراطية في القرن الحادي والعشرون تحتاج الى أساس جديد بالكامل، وان تحظى بإسناد المواطنات والمواطنين، سواءً كانوا من حركات السلام او البيئة او آخرين من منظمات اجتماعية مستقلة.

ان لجنة التقصي والبحث في البرلمان الالماني قد اعطت اشارة الخطر في الوقت المناسب والتي علينا درءها والاتجاه للعناية بالمجتمع.

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter