|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  11  / 6 / 2024                                د. غالب محسن                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

ملاحظات سريعة "متأخرة"
على كتاب "شهداء الحزب … شهداء الوطن" الجزء الثالث ... شهداء الحركة الأنصارية

د.غالب محسن

"شهداء الحزب … شهداء الوطن" الجزء الثالث ... شهداء الحركة الأنصارية. أصدار الحزب الشيوعي العراقي، عن دار ميزر للنشر والتوزيع الطبعة الأولى 2019.

للأسف لم يتسنى لي الإطلاع على هذا الكتاب ألا قبل بضعة أيام. ربما بسبب زمن الكورونا والغياب الاضطراري. لا أدري، المهم ألقيت بنفسي بين صفحاته مباشرة تغمرني مشاعر مختلطة وأنا أتصفح الكتاب ليس فقط لأنني كنت جزء من هذه التجربة بل أعاد الكتاب من جديد ذكرى معارك بشتاشان وأنا أرى مشهداً، يتكرر بأستمرار حتى اليوم وبعد مرور أكثر من أربعين عاماً، ومن بينها صورة الشهيد طارق محمد (المعروف بأسم دكتور بهاء) على بعد فقط ثلاثة أمتار مني يطلق صرخة مدوية بعد أن أصابته رصاصة غادرة عند سفح قنديل مزقت أحشاءه، بينما كان نصيبي رصاصة هشمت ذراعي (كتبت عن التجربة عموماً وهذه الصورة بالتحديد في كتابي الثاني رحّالة، صدر 2014) .

قبل كل شئ لا بد من الأشادة بعمل لجنة المطبوع وكل من ساهم بهذا العمل الذي لا شك في كبر حجمه وصعوبته. وطبعاً في المقدمة منها النوايا الحسنة التي وقفت خلف أصدار هذا الكتاب بما فيها رغبة الوفاء للشهداء وهو أقل ما يمكن أن يقدمه الحزب مقابل تضحيتهم بأغلى ما يملكه الإنسان. وضعت هذا نصب عيني قبل أن أكتب هذه الملاحظات. وأنا أكتب بناءً على دعوة لجنة المطبوع لكل الرفاق والأصدقاء ل" رفدنا بمقترحاتهم وتدقيقاتهم وتصويباتهم للأخذ بها في الطبعات التالية .." كما جاء في المقدمة.

وكما أعتدت القول أن النوايا قد تنفع في السماء لكنها لا تنفع كثيراً على الأرض فالفعل هنا هو الذي يحتسب. لقد أُصبت للأسف بخيبة أمل وتقهقر الحماس في داخلي وأنا أشعر بأن الكتاب صدر على عجل فظهر" معظم الكتاب " وكأنه " سجل الأحوال المدنية " ، العمر،مكان الولادة، المدينة، الحالة الفردية والإجتماعية وغيرها أما مسيرة الشهيد النضالية وإسهاماته (بما فيها عائلته) فجاءت معضمها شحيحة وأحياناً شاحبة بينما جاءت للبعض الآخر وافرة وغنية فلم تكن عادلة من هذه الزاوية.

السؤال أذن: هل كانت فكرة الكتاب سجل للشهداء أم تمجيداً لهم ولمآثرهم في التضحية والوفاء ؟

لا ريب أن مثل هذا المشروع يحتاج الى عمل بحثي دؤب وربما مهني ولا أريد التقليل من شأن المصاعب التي واجهت فريق العمل وهم يعملون لتذليل تلك الصعاب بل ربما لم تتوفر لهم كل مستلزمات القيام بهذه المهة النبيلة (المادية بما فيها المكلفين بها واختيارهم). لكن مع الأنتشار الواسع لقنوات التواصل الاجتماعي وسهولة الحصول على المعلومات من جهة وزيادة قدرات الحزب الجماهيرية والمادية (التي مكنته من القيام بمشاريع ضخمة من قبيل بناء مقر جديد للحزب) من جهة أخرى سيكون من الصعب، كما أعتقد قبول تلك بأنها السبب في هذه أو غيرها من نواقص الكتاب. كما لا يمكن ألقاء اللائمة على قصر المدة الزمنية في أعداده. ورغم أن هذا شأن حزبي داخلي (طباعة هذا الكتاب وليس موضوعه) لكن كان من مسؤولية اللجنة، كما أعتقد، أن تتقدم بطلب توفير المتطلبات اللازمة بما فيها زيادة وتنوع عدد المساهمين فيها. هذا من جهة.

لكن الأغرب و ما أثار حيرتي كثيراً ، من الجهة المقابلة، هي عناوين بعض الفصول أو الفقرات. فقد تكرر في أكثر من مكان عنوان " شهداء حوادث مؤسفة " !؟ العنوان بحد ذاته كان صدمة لي أكثر مما هو دهشة. الحدث المؤسف مثلاً عندما تتجول في شارع أوكسفورد وسط لندن وتصدمك سيارة، أو أذا كنت في أجازة الصيف تسبح في بحيرة كايرو في ستوكهولم وتغرق بسبب تشنج عضلي، أو تقوم بترميم منزلك الصيفي وتسقط من السطح وهكذا. هذه حوادث مؤسفة ومن تعرض لها خسارة بالتأكيد لكنهم ليسوا شهداء.

لكن في حركة المقاومة المسلحة الأنصار ليست هناك حوادث مؤسفة فكل خطوة في الجبل كانت بمثابة نضال وكفاح بالفعل من أجل تخليص الوطن من سلطة الظلم والإضطهاد . أن ينفجر عليك لغم ، أو تغرق وأنت تحاول عبور النهر أو تمرض ولا تتوفر أمكانية علاجك، أن تفاجئ بعاصفة ثلجية، أو أنهيار كهف ومثلها فهذه ليست حوادث مؤسفة بل هي جزء من ذلك الكفاح والصراع مع العدو، فقد كانت كردستان، كلها، أرض معارك وحرب ضد النظام الدكتاتوري (وأنا أتحدث بالتحديد عن تجربة الأنصار).السؤال: ما الفرق بين أنفجار لغم والوقوع في كمين للعدو؟ ما الفرق بين السقوط من حافة منحدر جبلي أو رصاصة غادرة مهما كان مصدرها ؟ ماذا سيكون رد فعل والدة الشهيد كامران نوري عثمان (شالاو) لو أخبرتها أن أبنها أستشهد بحادث مؤسف (أنفجار لغم)؟

الكتاب بالطبع من زاوية ثانية ليس دراسة تقييمية للتجربة الأنصارية وهذا لم يرد في مقدمة الكتاب وأنا أفهم ذلك فمجرد ذكرها سيطرح المزيد من الأسئلة. لكن شئت أم أبيت ينتابك شعور أحياناً وأنت تتصفح الكتاب بوجود فجوات وفراغات حول أسباب تلك الحوادث (المعارك) يتم القفز من فوقها لكن مع ذلك تشعر في أغلب الأحيان بالسقوط الحر في هاويتها ومنها مثلاً أحداث بشتاشان. كان من الأجدر كما أعتقد، مهما بدا الأمر صعباً (فذلك سيحتسب لصالح الحزب لا عليه)، أن يبدأ الكتاب بتقييم أولي كأنه مقدمة وأستهلال يعبر عن راي الحزب الرسمي بالتجربة الأنصارية، ما لها وما عليها، الأنجازات والإخفاقات، الإنتصارات والانتكاسات بعين نقدية شفافة من داخل التجربة وخارجها لتكون مدخلاً لنقاش جماهيري (من داخل الحزب وخارجه) وسيكون خير وفاء للشهداء من جهة وللتعريف بهذه الصفحة من تأريخ الحزب التي لا يعرفها الكثيرون من جماهير الشعب "العوام" وهذا قد يرفع من رصيده بينهم أيضاً. لا ينفع تأجيل هذا العمل بذريعة المصاعب ونحن نشاهد مَن ساهم بهذه التجربة الأسطورية، يودع هذا العالم بعيون حائرة.




 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter