|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 السبت  2  / 9 / 2017                               فهيم عيسى السليم                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

قوالب العامية العراقية
(16)

فهيم عيسى السليم
(موقع الناس)

جذور الشعر العراقي

إن دراسة وتحليل قوالب اللغة العامية العراقية لا يمكن أن تكتمل دون تحليل ودراسة شعر الشعب العراقي لوسط وجنوب العراق ودراسة علاقته بالشعر العربي الكلاسيكي من جهة والتعرف من جهة أخرى على إحتمالات وجود علاقة أو إرتباط للشعر الشعبي العراقي بلغات العراق القديم وفنونه الأدبية من ملاحم ومناحات وغير ذلك .

أن شعر جنوب ووسط العراق متميز ومختلف عن الشعر العربي الكلاسيكي بأوزانه وإيقاعاته المعروفة وكذلك الألحان والمقامات العربية المعروفة.إلا أن إثبات ذلك يحتاج للولوج في هذا الجانب المهم من جانب تحليلي وعلمي لا من جانب عاطفي ومحلي تعصبا للعراق والعراقيين.

سنعدد بإختصار شديد ألوان شعر الشعب العراقي الشائعة :
1. ألأبوذية : رباعي الأبيات وهو أكثر شكل شعري شائع في جنوب ووسط العراق.يتألف شعر الأبوذية الرباعي دائما من ثلاثة أبيات ذات قافية واحدة في جناسها اللفظي إلا أنها مختلفة المعنى أما الشطر الرابع فيجب أن يقفل دائما بياء مشددة تتبعها هاء مهملة.
ووزنه هو مفاعلتن مفاعلتن فعولن
ويغني ناصر حكيم :

يا ناهي إقبَلْ إرشادي وإنتِصاحي
ﭽذَبْ من شاف شخصك وإنتَ صاحي
وﺤﮓ سكرة إعيونكْ وإنت صاحي
رضابك سلسبيل وعذب ميّه

2. الموشح : رباعي الأبيات أيضاً ثلاثة بقافية واحدة ووزن واحد والرابع يتبع قافية مطلع القصيدة أو مستهلها ويسمى الرباط أو(راس المشدّ) ويستخدم في القصائد الطويلة عادة وكمثال عليه تقول الشاعرة الشهيرة فدعة الزريجية :

يشبوط الجمح ما صاده الصيادْ يا صلبوخ ياليجدح بخشمِ إزنادْ (الرّباط) (راس المشدّ)

ويليه الرباعي:

إشِهْدي للولد يا رﮔبة النبعة ﭽريم ومرجلاني من جَهَلْ طبعهْ
يهديب اﻟﻨِﮔﻝ حِمله وحمل ربعه أو ﻨﮔل حمل الرِعيع وبعد شال أفرادْ

3. الميمر : رباعي الأبيات يشبه الأبوذية تماما لكنه يختتم دائما بقافية الراء الساكنة وكمثال عليه يقول السيد حسين المقوطر:

احنا البدور من السما هلينا
مثل السحاب اعلى الأرض هلينا
احنا الذي بضيوفِنا هلينا
والغير من شاف الضيوف تكدّرْ

4. وزن الشبكهه : وهو أيضاً رباعي الأبيات
وأول من نظم على هذا الوزن الشاعران الملا كامل والحاج زاير . سمي بهذا الأسم نسبة الى القصيدة المعروفة التي نظمت على هذا الوزن ولها حكاية طريفة . هي :
كان الشاعر الحاج زاير والشاعر الملا كامل يتمشيان في سوق الحيرة المدينة التابعة لمحافظة النجف الأشرف ذات يوم فشاهدا فتاة جميلة جداً يعرفانها وتسمى ( صبحه ) تبيع اللبن فأعجب بها الملا كامل وقال : داده خي عونه الشبكهه
فأجابه أرتجالاً الحاج زاير :

من تطب للسوك صبحه تصيب كل دلال فرحه
جيت أعاملهه الوكحه غطت الروبه بطبكهه

فرد الملا كامل قائلاً :

من تطب للسوك تصدع والحجل بالساك يلمع
يا رفاكَه شلون تشبع دورة المحبس حلكَهه

5. اﻟﭽلمة ونص : وهو أيضاً رباعي الأبيات ووزنا (المجرشة) و (الهجيني) مشابهان له
وكمثال معروف على هذا الوزن من الشعر الأغنية الشهيرة عا لشوملي عالشوملي، نارك ولا جنة هلي.

ياويلي ويلي امن الترف گلبه عليه ما يرف
ثاري العشگ زحم وكلف ميطيب بيه المبتلي

6. التجليبة : رباعي الأبيات أيضا وهي من أشكال الموشح إلا أنها تلتزم بربّاط أو رأس مشد ثابت وهو
أجلبنك ياليلي أثنعش تجليبة تنام المِسعِدة وﺘﮔول مدريبه
ومنه هذا البيت المغنى :

أجلبنك ياليلي إشنعش ساعة ونص ﺴﭽاﭽين الهجر بحشاي ﮔصن كصْ
ياهالشامة لبخدك لون تنمص ﭽان إفتر الليل ودواليبه

7. الدارمي : أو غزل البنات وهو رباعي أيضا وهو من أشهر أنواع شعر الشعب العراقي إذ أن أغلب الأغاني العراقية على وزن الدارمي وربما هناك الآلاف من الشعر الدارمي في المدينة والريف ومن أمثاله

لو ضكّتك دنياك ها بالك إتصيحْ
إرﭽﻲ الرمح ﻟﭽلاك واصبر لما إتطيحْ

والدارمي الآخر:

عدّي وتخاف إعليك وتدورك أمّكْ
موش بيابي العينْ بصيبها أضمك

الملاحظات التحليلية:
1) إن جميع شعر الشعب العراقي الأصيل (أي قبل تطويره في مراحل لاحقة) رباعي بدون إستثناء كما ورد في أعلاه .إن هذا الأمر يعني التالي :
- إن هذا الشعر نبع وترعرع مختلفا عن الشعر العربي للقصيدة العمودية إذ لا وجود لهذه الظاهرة مطلقا في الشعر العربي الكلاسيكي إذ لا تعد المقطوعة الشعرية في الشعر العربي الكلاسيكي قصيدة إذا قلّت عن سبعة أبيات في حين أن هناك إشارات واضحة على كون شعر العراق القديم على هذه الصورة أو ما يشابهها كما سيرد لاحقاً.
- لا وجود في شعر الشعب العراقي لفكرة القصيدة بمعناها المتعارف عليه لدى العرب أي أن الشاعر العراقي يؤلف الدارمي الواحد أو الأبوذية الواحدة ويكتفي بذلك وهو سعيد.
- وجوب الإنتهاء من الفكرة الشعرية بالنسبة للشعراء الشعبيين العراقيين وتوصيلها للسامع ببيتين من الشعر أي بمقطع رباعي ليس إلا .
- إن النتيجة الطبيعية لذلك هي تكثيف الشعر بشكل محسوب ومركز وقصير ومباشرضمن وحدة الشكل الرباعي بإيصال المعنى المطلوب وهو أساس شعر الشعب العراقي بجميع ألوانه في حين أن الشعر العربي الكلاسيكي ينحو منحى الإطالة والتفصيل .
2) إن أغلب شعر الشعب العراقي كُتب ليغنى أو أنه قابل أن يغنى في حين أن الشعر العربي الكلاسيكي ليس كذلك كما هو معروف إلا في حدود ضيقة جدا وبأوزان وبحور ثانوية جداً.
3) تأسيساً على النقطة الثانية فإن الغالبية العظمى من شعر الشعب العراقي ذو أوزان غنائية وخفيفة وكما يلي:
- الأبوذية : معصوب بحر الوافر مفاعلتن مفاعلْتن فعولن
- الميمر : مقطوع بحر الرجز مستفعلن مستفعلن مفعولن أو مستفعلن مستفعلن مفعولات وهذا مشكوك فيه جدا ومختَلَفٌ عليه وأغلب ظني أنه وزن عراقي مستحدث
- اﻟﭽلمة ونص : مجزوء الرجز مستفعلن مستفعلن
- وزن الشبكها : ينظم على وزنين فاعلاتن فاعلاتن والآخر هو فاعلاتن فاعلات ولا شبيه له في الشعر العربي الكلاسيكي
- التجليبة : بحر الهزج مفاعيلن مفاعيلن
- الدارمي (غزل البنات) :ووزنه مستفعلن فعلان مستفعلاتن ولا شبيه له كما أعتقد في الشعر العربي الكلاسيكي كما توصل لذلك أكثر من باحث رصين أي أنه عراقي مستقل بامتياز وسنفصل لاحقاً إرتباطه الواضح بالشعر الأكدي البابلي.
4) إن المقارنة والإستنتاج توضح بشكل دامغ كون شعر الشعب العراقي مستقل إستقلالاً تاما أو شبه تام عن الشعر العربي الكلاسيكي ولم يتأثر به أو يستل منه أو يتفرع منه . ندرج لكم نسب شيوع البحور الشعرية في الشعر العربي الكلاسيكي منقولاً عن كتاب (موسيقى الشعر للدكتور إبراهيم أنيس – منشورات دار القلم – بيروت – الطبعة الرابعة) (1)

الشاعر زهير بن أبي سلمى الفرزدق أبو الطيب المتنبي أشعار كتاب الاغاني
الطويل 43% 68%  28% 36%
الكامل  15% 12% 19% 12%
البسيط 23%  9%  16% 12%
الخفيف - - 9 8% 
الوافر  15% 10% 14 11% 
المنسرح 2%  - 7% 3%
المتقارب  2% 1%  4% 4%
الرجز  - - 2% 4% 
السريع - - 1%  3%
الرمل        2%
الهزج والمديد        2%

ونلاحظ بشكل لا يقبل الشك ان شعر الشعب العراقي له علاقة واهية بأوزان الشعر العربي الكلاسيكي ولا ينظم العراقيون على أي شكل كامل من بحور الشعر العربي إلا فيما ندر فمعصوب بحر الوافر الذي هو وزن الأبوذية لا يمثل إلا نسبة قليلة جدا ومهملة من الشعر العربي وكذلك بحرالرجز وأجزاءه أما إذا جمعنا نسب البحور التي لم يدرج العراقيون على التأليف بها إلا فيما ندر وهي(الطويل والكامل والبسيط والخفيف والمنسرح والمتقارب) فنجد أنها تزيد عن 80% من الشعر العربي الكلاسيكي.
5) ومن الواضح أن أصول الشعر العربي إنطلقت من بيئة مختلفة وهي بيئة الصحراء وهناك بحوث كثيرة في هذا المجال نختصرها بما قاله الدكتور د. حمد بن ناصر الدخيِّل أستاذ مشارك - قسم الأدب - كلية اللغة العربية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- الرياض في مقاله الموسوم : أثر الصحراء في نشأة الشعر العربي وتطوره حتى نهاية العصر العباسي الثاني (2)
(لم يقتصر أثر الصحراء في الشعر العربي على وضع الأسماء والصفات الخاصة بالصحراء، وما يتصل بها من مفردات وألفاظ دلل عليها الشعر وحملها إلينا، بل تجاوز تأثيرها فيه إلى آفاق أخرى، شملت موضوعاته ومعانيه وصوره وأخيلته وإيقاعه؛ حتى إن الدارس ليستطيع القول إن الشعر العربي وليد الصحراء، نشأ على أديمها، وتدرج في النشأة حتى استقام في صورته الكاملة التي وصلت إلينا في شعر الجاهليين ودواوينهم ومطولاتهم التي بين أيدينا. ولا نبالغ إذا قلنا إننا نجد في كل قصيدة جاهلية أثرًا ظاهرًا من آثار الصحراء، بل نجد هذا الأثر في شعر جميع العصور التي اقتفت الشعر الجاهلي في ألفاظه ومعانيه وصوره،........)
6) أما عن مضامين شعر الشعب العراقي مقارنة بالعربي الكلاسيكي فأن شعر الشعب العراقي بشكل عام لم يتناول إلا نادراً مواضيع هامة جدا في الشعر الكلاسيكي كالوصف والهجاء والمدح والإعتذار ومن جانب آخر يكاد يخلو الشعر العربي الكلاسيكي مما نطلق عليه في العراق (غزل البنات) وهو الشعر الدارمي الذي تأسس على أشعار غزل تقولها النساء وهو غير متداول عند العرب لأن العربيات لم يعرف عنهن التغزل بالرجال.
7) بعد أن عرفنا وفصلنا الإختلاف الشاسع بين شعر الشعب العراقي والشعر العربي الكلاسيكي وإختلاف البيئة الطبيعية التي نما وترعرع كل منهما فيها مما يؤكد أن أصول شعر الشعب العراقي ليست عربية سنحاول التوجه التعرف على أدب وشعر العراق القديم (السومري والبابلي) من خلال ما كشفت عنه الآثار من أدب وأغاني وأناشيد وملاحم وتلمس البناء الشعري لأجدادنا وكذلك التعرف على المفردات السومرية والبابلية التي تختص بهذا الموضوع في محاولة للكشف عن الرابطة بين أدب العراق القديم وبين الأدب الشعبي العراقي معتمدين على المصادر الموثوقة التي لا يرقى إليها الشك.
8) ورد في مقدمة ترجمة ملحمة ﮔﻟﮔامش للدكتور طه باقر التالي(النص تحته خط) (3):
أ‌. يرجح أيضاً أن منشأ الشعر في أدب وادي الرافدين من الغناء والقصيد الشعبي.
ب‌. يرى أغلب الباحثين في الأدب أن الغناء كان أصل الشعر في جميع الآداب البشرية،ولعل ممايؤيد هذا الرأي أن كلمة (شعر) الموجودة في كل اللغات السامية تعني في أصل ما وضعت له (الغناء) مثل (شيرو) الأكدية وشير (العبرانية) و(شور) الآرامية التي تعني في الأصل الغناء والنشيد.ومن ذلك المصطلح العبراني (شير هشريم) أي نشيد الإنشاد المنسوب إلى سليمان في التوراة.
ت‌. والعادة في الشعر البابلي ,كما في إسطورة الخليقة وملحمة ﮔﻟﮔامش،أن القصيدة فيه تنقسم إلى وحدات تتكون الواحدة منها من بيتين من الشعر (دوبيت) والأعم في البيت الثاني يكون المعنى أما مغايراً لمعنى البيت الأول أو مشابهاً أو مكملاً.
ث‌. وقد تؤلِّف في بعض الأحايين أربعة أبيات في القصيدة وحدة في المعنى فتكون القصيدة بهيئة مجموعة من الرباعيات.
ثانياً : ورد في كتاب الدكتور طه باقر(مقدمة في أدب العراق القديم ص 55 وما تلاها) (4) :
وإذا تجاوزنا ما هو الشعر وما هي أسسه ومقوماته ولا سيما في الإتجاهات الأدبية الحديثة،فإننا نسير في تحديد مفهوم الشعر في النصوص الأدبية التي جاءت إلينا من حضارة وادي الرافدين على الأسس و المبادئ المأثورة(الكلاسيكية) المتبعة في دراسة الآداب العالمية وتصنيفها إلى شعر ونثر أدبي ،ولا سيما الأسس الآتية:
A. وجود الإيقاع الخاص أي الوزن أو العروض
B. إتباع نظام خاص من حيث تقسيمه إلى وحدات صغيرة وضم هذه الوحدات في مجموعات أكبر منها كالبيت والبيتين والأربعة أبيات والقصيدة.
C. إنتقاء مفردات لغوية خاصة بلاغية ، أي ما يسمى بالألفاظ الشعرية من حيث الجرس اللفظي والمعنى بالنسبة لمقاييس اللغة التي ينظم فيها الشعرز ويدخل في هذا ترتيب خاص في الكلام يختلف عن الإستعمالات المتبعة في النثر.
D. ونختتم هذه الملاحظات الموجزة عن الشعر البابلي بذكر بعض الأمور الأخرى الموضحة مما يتعلق بإسلوب تأليف الشعر وأجزائه.فبعد تأليف البيت الواحد بجمع عدة (تفعيلات) ،كما ذكرنا ، كان الناظمون يجمعون عدة أبيات لتأليف وحدات شعرية أكبر ، بعضها من بيتين (دوبيت
Couplet) أو أربعة أبيات (الرباعيات quartet) وبعضها من أكثر من أربعة أبيات مثل الدور أو الموشح (Stanza) .
(إنتهى الإقتباس)

وكمثال واضح على العلاقة الوثيقة بين الشعر العراقي والشعر البابلي الأكدي نورد أدناه مقطعا من ملحمة الرجل الصالح البابلية باللغة الأكدية (
Ludlul bēl nēmeqi) وترجمتها الإنكليزية وترجمتي العراقية

 

 (5)The Poem of the Righteous Sufferer,

أولاً : النص الأكدي :

palṣāma | ul inaṭṭal | īnāya    

petâ | ul išemmâ | uznāya

ثانياً : الترجمة الإنكليزية :

My eyes stared, but did not see,   

My ears were open, but did not hear

ثالثاً : الترجمة العربية : ونلاحظ مندهشين أن النص الأكدي الأصلي بكامله مطابق في كل كلماته للغة العربية!!!

للسماء لا تطل عيناي
مفتوحة ولا تسمع أذناي

رابعاً :  الترجمة العراقية على وزن الدارمي (من تأليفي):   

للسما يربن       وما تشوف العيون
وآذاني مفتوحات    ما تسمع إشلون

9) لقد وجدنا تفاصيل أكيدة ومثيرة عن العلاقة الوثيقة بين الشعر البابلي الأكدي وشعر الشعب العراقي وخصوصا الدارمي  شكلا ومضمونا وسنفصل ذلك في مقال لاحق منفصل.

 

أوكلاند
تموز 2017


المصادر:
(1) موسيقى الشعر الدكتور إبراهيم أنيس – منشورات دار القلم – بيروت – الطبعة الرابعة
(2) http://www.ssnpstudents.com/wp/wp-content/uploads/2015/02
(3) ملحمة ﮔﻟﮔامش الدكتور طه باقر
(4) مقدمة في أدب العراق القديم الدكتور طه باقر \ دار الحرية للطباعة 1976
(5) https://www.soas.ac.uk/baplar/recordings/the-poem-of-the-righteous-sufferer-ludlul-bl-nmeqi-tablet-ii-entire-tablet-read-by-karl-hecker.html




 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter