|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  12 / 9 / 2013                                            حامد كعيد الجبوري                                         كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

إضاءة

وللفقراء قصصهم

حامد كعيد الجبوري

بين يوم وآخر أذهب لسوق الخضار لجلب احتياجات البيت من فواكه وخضر ، بعد أن أنهي تبضع ما أريد أنادي أحد العاملين على عربة النقل الخشبية لمساعدتي في إيصال ما أشتري لسيارتي الخاصة , جمعت كل بضاعتي المشتراة ووضعته أمامي وأنتظر مرور أحد الصبية المجدون بعملهم ، جاءني رجل بعمري تقريبا ووقف قبالتي وقال أتحتاج لعربة ؟ ، أعلنت موافقتي له وبدأنا نضع الأمتعة بعربته وقلت له ، كم تطلب مني لإيصالها لسيارتي ؟ ، أجاب ما تجود به عليّ ، قلت سأعطيك ( 250 ) دينار ، قال رزق من الله ، وحقيقة ( 250 ) دينار أقل عملة عراقية بيومنا هذا وهي لا تساوي نصف كيلو طماطم ، وأعترف أن حديثي معه كان استفزازيا ولكن الرجل لم يستفز لحديثي ، قلت له كنت أمزح معك سأعطيك ( 1000 ) دينار وهي الأجرة الفعلية له ، أجاب الرجل ما تعطنيه رزق من الله .

أحببت أن أعرف سر هذا الرجل من خلال حديث هيأته له ، قلت له لماذا لا تعمل بعمل غير هذا يناسب عمرك ؟ ، أجابني لا عمل يناسب وضعي إلا هذا العمل ، قلت له كم من الأولاد لديك ؟ ، قال لا ولد لي ، قلت أطفالك بنات ؟ ، قال لا لست متزوجا ، قلت له ولماذا لم تتزوج ؟ ، قال بأي شئ أعيل زوجتي وأولادي ، وأين أسكنهم ، قلت ألا ترغب في الزواج ؟ ، قال ومن يعطيني الزوجة وأنا لا بيت ولا عمل ، وصلنا لسيارتي وبدأت معه أنقل بضاعتي من عربته الخشبية لسيارتي ، أنهى الرجل عمله وأخرجت له (5000) آلاف دينار وقلت هي لك ، أجابني حقي هو (1000) الألف دينار لا غير ، قلت المتبقي هدية لك ، قال أتعرفني لتقدم هدية لي ؟ ، وما مناسبة هديتك ؟ ، وقال ، أسمع يا رجل لو كنت أتقبل الهبات والصدقات لما عملت بهذا العمل الشاق ، وانأ بهذا العمر حيث قاربت الستين ، ولو كنت أقبل الصدقات والهبات لتزوجت من زمان وبنيت دارا كما يفعل المتسولون .

حقيقة كبر الرجل بنظري وأحسسته أكبر مني تجربة وخبرة ومعرفة بصروف الحياة ، ولا أعرف كيف بدر لي أن أسأله قائلا هل خدمت في العسكرية ؟ ، أجابني وهل أنا مجنون لأخدم طاغية أباد الزرع والحرث ، قلت له هل هربت من الخدمة العسكرية ؟ ، ضحك وقال لا والله لم أهرب ولكني أدعيت الجنون فأحلت الى لجنة طبية مختصة بمستشفى الرشيد العسكري ، واستطعت أن أتقمص دور المجانين واقتنعت اللجنة الطبية بجنوني ، وأخرجت من الجيش لأسباب صحية ، قلت له ألك أخوة أو أخوات أو أقارب ؟ ، قال لي حملتني أمي وتوفيت بالولادة وكفلتني جارة لنا ، وكان أبي رحمه الله عاملا بسيطا وفقيرا ، يجوب طرقات الحلة حاملا (صينية) بين يديه يضع فيها حب الرقي ، وحب عين الشمس ، وحين يتعب يجلس أمام أحد المدارس ليبيع سلعته للطلاب ، وتوفي والدي بمرض عضال ولم تسعفه المستشفيات الحكومية فترة حكم الطاغية المجنون ، والآن أعيش بل أبيت بدار خالتي التي تضجر مني لو لم أأتي لها بشئ معي ، لذلك سكنت الخانات أنام مع إسطبلات الخيول والحيوانات لأنها أرحم من كل البشر ، قلت له الدولة تعطي معونة للعاطلين عن العمل فهل تحصل على تلك المنحة ؟ ، أجابني نعم يعطونني (150) الف دينار كل ثلاثة أشهر ، ومعلوم أنها بكاملها لا تفي زيارة طبيب ولمرة واحدة للعلاج ، قلت له راضٍ أنت عن حياتك هذه ؟ ، أجابني بثقة عالية حمدا لله على نعمته ، وحمدا لله على الصحة ، وحمدا لله لست محتاجا لأحد ، قلت لنفسي لأقارن هذا الرجل الصابر المكافح بعضو البرلمان العراقي الذي يأخذ الملايين ويصف العراقيون بأنهم ( دايحين ) ، من الأفضل والأشرف والأنقى ، هذا الرجل أم من يسرق ماله بمرأى ومسمع وتحت مظلة القانون ،

للإضاءة .......... فقط .

استدراك :

أسم الرجل ( فلاح هادي محمود المعمار )

ت / 1957 م الحلة / الصوب الصغير / بابل

 

المرفقات :

صورة شخصية / هوية الأحوال المدنية


 

  

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter