|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  26 /  3 / 2016                                 فرات المحسن                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

هل يكون مصير بشار الأسد كمصير حفظ الله أمين ؟

فرات المحسن
(موقع الناس)

في عموم المعضلات السياسية والعلاقات الدولية دائما ما يعاد القول بأن لا صداقات دائمة في السياسة وإنما مصالح وهذا هو الصحيح. وهنا يطرح التساؤل عن شكل ونمط تلك المصالح ومآلها، وهو سؤال حيوي وكبير.

كان ومازال السياسي العربي في اغلب الأوقات وفي المفاصل التاريخية من حياته، يتغافل عن تلك الحكمة، ويفضل استدرار العواطف ووضعها كأحد شروط اللعبة السياسية، ومثل هذا الفعل غالبا ما كان مشهدا كوميديا في العلاقات الدولية حين يمارسها السياسي العربي،وبمقدار ما يكون كارثي فأنه يبعث على الأسى والتأسي على طبيعة الأداء المتهافت والبائس وغير الواعي في السياسة العربية.

فاجأ الانسحاب الروسي من الأراضي السورية كثير من المتابعين وبالذات أصحاب الشأن العربي فراحوا في موجة من التحليلات والاستنتاجات في محاولة للوصول إلى حقيقة وطبيعة القرار الروسي، وفي ذات الوقت متناسين خلفيات وأجندات قرار المشاركة الروسية في تلك الأزمة التي سوف يعبر عمرها حاجز الخمس سنوات.

تسجل وقائع العلاقة الروسية السعودية مؤشرا مهما في مجريات الحرب في المنطقة، فالمباحثات لم تكن لتقتصر فالبحث في وقائع المعارك على الأراضي السورية، وإنما في عموم المنطقة وخاصة العربية منها. فتكرار الزيارات الدبلوماسية السعودية للعاصمة موسكو ومثلها الروسية للعاصمة الرياض إن كانت في العلن أم في السر، فمفرداتها تتشعب لتتقدمها العلاقة الاقتصادية فوق الاعتبارات الأخرى، ودائما ما سجلت وقائع تلك الجلسات سخاء في شراكة اقتصادية لجمت أو حيدت الجموح الروسي وروضته بكميات هائلة من الاستثمارات والمعونات والمشتريات التي تصب في صالح إنعاش الاقتصاد الروسي.

كل ذلك ظهر جليا في الموقف الصامت للروس من الأزمة والحرب التي قادها تحالف غربي سعودي قطري للإطاحة بالعقيد القذافي، وفي نهايتها وزعت حصص البترول الليبي بين الحلفاء ولم ينل الروس غير حفنة من المساعدات القطرية السعودية ورضي بالصمت. وعلى ذات المنوال باع الروس صمتهم إلى الحليف السعودي وبلعوا لسانهم بالكامل بعيدا عن جرائم القتل اليومي وتهديم البنى التحتية التي تقترفها السعودية وحلفائها بحق الشعب اليمني الفقير والبطل.

المحادثات بين الجانب الأمريكي والروسي حول سوريا، تسيطر عليها بشكل ناجز، نزعة المنافسة والتشنجات وغالبا ما تخلو من أي وعود بتقديم تنازلات، يكون فيها الرابح قويا مسيطرا لا بل صاحب للقرار أو محرك للوقائع على الأرض. وكان خوف الولايات المتحدة الأمريكية من التورط المباشر في الحرب داخل سوريا قد دفعها بعيدا ليقتصر فعلها على مناوشات بالطائرات ومناورات بالدبلوماسية. ولذا خرجت روسيا في المنازلة رابحة بجميع القياسات السياسية والدبلوماسية والعسكرية.

ولكن اللاعب السعودي أستطاع بقوة المال إن يعيد تركيبة الأحداث بعد أن غيرتها المشاركة الروسية الواسعة في المعارك على الأرض وفي السماء، والتي جعلت الجانب الحكومي السوري ينجح في استعادة الكثير من الأراضي التي كان قد فقدها لصالح المعارضة وأيضا لصالح قوى الإرهاب.

المال السعودي في مواجهة الطمع الروسي استطاع أن يضع خطة طريق يعتقد بان نجاحها يضمن بالكامل الإطاحة ببشار الأسد، ومن ثم التمهيد لوصول المعارضة إلى سدة الحكم ، وبالذات منها التي أأتلفت في مؤتمر الرياض. البند الأول من خطة الطريق هو وضع الضوابط الكفيلة بجعل التوازنات على الأرض، إما أن تكون متساوية بين الطرفين، المعارضة وسلطة بشار أو ترجيح كفة المعارضة فيها. لم يكن الجانب الروسي أو بالأحرى اللاعب الروسي حريصا جدا على كفة من تكون الراجحة، بقدر حرصه على أن لا تقترب خطة الطريق السعودية من خطوطه الحمراء المتمثلة بقاعدتيه العسكريتين في طرطوس وحميميم الجوية ويمكنه التخلي بعد التسوية عن باقي القواعد غير ذات النفع مثل حماة وطياس والشعيرات. ومثل هذا الآمر وحسب الاعتقاد السعودي الأمريكي سوف يوفر الأجواء المناسبة لنجاح المفاوضات في جنيف بين الجانبين المعارض وسلطة بشار، ويفتح الكثير من النوافذ المؤدية إلى تسوية يمكنها إنقاذ المشروع السعودي الأمريكي بإيصال المشهد السياسي إلى مرحلة تشكيل حكومة ما يسمى بالإنقاذ الوطني.

ولكن أمام خطة الطريق السعودية هذه هناك الكثير من المتاريس التي تعترضها بقوة ويمكن لها إن تبطل مفعولها أو تحدث تغييرا فعالا في طبيعة المشهد الذي ترغب السعودية وأمريكا تركيبه فوق الأراضي السورية. أولى تلك المصدات يتمثل في الوجود الكثيف لقوى إرهاب تمسك مدن ومساحات كبيرة من الأرض السورية وتقاتل بضراوة لبناء دولة حسب خيارها العقائدي. ومع هذا يمكن لواضع الخطة السعودي ومن خلال علاقاته التعامل بإيجابية ولجم بعض تلك القوى ولكن ليس أغلبها.أيضا هناك الأكراد الذين أعلنوا أدارتهم الذاتية لمناطق تواجدهم وهي مساحات ليست بالقليلة.ولاعب أساسي أخر هو الطرف الإيراني ومجاميعه القتالية وحزب الله، وجميع هؤلاء ليس لوجودهم تأثير في ساحات المعارك فقط وإنما لهم صوتهم الفاعل والمؤثر في القرار السياسي وهيكلة الدولة السورية إن أريد أعادة تركيبها. وهناك وهذا هو المهم في المعادلة، الجانب الحكومي المتمثل بسلطة الرئيس بشار الأسد وممانعته منذ بداية الأزمة ولحد الآن، في عدم التفكير بالرحيل وإنما التمسك بالرئاسة والتعامل مع المعارضة بقوة النار والحديد.

فيما يخص الرئيس بشار الأسد فأن مصيره يتعلق بقرار الجانب الروسي وهذا المصير مؤجل إلى حين ويعتمد على مقدار التزمت والمساومة الروسية. ولكن انسحاب الجيش والطائرات الروسية من معركة سوريا يشي باقتناع الروس وبالذات الرئيس بوتن بأن ليس بالضرورة التمسك ببشار ووضع شرط بقاءه في السلطة ضمن المساعي لنجاح خطة الطريق السعودية التي وافق عليها. فقد سبق أن صرح الرئيس بوتن وبدلالة واضحة بأن وضع بشار الأسد لن يكون أصعب من أدورد سنودن عميل الاستخبارات الأمريكية الذي لجئ إلى موسكو وأحدث مشكلة دبلوماسية بين البلدين أحتاج الجانب الروسي إلى وقت ليس بالقصير لحلها وقبول بقائه في روسيا. كان هذا التصريح تلميحا مباشرا من الرئيس الروسي بإمكانية التخلي عن فكرة بقاء بشار الأسد في دست الحكم لو نجحت محادثات جنيف. ولكن ما الذي يضمن قبول بشار لهذه الخطة. فهو وأركان حكومته يرفعون راية التعنت التام والممانعة في طرح مسألة تنحي بشار على طاولة المفاوضات ويذهبون في وضع خطة لإجراء انتخابات رئاسية في هذا العام .وهذا الموقف يظهر طبيعة الخلط بين العاطفة والدبلوماسية السياسية التي يفضلها الحكام العرب ولا يجيدون ممارسة سواها. فهم يتمسكون بمقاعدهم حتى قيام ساعتهم ولا تعنيهم أوضاع شعبهم. والسؤال المطروح: في حالة تعنت الرئيس بشار، ما هو موقف الجانب الروسي الذي قبل تراتيبية خارطة الطريق السعودية بعد الإغراءات التي قدمت له، وواحدة من أولى التراتيبيات هي وجوب أخراج بشار الأسد من اللعبة .

في مثل هذه الحالة ليس هناك أمام الرئيس بوتن وقادته غير تطبيق خطة التخلص من الرئيس بشار الأسد على شاكلة ما تم في أفغانستان في 27 ديسمبر 1979 حين تم خلع الرئيس الأفغاني حفيظ الله أمين بالقوة. ففي ذلك اليوم حاصرت قوة من عملاء الكي جي بي مرتدين الزي الأفغاني قصر الرئيس . استمرت المعركة بين الحرس الرئاسي والقوات المهاجمة مدة 45 دقيقة قتل فيها العديد من الحرس الرئاسي. وفي اليوم التالي وبعد التخلص من الرئيس أعلن تحرير أفغانستان من سلطة حفيظ الله أمين. حول تلك العملية قال السوفيت بأنهم كانوا يطبقون معاهدة الصداقة والتعاون التي وقعت بين البلدين في عام 78 .حينها أعتقد السوفيت بأن الإطاحة بالرئيس حفيظ الله سوف ينهي الصراع الداخلي، ولكن معادلة الدولة الأفغانية وبناء السلطة كانت لها حسابات أخرى وتطور المشهد وتشعب لمشاهد مرعبة لازالت تتمثل في ارتدادات خارجة عن سياقات المنطق. فهل ياترى وضعت السعودية أمام الروس مثل هذا الخيار وطلبت من الرئيس الروسي بوتن أن يأخذ على عاتقه مسؤولية الحل المباشر حال ممانعة بشار الأسد ويعد خطة تقتلع بشار عن كرسي السلطة مثلما فعلها سلفه بريجنيف مع حفيظ الله أمين .


 





 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter