|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة   3  /  11  / 2023                                 فرات المحسن                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



أرواح للشجر..
(الأخير)

فرات المحسن
(موقع الناس)

لا رغبة عندي لمشاهدة التلفزيون، وكان النعاس قد بعد كلياً عن عيوني وشعرت أن السرير غير مريح على الإطلاق. أدرت جسدي نحو الجانب الآخر، وطالعت الجدار الموشّى باللون الزهري وثمة خطوط لظلال ورود صفراء صغيرة تطرزه طولاً وعرضاً. كانت هناك جوار الحائط سندانة زرع صغيرة وُضعت فوق منضدة تهدّل منها بإهمال الغطاء الحريري. وسط السندانة غرس عود دقيق تتسلقه أوراق شجرة شبيهة بأوراق السرخس الأسفنجية، وظهرت من بين ثنيّات الأغصان بضع ورود بيض فاتنة.

تلك السندانة أتى بها رياض في اليوم الأول من دخولي دار رعاية العجزة، وقد شكرته على هديته، وتلك كانت مقدمة لتعارفنا الذي بات مجلبة لرضاي وبقائي صامدة في مثل هذه العزلة المضجرة والموحشة. لم أكن لأرغب البقاء وحدي، ولم أعتد ذلك منذ زواجي من أولف. وكنت لا أمقت في الدنيا شيئاً بقدر كرهي لساعات يقضيها أولف بعيداً عنّي.

في تلك الأمسيات الشتوية الطويلة، حين يهطل الثلج ثقيلاً في الخارج، كنت أجلس قرب المدفأة بانتظار أولف، فقد اعتاد أن يهاتفني ليخبرني أنه مضطر للبقاء في عمله إلى وقت متأخر. ولكن لم يكن ذلك الهاتف ليطمئنني عليه، فأنا كنت أحمل هواجس غريبة ومتعبة، وثمة إحساس بالخوف يراودني كلما أخبرني أولف بتأخره في المجيء. أشعر بالخوف يسربل روحي وأنا أستمع لصوت الريح وأشجار الصنوبر السامقة تهتز تحت ضربات الريح العاتية، وتتهدل أغصانها جرّاء ثقل الثلوج المتساقطة بكثافة. كنت أظل طوال الوقت ساهمة متوترة الأعصاب لحين قدوم أولف. أسمع صوت محرك سيارته وهو يدخلها المرآب، ثم طرق حذائه حين ينفضه عند الباب الخارجي. هذا الأمر كان يتكرر بشكل متعب وقاسٍ، خاصة أيام العواصف الثلجية. كنت أفسر الأمر وأسميه عصاب الخوف من المجهول، وحين أخبر أولف بذلك يروح ضاحكاً ويضمني إليه.

ـ حبيبتي ما زلت تنتظرين...
ثم قبلة وكالعادة وردة براقة، كان يطلق عليها دائماً وردة الصفح والغفران، أي أن عليَّ أن أغفر له فعلته وتأخره كل هذا الوقت. ولكني كنت أحس بأن تلك الورود، وفي كل مرة، مبعث لشعور دافق بالحب وإبعاد ما يتلبّسني من مشاعر خوف وقلق.
شعرت بثقل الوقت وهو يسير ببطء مرير وممل. سحبت رسالة مصلحة الضرائب مرة أخرى ورحت أجول بنظري بين سطورها دون أن اقرأ جملة كاملة منها، فأنا حفظت محتوياتها عن ظهر قلب، وهي معي تشاطرني مضجعي منذ ذلك اليوم المشؤوم. أستطيع أن أعدّ كلماتها الجافة الخشنة الباعثة على الأسى والفزع. كيف يتسنى لهم فعل ذلك. مضى الكثير من الأشهر وهم يماطلون في اتخاذ القرار، أي برلمان يفعل مثل هذا. يا ترى ما دوافعهم من هذا الأمر، رغم الوعود التي يطلقونها عن قرب اتخاذ القرار. فحتى الآن، وحسب ما أخبرتني به السيدة سوزان ماساك، هناك أكثر من مائة من الجثامين محشورة في الثلاجات منذ أكثر من خمسة أشهر، تنتظر موافقة الدولة على مشروع الدفن الجديد. وقبل هؤلاء أصابت الخيبة الكثيرين من أهالي الموتى الذين ذهبت جثثهم بعد حين طعماً للديدان. كل تلك الجثث في الثلاجات المنتشرة في أماكن مختلفة من السويد، ومعها أحبتهم من العوائل المسكينة، تنتظر القرار دون جدوى. والأدهى من ذلك أن حفظ تلك الجثث في الثلاجات لا يتم مجاناً بل مقابل ثمن، خمسون كرونا لليلة الواحدة. وإن لم يتوفر لأهل الميت مبرر مقنع لبقاء الجثة في الثلاجة، فمصلحة الضرائب سوف تجبر أهله على دفنه بعد مضي ستة أشهر في أقصى احتمال، أو تأخذ مصلحة الضرائب على عاتقها أمر الدفن، وتحميل أهل الميت مصاريف ذلك. ولكني لم أدع الموضوع يمرّ دون البحث عمن ينقذ جسد حبيبي. ففي حالات استثنائية يمكن تمديد مدة بقاء الجسد لفترة أطول، ربما تتعدى حدود الأربعة أشهر أخرى. لقد قدمت طلباً بذلك، وعرضت فيه مبررات كثيرة لأجل الحصول على التمديد. عرضت عليهم ضرورة تلبية رغباتنا أنا وزوجي، وهي تمثل أهمية قصوى له ولي شخصياً. أخبرتهم بأننا دفعنا بدل الاشتراك كاملاً، ولكلينا ونحن سوية ننتظر أن ندفن على طريقة الدفن البيئي، وأن حبيبي أولف باتت روحه ترفرف الآن عند شجرة التفاح التي اختارها، تلك الشجرة التي حددها واختارها بعناية وكان وفي كل مرة نمّر من أمامها يحيّيها مبتسماً، ويطالعها بشغف ومحبّة وقد أخبرني بأنه يشعر بأن كيانه وروحه امتزجا مع نسغ تلك الشجرة. كنت أحسده على ولعه ومحبته لهذه الشجرة، لأني وبالعكس منه لم أنتقِ شجرة بعينها، بل حددت في ورقة الطلب، أن يكون جسدي جزءًا من شجرة ورد دون تعيين، واكتفيت بذلك. أمنيتي أن تمتزج روحي وبقايا جسدي وتنمو في برعم ينتظر الربيع ليفجّر طاقته، ثم تندفع روحي منسابة هادئة تنفرج عنها زهرة شذا عطرها يفوح في المكان.

أذكر ذلك جيداً الآن، وروحي تتمزق ألماً لفقد حبيبي. كانت لحظات غضب لم يدعها أولف تسيطر عليَّ أو تعكر صفو تلك الأمسية. فحين دفع الجريدة نحوي، تلك التي أردت أن آخذها وأرميها بعيداً، والتي اعتقدت وقتها أن أولف يتجاسر ليعرض عليَّ مقال السيدة ليندا أليكسون، ضحك أولف وضمّني إلى صدره وهدّأ من روعي، عارضاً ما يريد أن يطلعني عليه.

كان التقرير الذي حوته الجريدة يحتل صفحة كاملة. جلسنا وتناولنا عصير الفواكه، وناقشنا بحرارة تقرير السيدة سوزان ماساك أخصائية أبحاث البيئة، والتي تنشر مواضيعها الصحية والعلمية في جريدة الداكنز نهيتر أيضاً. كان أولف وهو يناقش أمر الطريقة الجديدة بالدفن، يشعر بغبطة فائقة وفرح يغمر روحه، وراح يصور الموضوع وكأنه اكتشاف لعملية إنقاذ تاريخية من معضلة كانت تؤرق البشرية. فجأة، وبنشوة غامرة قال أولف: لم يعجبني طيلة حياتي غير منظر شجرة التفاح حين تتفتح زهورها بذلك اللون الزهري الخلاب، كنت أجلس تحتها أفكر بتفاؤل وأنا أشاهد الزهور وهي تتساقط فوقي ومن حولي، أعتقد أن أمنيتي سوف تتحقق بعد ما عرضته السيدة ماساك، أريد أن أكون جزءًا من شجرة تفاح مثمرة فوافقته على فكرته.

كان تقرير السيدة سوزان ماساك في الجريدة، والذي قمنا أنا وأولف إثره بطلب لائحة الشروط وملء أوراق الطلب والحصول على الموافقات، وإتمام عملية دفع مبلغ التأمين الأولي وباقي الإجراءات، كان يتحدث عن عملية دفن حديثة للجسد، سمّته السيدة سوزان بالدفن البيئي. وقد شرحت بالكامل العملية والكيفية التي يتم فيها تحلل الجسد وما هي المكونات التي سوف تستقبلها تربة الأشجار، وتمتزج عناصره العضوية بعد تحللها بالنسغ، ومع مرور الوقت تكون جزء لا يتجزأ من جسد الشجرة وروحها. وقد قـُدمّ المقترح إلى البرلمان للموافقة عليه.

عملية الدفن البيئي تختلف كلياً في الكثير من الإجراءات عن عمليات الدفن العادي أو الحرق التي يذهب الجسد بعدها ليكون إما طعاماً للديدان، أو رماداً يوضع في قنينة تركن مهملة في إحدى زوايا البيت، إن لم تركن في قبو المهملات، ومع مرور الوقت تُهمل وتُنسى ويعلوها التراب، أو بعد أن يوضع اسم الميت فيها، ترمى القنينة في أقرب بحيرة أو بحر، أو حتى جدول ماء. السيدة سوزان شرحت العملية بالكامل. فهي ومجموعة أخصّائيّين توصلوا إلى طريقة بيئية للتعامل مع الجسد بعد الوفاة، ليكون الناتج بعد تحلله مجموعة عناصر كيميائية بخواص ومواصفات محددة. الطريقة تعتمد على العناصر الكيميائية في الجسد وفيزياء الحركة وغاز النيتروجين. يوضع الجسد داخل صندوق خشبي ثم يدخل في صندوق صنع من معادن فائقة المقاومة حيث يحاط التابوت بوسط كثيف من غاز النيتروجين وتحت درجة حرارة تبلغ 196 تحت الصفر بالتحديد، ليتم تجميد الجسد، وتكون هذه الدرجة ذات تأثيرات تحدثها تفاعلات الفلزات التي يحتويها الجسد، بعد هذا يتم رجّ الجسد داخل التابوت بقوة وسرعة تقارب سرعة الصوت، عندها تتم عملية تفتت الجسد ليصبح على شكل مسحوق ناعم لمّاع رطب، يخلط بنترات الرصاص وبعض الزئبق، بعدها يمكن تطويع المادة الناتجة إلى ما يشبه سائلاً ثقيلاً بعض الشيء، تحقن به جذور الأشجار وتوضع بقية منه بين الشقوق واللحاء والتربة المحيطة بالشجرة، ليكون تأثيره فعالاً في ارتفاع خصوبة التربة وزيادة في طبيعة نمو النبتة وليختلط جسد الشخص بروحها.

تلك الليلة سهرنا أنا وأولف حتى ساعة متأخرة من الليل، ناقشنا ما طرحته السيدة ماساك في جريدة الداكنز نهيتر بسعادة وغبطة. حاولنا أن نكون عمليّين. كان أولف عند الشهر الأول من العام الثالث لتقاعده عن العمل، وكنت قد لحقته بسنة واحدة حين أكملت الخدمة وطلبت الإحالة على التقاعد. لقد جهد أولف أن يعمل قدر المستطاع وبشكل كفوء وبنكران ذات لأجل صيانة سمعته كطبيب، وبروح شفّافة وواعية من أجل مرضاه. لقد كانت مشاريعه دائماً طموحة مثلما يطرح في بحوثه. عمل أكثر سني وظيفته في مستشفى مدينة يونشوبينغ، ولكنه في نفس الوقت كان كثير السفر ليشارك في المؤتمرات العلمية أو إلقاء المحاضرات ومناقشة بحوث في مختلف دول العالم. في جميع تلك السفرات كنت أجد نفسي، وفي كل مرة، أقترب كثيراً شيئاً فشيئاً من أولف، فكانت سعادتي برفقته لا توصف وكان طيلة الوقت يغمرني بالمحبة ودفء العواطف، ويقدّمني لزملائه وأصدقائه وحتى لتلامذته بكلمات وإيحاءات فخر وتشجيع لا يمكنها أن تغيب عن بالي، أو أفقدها بقدر ما يعني ذكرها نوعاً من السلوى التي تنعش حواسّي، وتثلج قلبي الذي أشعر به، وبعد أن هرب الوقت منا، قد كلّ وتعب وباتت الآلام والوحدة المضنية تثقل عليه، فأصبح هذا القلب يضيق بكل شيء مع اختفاء أولف الحبيب من أمام ناظري. لقد عشت أجمل سني حياتي مع أولف، أو إني لم أعش قطّ دون أولف. لست نادمة على أي شيء في حياتي معه، لقد شبعت من الحياة نفسها، لأني عشتها بين أحضان أولف، وهو لم يعد جواري الآن، أريد أن أذهب إليه فلم يعد لجسدي قيمة بعده، ولا يوجد ما أحتفظ به غير ذكرياتي معه.

أتذكر ذلك اليوم جيداً. كان يوماً خريفياً غائماً وأوراق الشجر غطت الشارع الواقع جوار مركز المحافظة. اليوم السابع والعشرون من أيلول عام 1945 كنا سبعة عشر شخصا نرفع لافتتنا الحمراء، ونقف أمام مركز المحافظة استنكاراً لجريمة الولايات المتحدة الأمريكية المتمثلة بإلقاء قنبلتيها النوويتين على اليابان. لفت انتباهي شابّ بشعر ذهبي يرتدي قميصاً شذري اللون تحت بلوزة بنفسجية خفيفة بأزرار مزدوجة. دخل وسط جوقنا وراح يردد معنا الأناشيد الثورية. سحب صورة صغيرة من تحت بلوزته وعلّقها فوق صدره. لفـّني فضول لمعرفة صاحب الصورة دون أن يستحوذ الشابّ على اهتمامي الكامل بادئ الأمر. نهاية تظاهرة الاستنكار اقتربت منه لأسأله عن صاحب الصورة فزاد جوابه من جهلي وحيرتي حين سماه لي: تروتسكي، ولكن من هو تروتسكي هذا، هكذا قلت.

كانت تلك بداية تعارفنا، ومن بعدها استمرّت لقاءاتنا. لقد كنت في سنّ المراهقة، لم أكمل بعد السابعة عشرة، وكان هو يكبرني بثلاثة أعوام. تزوجنا بعد أربعة أعوام من لقائنا الأول ولم ننجب أطفالاً. فبقينا دائماً وحيدين نعيش لبعضنا البعض، يحبني مثلما أحبه، لم أجد يوماً ما مايدفعني للندم على شيء عشته مع أولف.

كانت آخر وصية تركها لي حين لفني بين ذراعيه قائلاً: لا تدعيهم يحرقون جسدي أو يطمرونه تحت الأرض. أريد أن أدفن وفق طريقة الدفن البيئي الجديدة. لقد دفعنا التأمينات ونحن نقف في الدور ولا أريدك أن تسبقيني، فإما أنا قبلك أو نكون سوّية.

أشعر بالذنب وهذا يؤرقني بشكل لا يطاق. فقد ذهب وربما كان يتملكه الغضب مني، لأني تركته وحيداً مسجّى في عربة الإسعاف. وجهه المنقبض لا يفارق مخيلتي، وتلك العينان الزرقاوان تطالعانني، بل كانتا تودعانني فأشعر برعدة في جسدي. تخشّب لساني وقدماي تيبستا. ما كان ينبغي أن أتركه، ولكن حالي المشوشة وارتعاش جسدي ووهنه، كل ذلك جعلهم يمنعونني من مرافقته. لا يهم فأنا أتبعه حتى الآن، وسوف ينتظرني كالعادة. أعرف أنه لا يطيق العيش دوني. سوف ينتظرني ونكون سوية مثل عبق الورود في صيف بليل. ينتظرني بوردة الصفح والغفران. وسوف أضعها في آنية وأسقيها كي لا تذبل. ما زلت مقتنعة بأنه كان على صواب حين اختار لنا طريقة الدفن البيئي، فهي العملية الوحيدة التي تمكننا من الالتقاء معاً وإبعاد الخوف عن روحينا. إنه يقبع الآن مجمداً في ثلاّجة جافة موحشة، ولكني أظن أن روحه تتطلع للقائي. لا تستوحش البرد فأنا قريبة منك، ولن أدعهم يفعلون بك ما يريدونه.

عليَ أن لا أدع الأمر يفلت من يدي، فالرد الذي أترقبه ربّما أصل به مع مصلحة الضرائب إلى نتيجة تضمن الحفاظ على جسد حبيبي أولف، لحين موافقة البرلمان على مقترح الدفن البيئي، عندها يتحقق حلمنا لتنمو روحانا مرّة أخرى في الطبيعة ونبعد عن جسدينا دود الأرض. وإن أصرت مصلحة الضرائب والدوائر الأخرى، على دفن جسد حبيبي وفق ما يريدونه، فسوف أقوم بنقل الجسد إلى بلد آخر يقبل أن يحتفظ به لحين حصول موافقة البرلمان على مشروع الدفن البيئي. أجد أن ذلك مخرجاً جيدا بالرغم من أنه يتطلب جهداً ومالاً.. المال لا يعني شيئاً، ولكن من يتكفل بأعمال النقل، ذلك الشيء الذي يتطلب الكثير من المعاملات الخاصة، وأيضاً ربّما تعترضه الكثير من المعوقات.. ليس لي بعد الآن غير صديقي رياض، فهو شابّ خدوم قوي الجسد والعزيمة. ولكن أتراه يوافق على مثل هذه المهمة. سوف أعجّل بالأمر وأطلب منه ذلك في الصباح الباكر.

*****
نقر طير دقيق المنقار فوق حاشية النافذة الخشبية محاولاً الوصول إلى حشرة اختبأت بين طيّاتها، كان يحاول التشبث بطرف النافذة الأملس. جناحاه الصغيران يرّفان بعجالة مرتبكة. يدسّ منقاره في الشق الرفيع ومخالبه تتشبث للإمساك بحافة النافذة، وبعناد ومثابرة كان منقاره في دأب يغوص ثم يغوص في البحث. كانت الشمس الكسيرة تشق بضوئها الشاحب سحابات رمادية جللت السماء. كان الجو مكفهراً ذلك الصباح. ثمة أوراق شجر صفراء تذروها ريح الخريف قرب النافذة، ترتفع ثم تهبط نحو الأرض متأرجحة مثل فراشات، أو تندفع لتصل حافّة البحيرة. كان رنين جهاز التنبيه يبعث صوته المكتوم بتكرار رتيب يتساوق مع دقات منقار الطائر المتسارعة. التاسعة صباحاً ثمة بعض الأصوات تصدر عن المصعد المجاور لباب الغرفة، وعاد الطرق ليتكرر فوق الباب ولكن وسط الغرفة لم تكن هناك من حركة توحي بالحياة. كانت السيدة أولف متيبّسة الجسد تطالع السقف بعينين زجاجيتين مفتوحتين على سعتهما، حين دخل رياض وسحب الملاءة البيضاء وغطى كامل جسدها الضامر.



 

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter