|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |

     
 

 السبت  23 / 11 / 2013                    حسين فوزي                                كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

لسعة قلم

المحرقة

حسين فوزي
h_f_alsahi@yahoo.com


لم تكن مفاجأة ان يُحرق امينان لبغداد في بحر اقل من سنة. ومن يتذكر مقولة بعض القادة العسكريين المصريين الذين تحدثوا بعد هزيمة 1967 قائلين “كنا ننتظرهم من الشرق فجاؤنا من الغرب”، في محاولة لتبرير تدمير سلاح الطيران المصري ومن بعده استفراد اسرائيل بالجنود والأسلحة البرية، فاننا نسمع مقاربات مماثلة بشأن الكثير من ازماتنا.

والعراق عموماً يواجه ازمة من معالمها عدم توفر تصريف للمياه الثقيلة، والأمطار، وقضية مياه الشرب ووو...، والأساس ان نظام تصريف للمياه الثقيلة، وتوفر شبكة مياه الشرب مترابطان بقضية اساسية، هي البنى التحتية المفقودة لدينا إلى حد كبير.

وفي الشمولية بعد تحرير الكويت، واجهنا ازمة كبرى في بغداد وغرق احيائها، وكان المتحدثون يرددون عبارات القادة العسكريين المصريين لتبرير الغرق بان “الأمطار باغتتنا قبل موعدها”، وكأن القضية مرتبطة بتأهب ملاك الأمانة، وليس حجم البنى التحتية القادرة على تصريف الأمطار وخزنها ايضاً! جهد الملاك في معالجة الاختناقات مطلوب كي يستقيم نظام التصريف ويعمل بتناغم، لكن المشكلة الكبرى أننا، حتى قبل التورط في الحرب ضد إيران، اتجهت الشمولية نحو العسكرة والتسليح، بالتالي فأن اية اضافة تستحق الذكر للبنى التحتية لتصريف مياه الأمطار والمجاري ومياه الشرب لا تستحق الذكر. والشاهد على هذا هزيمتنا المتواصلة أمام غزارة الأمطار.

لن يستطيع اي خبير في إدارة تصريف الأمطار والمجاري وتأسيسات مياه الشرب معالجة الأزمة التي نعيشها، ففرص البناء محدودة بفعل عدم توفر الأمن، وتغليب المصالح الانتخابية في التعامل مع المتجاوزين، بجانب الفساد الذي يبتلع الكثير ويتركنا تحت رحمة الطبيعة وتأكل شبكة التصريف، وتدني مستوى توفير مياه الشرب. وهي حقائق اتت على رأسين لأمانة بغداد، ولن توفر من يأتي بعدهما، ما لم تكن هناك إرادة حقيقية في التوجه نحو اقامة بنى تحتية تحتاج ما لا يقل عن سنتين من العمل المتواصل، وحتى في حالة توفر الإرادة في اقامة هذه المشاريع، فأنها تستدعي الصراحة مع المواطنين، والحزم في استعادة اية مؤسسات أو منشآت لها علاقة بحل هذه الأزمة، وليس الالتفاف في معالجتها على حساب كفاءة مشاريع التصريف.

ويظل غرقنا بمياه الأمطار ودماء ابنائنا الحالة السائدة، ما لم تتوفر الإرادة ايضاً في توفير البنى التحتية للامن الداخلي من خلال التمسك بقيم المواطنة والحقوق والواجبات التي تضمنها الدستور، الذي هو الأطار الكفيل بالحفاظ على تماسك الدولة في الالتزام ببنوده والاحتكام لمحكمة اتحادية مستقلة جليلة مهيبة بإرادتها في الحرص على العدل والمساواة والأخوة بين المواطنين.

وسنظل نشهد المزيد من ضحايا محرقة غياب الرؤية الشاملة، وهي الرؤية التي دفعت رجل الدولة الرئيس طالباني إلى القول “ليس المالكي وحده مسؤول عن الاخفاقات، كلنا مسؤولون”، لكن رجل الدولة بقدرته على صد الأزمات غائب، والكثير ممن دافع عنهم يتخلون عملياً عن كل القيم التي سعى لتعميقها.
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter