|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  3 /4 / 2015                                 فرات المحسن                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

حلف عسكري عربي لخنق تطلعات الشعوب

فرات المحسن

تتعرض المنطقة العربية لمخاطر جمة ليس اقلها وجود ظاهرة الإرهاب المتفشي في مفاصل جميع بلدانها، وعلى مستويات إدارات ومؤسسات وقادة،كذلك نظم تعليم ومعارف وثقافات وصولا لعلاقات اجتماعية. ويبذل الحكام ومؤسساتهم الكثير من الجهود ويسفحون الأموال الطائلة في عمليات ممنهجة لوضع شعوبهم في حالة غيبوبة، وإجبارها على البقاء في مستنقع الفقر الثقافي والمعرفي، الذي يعالج مظاهر الحياة وحراكها سطحيا وضمن استحكامات مفروضة، لا تتواصل مع حقائق ومستجدات الأوضاع بواقعية بقدر ما تذهب بعيدا عن مستجدات الحقائق العلمية ومظاهرها اليومية، وتتبلور بتوصيفات متطرفة صبيانية متطيرة أو محافظة غارقة برجعيتها، وهذا يجعلها الذهاب لتبرير الأوضاع القائمة باللجوء للغيبيات، وهذا يمنع المساس بجوهر وطبيعة السلطة الحاكمة، أي سلطة ولي الأمر الذي يحرم الدين خروج الأفراد عليه.

في جميع الأحوال لا يمكن أدراج سلطة عربية بعينها مهما كانت طبيعتها السياسية اليوم، في خانة الحكومات التقدمية الديمقراطية، حتى وأن أجريت في بلدانها انتخابات. فالجميع دون استثناء يندرج تحت مسمى السلطات الرجعية أو الحكومات الشمولية أو في أبسط التوصيفات يمكن وسمها بالمحافظة والتقليدية. وبمختلف المستويات فجميعها قامعة لشعوبها بشكل أو أخر، وفي الوقت نفسه خائفة منها، وتمارس عملها بعيدة كل البعد عن روح العصر وحضارته التي من صلبها الديمقراطية.

يبدو أن إرهاب الإخوان المسلمون ثم القاعدة ومن بعدها الوليد الجديد والوريث الشرعي لهما (داعش ) وتهديدها لنظم الحكم العربية القائمة (بعد انقلابها على رعاتها) أثار الفزع بين تلك السلطات، مثلما تثير فزعها التغيرات الحاصلة لصالح الديمقراطية والحراك المدني والحداثة في العالم، والتي باتت مستحقاتها تقترب وتتداخل بشدة في مجالات حياة شعوب الشرق، وأصبحت الشعوب تشعر بأن لا مناص من تغيير طابع الحياة الكهنوتية التي تفرض عليها.أيضا ظهر بشكل حاد عامل التهديد المذهبي المتصاعد المتمثل بمشروع إيران التوسعي وارتباطاته الإقليمية .

إن استشعار الخطر المندفع من كل الجهات جعل تلك الحكومات تبحث عن صيغ تكفل أبعاد شبح التهديدات الكثيرة، والتي أضحت بروابطها وحركاتها وأعلامها تضرب أطنابها في صميم ورحم دواخل الشعوب ومؤسساتها السياسية والاجتماعية، وتخلق تأثيرات وارتجاجات غير هينة بين أوساط الناس، وبالذات الشباب منهم، وهم عصب التغيير ودعاته اليوم.وأمسى ذلك تهديدا جديا يقترب شيء فشيء من عصب السلطة، لذا لم تجد تلك السلطات الحاكمة غير سلوك التآمر والقوة والقمع للحفاظ على تركيبتها ومكاسبها، فدون ذلك فهي تستشعر بأن حياتها السياسية باتت معلقة بخيط واه لا يمكن أن يصمد أمام المخاطر الخارجية والداخلية المتصاعدة والمتسارعه بتأثيراتها.

من كل هذا، استدعت نوازع التطير والخوف من الحكومة السعودية، التحريض والطلب من وليدتها الحكومة المصرية بقيادة المشير السيسي لطرح مشروع الحلف العسكري العربي، الذي تلقفه البعض كمشروع للإنقاذ ومتراس للصد، يمكن له أن يكون حلا مناسبا للسيطرة على طفح بعض التمرد والانفلات الشعبي، ولمنع أي تغيير ديمقراطي وحضاري يهدد مستقبل الحكومات الرجعية في عقر ديارها. وأخيرا طرح المشروع من قبل الأمين العام للجامعة العربية، في مؤتمر القمة العربية الذي عقد في شرم الشيخ، وباحتفاء ومباركة جميع الحكام العرب، الذين تلقفوه وكأنه مشروع الخلاص من الخوف القابع في الجوار والداخل.

ولكن يبدو أن السعودية وهي صاحبة الفكرة الرئيسية لهذا المشروع، كانت قد استبقت الآمر، وبما تملكه من قوة مالية وسياسية، لطرح المشروع عمليا وتطبيقه على الأرض، بإشراك ما يمكن إشراكه من تلك الحكومات العربية، لتكون هي نواة وقائدة هذا الحلف العسكري القادم، ولذا دفعت من أأتلف معها في اختبار قوة عبر خوض الحرب في جمهورية اليمن، وحشدت له قوة عسكرية ذاتية كبيرة لم تكن تجازف السعودية لإشراكها في حروب دائما ما كانت قريبة منها جغرافيا وسياسيا ، لا بل كانت تمس عصب السيادة الوطنية السعودية، ومثلت في بعضها تهديد حقيقي لمصالح الدولة وجغرافيتها. فلم تفكر السعودية في يوما ما بدفع مثل هذا الجيش العرمرم والسلاح المتطور لتحرير مثلا الجزر السعودية التي سلبتها منها إسرائيل ومازالت، والمشرفة على المدخل الشمالي للبحر الأحمر وتمثل عصب الملاحة في المنطقة، بل نجدها صامته ونسيت أن لها أرض مسلوبة.

ولكننا نجد إن كل ذلك الحشد المؤلف من 150 ألف عسكري سعودي ومئات الطائرات وبشراكة التوابع، يأتي لإزالة التهديد المتمثل بالحوثيين الزيدية. وهؤلاء يمثلون أحد التهديدات التي باتت السعودية تتخوف من أن يصل سعيرها لعقر دار المملكة. والمملكة السعودية دائما ما كانت تجد في اليمن وشعبه ما يهدد حياة ملوكها. وعملت بمثابرة ودون حدود لتكون هناك قوى تلجم حركته الناهضة وتحد من تطلعاته نحو التحرر والديمقراطية. أيضا فان الزيديين اليمنيين الشيعة بعد انقلابهم، مابرحوا اليوم يمثلون خطرا عقائديا مدججا بالسلاح، وهم أشد باسا من باقي الخصوم، ولا يمكن غض النظر عنه، ومن الواجب استباق الأمر وكبح جماحهم قبل أن يستشري وباءهم ويصبح تهديدا خطيرا، ليس فقط للسلطة الحاكمة في السعودية ولمجلس التعاون الخليجي، بقدر ما يمتد خارج شبه الجزيرة العربية ليغزوا جميع البلدان العربية، ويكون ذلك عبر ارتباطاتهم بمشروع التوسع المذهبي الإيراني ونصرا له .
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter