|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  12  / 1 / 2016                                حمزة الجواهري                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



ما العمل بعد هبوط سعر النفط إلى 33 دولار للبرميل

حمزة الجواهري (*)
(موقع النس)

هناك حل لمسألة هبوط أسعار النفط، ويمكن للعراق والدول المتضررة أن تواجه هذا التدهور للأسعار بدلاً من الوقوف مكتوفة الأيدي هكذا. ولكن علينا المرور ببعض المحطات المهمة لرحلة الهبوط، وبتحليل واقعي نستطيع إصلاح الخلل.

لقد وصل سعر النفط إلى 33 دولار برحلته المستمرة هبوطا نحو هاوية لا يعرف قرارها، إذا هي الحرب بكل تجلياتها كما أرى.

كنا نعتقد أن حاجز الـ40 دولار للبرميل سيعيق هذه العملية، كون أسعار إنتاج النفط غير التقليدي تزيد على 40 دولارا، وحتى بعد أن أعلنت بعض الشركات الخدمية للتدخلات بالآبار عن توصلها إلى تقنيات جديدة تسمح بخفض كلفة الإنتاج إلى ما دون ذلك، نحو 35 دولاراً للبرميل، لكن مع ذلك استمر السعر بالتدهور حتى بلغ اليوم مستوى أقل من 35 دولار للبرميل. وهذا ما يؤكد أن السبب بإغراق الأسواق ما هو إلا حرباً اقتصادية، ذات طابع سياسي، وليس مجرد عملية اقتصادية هدفها طرد النفط غير التقليدي من الأسواق، كما كانوا يزعمون، حيث تم توظيف النفط كسلاح بمعركة ظالمة ضد الخصوم السياسيين.

لقد غدا مؤكداً أن هناك إغراقاً للسوق النفطية متعمد من قبل دول الخليج وعلى رأسها السعودية، وبالتنسيق والتعاون مع أمريكا، الأب الروحي لهذه الدول، والتي تأتمر بأمره، ولا يمكن لهذه الدول تنفيذ سياسة ما، دون أخذ الإذن من أمريكا، ما لم تأتيها الأوامر مباشرة من العم سام لتنفيذ سياسة ما.

ففي صيف عام 2014 بدأت حرب النفط، وذلك عندما أخذت أسعار النفط تتدهور بسرعة فائقة من مستوى 120 دولار نزولاً إلى مستوى 50 دولاراً خلال فترة شهرين، وهذه فترة قصيرة جدا، لا تبررها الأسباب الاقتصادية التي تم سياقها لتبرير مثل هذا الهبوط السريع. واستقرت الأسعار عند مستوى 50 دولاراً لفترة شهرين أخرى، لتعود مواصلة هبوطها إلى مستوى 33 دولار هذه الأيام. حيث واصلت هذه الدول سياستها لتوصل الأسعار لهذه المستويات الخانقة بالنسبة للعراق، وهي كذلك بالنسبة لإيران وروسيا، لكن تأثيرها على هاتين الدولتين كان أخف وطأة، كون اقتصادهما ليس ريعياً كما هو الحال بالنسبة للعراق.

وحين نشير إلى دول الخليج بالذات، فإن التأشير على أسس موضوعية، وليس على أساس نظرية المؤامرة، لأن هذه الدول، ولا يوجد غيرها، هي من يستطيع توفير طاقات إنتاجية فائضة لفترات زمنية طويلة نسبياً، كأن تكون سنة أو أكثر، كما ويوجد لديها طاقات تصديرية، أي قدرات تصديرية، تفوق حاجتها بكثير. لذا أشرنا لها دون غيرها منذ اليوم الأول، كون باقي الدول المنتجة للنفط لا تمتلك هذه الطاقات الإنتاجية والتصديرية الفائضة معاً في وقت واحد، فربما يمتلك بعضها طاقات إنتاجية فائضة، لكنها لا تمتلك طاقات تصديرية فائضة، والعكس صحيح.

لعل العراقيين يعرفون الآن أن مسألة إضعاف العراق اقتصادياً قد يؤدي إلى تسهيل عملية تقسيم العراق كما ترغب أمريكا ودول الخليج. مع ذلك بقي العراق متماسكاً ويقف على أرض صلبة لحد الآن، لكن إلى متى يستطيع الوقوف واثقاً ولا يترنح خصوصاً وأن مشاريع التقسيم بدت جميع ملامحها واضحة للعيان، فحتى الانسان البسيط يستطيع قراءة هذه الحالة.

ألا تروا معي أن هناك جوانب سياسية واضحة للعيان تقف وراء الموضوع بحيث لا يمكن تجاهلها أو اعتبارها نوعاً من نظرية المؤامرة؟

الآن وبعد مرور سنة وأربعة أشهر على بداية عملية الإغراق، رفض العراق وإيران المقترح السعودي بتخفيض الإنتاج من خلال الأوبك لرفع أسعار النفط. العراق وإيران وجدتا أن التخفيض يجب أن يكون محصوراً بدول الخليج، وهكذا انتهت محاولة السعودية إلى الفشل.

عندما تقترح السعودية مثل هذا الاقتراح، ليس لشعورها بالمسؤولية تجاه شركائها، ولكن السبب الحقيقي وراء المسألة هو تخفيف العبء عن كاهل حقولها، حيث بدأت قدراتها الإنتاجية الفائضة بالتراجع، كون معظم الآبار التي ساهمت بهذه الزيادات بدأت تفقد قدرتها على الإنتاج، وذلك لارتفاع نسبة الماء مع النفط المنتج، وكذلك موت البعض منها لنفس الأسباب. وهذه مسألة فنية بحتة، لا أريد للقارئ أن يتيه بها، لذا أكتفي بالقول بأن القدرة الإنتاجية الفائضة لدى دول الخليج بدأت تتضاءل كنتيجة لتوقف طبيعي للآبار التي فتحتها على مصراعيها ولفترة زادت عن 15 شهراً متواصلة. وأعتقد أن رفض العراق وإيران لم يكن مدروساً ولم يكن مستنداً إلى حقائق مستجدة على أرض الواقع.

دخول روسيا الحرب إلى جانب سوريا، وثبات العراق موحداً ودون أن ينهار اقتصادياً، وانحسار مناطق نفوذ داعش، الإبن الشرعي لهذه الدول، وتقلص أعدادهم، بدلاً من التراجع، زاد هذا الأمر من عزم وتصميم دول الخليج وأمريكا على تصعيد الحرب الاقتصادية أكثر لتكون آثارها قاتلة لهذه الدول على حد سواء، فكانت النتيجة أن وصل سعر النفط اليوم إلى 33 دولارا للبرميل.

ولكي تزيد الولايات المتحدة الأمريكية من تعبئتها لمواجهات أصعب في هذه الحرب الاقتصادية التي أصبحت شبه معلنة، ورغم أن الولايات المتحدة تستورد أكثر من نصف احتياجاتها النفطية من خارج البلاد، فإنها أصدرت قانوناً جديداً يسمح بتصدير النفط خارج أمريكا كونها قد حضرت لهذا التصدير منذ فترة طويلة! السبب، كما أعتقد، هو لمواجهات أصعب مع هذه الدول، خصوصاً بعد أن أدركت أن القدرات التصديرية الفائضة لدول الخليج آخذة بالتناقص.

من المعروف أن أمريكا تمتلك خزيناً استراتيجياً بحدود 494 مليون برميل. بهذه الكميات، تستطيع أمريكا ضخ كميات مناسبة لتعويض التناقص في قدرة دول الخليج على إنتاج كميات فائضة، وبهذا الإجراء تستطيع الاستمرار بحالة إغراق الأسواق لفترة قد تطول إلى أكثر من سنة أخرى، حيث يعتمد طول الفترة على الطاقات الحقيقية التي مازالت دول الخليج تستطيع توفيرها لعمليات إغراق الأسواق النفطية.

في واقع الأمر فإن الدول الثلاثة، السعودية والإمارات والكويت، قد فتحت جميع آبارها على مصراعيها لتزيد من إنتاجها بكميات تفوق حاجة السوق بكثير دون الإعلان عن ذلك، بحيث وصلت هذه الكميات، وفق بعض التقارير الإعلامية، إلى ثلاثة ملايين برميل يومياً في بداية الحرب، ولكن فيما بعد استقرت بمستوى زيادة بحدود مليون و500 ألف برميل يومياً، تزيد وتنقص لأغراض المناورة واختبار ردود فعل السوق أحياناً، ومراقبة أثرها على اقتصاديات هذه الدول. مسألة تناقص الإنتاج الفائض لدول الخليج الثلاثة غير معلنة طبعاً، ولكن بحكم كوني عملت في الخليج لمدة تزيد على ربع قرن، وفي هذه الحقول التي تحدثنا عنها، استطعت الحصول على معلومات تؤكد أن الكثير من الآبار قد فقدت قدرتها على الإنتاج تماماً.

بعد أن عرفنا كل هذه الحقائق، هنا نسأل الدول المنتجة للنفط، هل ستبقى مكتوفة الأيدي أمام هذه الحرب التي أصبحت معلنة؟

أعتقد أن بوسع دولنا التصدي لها بسهولة كبيرة. فلو حسبنا الكميات الإضافية التي يتم ضخها للأسواق، فإنها لا تتعدى مليوني برميل بأعلى تقدير لها، لأن التقارير تتحدث عن مليون ونصف إضافية غير معلنة، فلو استطاعت الدول المنتجة عدا دول الخليج الثلاثة وأمريكا بالطبع، أن تخفض من إنتاجها ثلاثة ملايين برميل يومياً، فإن مجرد الإعلان عن ذلك، من شأنه رفع الأسعار بنسب جيدة.

فلو حسبنا مجموع الإنتاج العالمي من المنتجين الأحرار ودول الأوبك، عدا دول الخليج الثلاثة وأمريكا وكندا وبعض الدول التي لا ترغب بمواجهة مع أمريكا، فإننا نستطيع القول إن هذا الإنتاج يزيد على 50 مليون برميل يومياً.

روسيا، المنتج الأول في العالم، والمستهدف الأكبر، قد أبدت رغبتها بتخفيض الإنتاج منذ أكثر من سنة، وكررت هذه الرغبة أكثر من مرة خلال هذه الفترة، وبالتضامن مع الدول الأخرى التي جميعها متضررة من سياسة الإغراق. يمكن تخفيض الإنتاج بنسب تتراوح بين 5% و10% ومن ثم مراقبة الأسواق بدقة للتأكد من الرقم الواقعي للتخفيض الذي تستطيع به كبح جماح هبوط الأسعار والمحافظة عليها عند مستوى مقبول، من 70 الى 80 دولاراً للبرميل.

العراق كونه الأكثر تضرراً من هذه السياسة، وكونه يواجه تحديات كبيرة أخرى كالحرب على الإرهاب، والنازحين، وإعادة تعمير المدن التي أصبت ركاماً، وتحديات أخرى لا تقل شأناً، عليه أن يأخذ زمام المبادرة ومفاتحة الدول المتضررة، سواءا من أوبك أو المنتجين الأحرار، لتنضيج هذه الخطة، أو أي خطة أخرى بديلة لهدف رفع أسعار النفط - خصوصا بعد أن عرفنا حقيقة محدودية الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي من النفط، وحقيقة تناقص قدرة دول الخليج على الاستمرار بسياسة إغراق الأسواق كما بدأتها قبل 16 عشر شهراً من الآن، وهذا الأمر سيسهل علينا المواجهة بشكل كبير.

صحيح أن الرابح لهذه الحرب سيكون أمريكا ودول الخليج، ولكن سيكون أثرها على دولنا بالغ الأثر فيما لو استمرت، في حين أن أثرها سيبقى محدوداً على دول المواجهة، لأن أمريكا تنتج بقدر ما تبيع من النفط، فهي غير متضررة. أما دول الخليج فإنها تمتلك احتياطيات مالية هائلة تساعدها على الصمود لفترة طويلة من الزمن.

لنكن واقعيين ونقبل بهذا القدر من الخسائر.

فالحرب هي الحرب، لكن علينا تقليل الخسائر إلى أقل قدر ممكن، وفي حال انتصار العراق في حربه على الإرهاب، ستكون خسائر أمريكا ودول الخليج هائلة.

 

(*) مهندس وخبير نفطي عراقي

نسخة محررة ومنقحة خاصة بشبكة الاقتصاديين العراقيين. حقوق النشر محفوظة.
يسمح بالاقتباس وبأعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. 11 كانون الثاني 2016


 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter