|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين 26/11/ 2012                                 المهندس فتحي الحبوبي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

حماس رمز للمقاومة البطوليّة بالوسائل الذاتيّة

المهندس فتحي الحبوبي

نشر هذا المقال باللغة الفرنسيّة بجريدة LA NOUVELLE REPUBLIQUE الجزائريّة، الصادرة في 25/11/2012 ، ثمّ ترجمه صاحبه إلى العربيّة، تعميما للفائدة .

بالتأكيد، فإن رغبة السلطات الإسرائيلية في تقديم جريمة الهجوم الوحشي على قطاع غزة المحاصر فيما سمّي ب "عمود الدفاع" ، مع ما صاحب ذلك من الفظائع المروعة الكثيرة وحالات القتل التي لعلّها فاقت الآن 163 شهيدا فلسطينيا، على أنّها حرب عادلة لم تقنع الكثير من الناس بمن فيهم الساسة الغربيين أنفسهم الذين تعوّدوا، بل أدمنوا المساندة اللامشروطة لإسرائيل.

فالرأي العام العالمي لا يزال يجاهد لإعطاء أدنى مصداقية للأهداف المعلنة للحرب من قبل الصهاينة. وذلك بالنظر إلى أن هناك عدم تناسب في الوسائل المستعملة في الحرب بين الطرفين خلال الأيام الثمانية للهجوم. فإسرائيل إستعملت في حربها على القطاع كلّ من الطيران الحربي ،والمشاة والمدرّعات وحتّى القصف من السفن الحربيّة. إضافة إلى ذلك، فإن الإغلاق الجزئي للحدود المصرية مع غزة أثناء الهجوم الإسرائيلي، جعل سكان غزة محاصرين فيما يشبه من كان في مصيدة فئران. وهو ما منح إسرائيل مزيدا من الحريّة في التفرّد بفريستها وقصفها كما يحلو لها، لغرض تعريض السكّان للاختيار المكروه بين أمرين أحلاهما مرّ. وهما الاستسلام أو الموت.

الأسوأ من ذلك، انّ الأهداف العسكرية الرئيسية التي رسمتها الدولة اليهودية والصهيونية لهذه الحرب، وهي وقف كليّة ونهائيّا إرسال الصواريخ التي يطلقها نشطاء حماس على البلدات الإسرائيلية القريبة من غزة، بل وحتّى على تل أبيب نفسها. وتدمير أسلحة حماس أو على الأقل تدمير مرافق إطلاق الصواريخ، لم تتحقق بالمرّة. ومع ذلك، فإنّ صورة إسرائيل التي روّجتها عن نفسها على أّنّها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، قد شوّهت نهائيّا أيّما تشويه . بينما مقاتلو حماس، والشعب الفلسطيني بأكمله ، ضفّة وقطاعا وشتاتا، بدا أنّه كما قال الجنرال ديغول "شعب واثق من نفسه ومهيمن" « un peuple sûr de lui et dominateur » مبرزا بوضوح وجلاء أنّه لا يزال بعيدا عن كل ما يلمّح إلى جبنه. لذلك، لا تزال هناك حماس، التي يدعمها الشارع الفلسطيني أكثر من أي وقت مضى. لا بل وليس الشارع الفلسطيني فحسب ، بل وكذلك الشارع العربي برمّته، وخاصة منه شارع الدول التي هبّت عليها ريح الثورة، فيما يسمّى بدول الربيع العربي، وكذلك الشارع الإسلامي وما يجاوزه إلى أبعد من ذلك. والإدانة الدولية التي برزت خلال مظاهرات شعبيّة في أنحاء متفرقة من العالم، تعطي دلالة قويّة في هذا الصدد.
وهكذا، فقد أثار العدوان الصهيوني حراكا دوليا ذهب إلى أبعد من الانقسامات والاستخدامات التقليدية. لأن الاهتمام بالعدوان كان يتّسم بشيء من التناقض تجلى هنا وهناك.

وقد أثبتت إسرائيل ، مرة أخرى، وبما لا يدع مجالا للشك، خلال هذه الحرب القذرة ضد مقاومي حركة حماس، و كذلك وبصفة مخصوصة ضد السكّان المدنيين والبنية التحتية في قطاع غزة، قدرتها على ارتكاب الجرائم ضد الشعب الفلسطيني، والقيام بما يؤدّي إلى الإبادة الجماعية على نطاق واسع، وعلى زرع الموت وارتكاب المجازر، تماما كما فعلت أثناء حربها ضد حماس في أوائل عام 2008 ، وضد حزب الله في لبنان في عام 2006. لكنّها أثبتت أيضا أن قواتها العسكرية ليست قادرة على التغلّب والفوز في أي حرب ضد المقاومة الإسلامية، سواء في جنوب لبنان أو في قطاع غزّة.
في نهاية التحليل، فإنّ حماس أصبحت اليوم تشارف أن تصبح رمزا للمثابرة والمقاومة البطوليّة في أواخر سنة 2012. تماما كما كان حزب الله في صيف سنة 2006 .

ولا يجادل أحد الآن، في أنّ إسرائيل فد خسرت الحرب، خاصة بعد محاولتها الفاشلة لتكثيف المعركة ، والتي اصطدمت بمقاومة قويّة و وقع صدّها مرة أخرى لترتدّ إلى الخلف. أفلا يعتبر كل هذا هزيمة؟ ثم إنّ هناك هزيمة أخرى لإسرائيل، لا تقل شأنا عن الهزيمة الحربيّة ،إّنّها هزيمتها على الصعيد المعلوماتي. فقد كانت جهود أركان الجيش الإسرائيلي لتأمين المعلومات لمصلحته والتعتيم عليها ما أمكن، دون جدوى، بل أتت، رغم ذلك، بنتائج عكسيّة.

وباختصار، فإن الهجوم على قطاع غزّة الفلسطيني، ليس سوى الفصل الدموي الأخير للاستراتيجية الرعناء والخرقاء للإدارة الأمريكية وللإسرائيليين. استراتيجية لا تقود إلّا إلى الفشل المدوّي في كافة أرجاء العالم العربي، سواء منه من لايزال في حالة ثورة أو من لم تصله رياح الثورة بعد. وهو ما لا يسهم إلّا في مزيد تشويه سمعتهما لدى الشعوب العطشى إلى السلام والعدالة، والمرهقة جدّا من الحروب والمعاناة التي لحقت بالفلسطينيين الذين لا يطالبون إلّا بحقوقهم المشروعة غير القابلة للضياع بالتقادم.



LA NOUVELLE REPUBLIQUE

تونس في 25/11/2012





 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter