|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  22 /  3 / 2016                                 فرات المحسن                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

لجنة للتعرف على مطالب الجماهير أم لتسويفها ؟!

فرات المحسن
(موقع الناس)

لم يهدأ غضب الشارع العراقي منذ يوم الاحتلال الأمريكي في مارس عام 2003 ولحد اليوم. فكانت هناك موجات متتالية من احتجاج واعتصام جماهيري لأسباب عديدة جلها يتعلق بسوء أدارة السلطة من قبل الحكام الجدد.ولكن تاريخ 25 / 2 / 2011 كان مفترق طرق بالنسبة للجماهير وكان أيضا يوما لانبثاق وعي جديد لطبيعة الحراك الجماهيري وأساليب نضاله ووضوح مطالبه. ففي ذلك اليوم رفعت الجماهير شعاراتها تطالب بإصلاح شامل للنظام السياسي وأول تلك المطالب، نبذ أسلوب المحاصصة الذي أفضى إلى تقاسم جائر لسلطة إدارة الدولة والمال العام، كذلك المطالبة بتحسين المستوى المعيشي للشعب وإيجاد فرص عمل للعاطلين والقضاء على الفساد وتقديم الخدمات وترميم خراب البنى التحتية.

في ذلك اليوم عمت التظاهرات أغلب محافظات العراق باستثناء كردستان، وقد جوبهت بالقمع الشديد من قبل سلطة رئيس الوزراء السابق رئيس حزب الدعوة الإسلامي نوري المالكي، وقتل على يد القوات الأمنية ما يقارب 30 مواطنا في عموم العراق.وكان خطاب السلطة تجاه المتظاهرين خطابا متشنجا لا يقبل حتى النظر في أسباب خروج التظاهرات، وإنما اتهم المالكي في خطاب تلفزيوني المتظاهرين بأنهم بقايا حزب البعث ومعادون للديمقراطية وينتمي بعضهم لتنظيم القاعدة. وجرت العديد من المداهمات لبعض البيوت والأحياء وأعتقل الكثير بتهمة المشاركة بالتظاهرات والتحريض ضد الحكومة.

كانت تلك التظاهرات الشرارة ونقطة انطلاق جديدة ظهرت على شكل تظاهرات منظمة منذ العام 2013 ولحد اليوم ورغم ما تخللها من خروق وتشنجات وبعض الأفعال البعيدة عن روح ومهام النضال الحقيقي ،فأنها اتسمت غالبا بطابعها السلمي ونضوج البعض من قياداتها وقولبة وتقنين شعاراتها لتتبلور بشكل واع وحضاري لمهام محددة، لتحصر في المستحقات الحيوية للجماهير والمتمثلة بإعادة بناء الدولة وفق الأطر العصرية لدولة المواطن بعيدا عن الفساد والمحسوبية وأيضا تقديم الخدمات وإيجاد فرص عمل للعاطلين.ولكن حتى هذه المظاهرات السلمية نجدها قد جوبهت ومنذ البداية بممارسات جائرة للسلطة من قمع منفلت وأحيانا منظم ، ولكنها استمرت بشكل متصاعد عند كل يوم جمعة حيث يخرج الناس ليعلنوا مطالبهم ويسمعوها للسياسيين الذين يقودون السلطة بفروعها الثلاثة .

ورغم ظهور بعض الشعارات المتطرفة والصبيانية والفردية ولكن الشعارات استقرت وتبلورت عند ذات الشعارات التي ظهرت في 25 /2 / 2011 وبات القاصي والداني يعرفها وهي حديث الجميع حتى البعض من القائمين على أدارة مؤسسات الدولة.

مجيء السيد العبادي كان محاولة لتقديم الانطباع للشعب بأن مرحلة جديدة سوف تبدأ معها مرحلة التغيير، التي تستلهم وترفع شعار القضاء على الفساد وتحسين أوضاع الجماهير وكذلك تقديم الخدمات وترميم البنى التحتية. ولكن مع مرور الوقت ظهر أن عملية تبديل الوجوه كان يراد منها امتصاص الغضب الجماهيري وتسويف المطالب. وأثبت العبادي وحزب الدعوة قدرتهم الفائقة على التمويه والمراوغة واللعب بالوعود ومحاولات تخدير الناس مستغلين الدين كشعار ومعولين على مساندة الكتل السياسية التي تشاركهم في تقاسم السلطة ونهب المال العام.أيضا استطاعت الأحزاب السياسية ممارسة أقذر اللعب الشيطانية وصل بالبعض منها القدرة على رفع الكارت الأحمر بوجه المؤسسة الدينية ليجبروها على الصمت والابتعاد عن التدخل بالشأن السياسي ومنعها من توجيه رسائل النصح والمساندة للمتظاهرين.

من كل هذا يبدو إن خيار القوى السياسية الشيعية والسنية والكردية كان خيارا صائبا بالنسبة لها حين اختارت العبادي كشخصية قادرة على التسويف والمماطلة واللعب بالتعابير وتقديم الوعود وفي نفس الوقت نكثها والتخلي عنها.

ومنذ تشكيل الحكومات الأولى لعلاوي والثانية للجعفري والثالثة والرابعة للمالكي والخامسة لحيدر العبادي كان تشكيل اللجان واحدا من أكثر المهام فسادا وتمويها وقذارة وقبحا في فعل السلطة تجاه جميع المشاكل والجرائم والإخفاقات والخيبات ويتوافق ذلك مع فساد مستشري في جميع مفاصل الدولة دون استثناء.

الاجتماع الأخير للرئاسات الثلاثة ورؤساء الكتل وبعض رؤساء الأحزاب السياسية يوم 18ـ 19 /3 / 2016 وكما العادة جاء لتسويف المشاكل وجرها ومن ثم يتم وضعها على رفوف العزل التاريخي والنسيان. شكل المجتمعون لجان عدة، كان أغربها لجنة للاستطلاع ومعرفة مضامين مطالب الجماهير المعتصمة. مع تشكيل هذه اللجنة ظهر بأن الشعب في واد والسياسيين في واد أخر. وكأن سنوات من أصوات بحت وشعارات رفعت وضحايا قدمت قرابين على مذبح مطالب الجماهير، لم يكن كل ذلك ليصل أسماع قادة العملية السياسية على مختلف تلاوينهم ومن بينهم الدينمو الحقيقي الذي يدير الحكومة وهو حزب الدعوة بجميع قادته وعلى رأسهم المالكي والعبادي.

والأدهى في تشكيل هذه اللجنة أن السيد المنتهية صلاحياته محمود المشهداني وبدهائه ومكره الثعلبي، طلب ترشيح السيد الدكتور ضياء الأسدي رئيس كتلة الأحرار البرلمانية والسيد حميد مجيد موسى سكرتير الحزب الشيوعي العراقي لعضوية اللجنة، وهذا الترشيح يتوافق بالتمام والكمال وأعراف المماطلة والتسويف ويصطاد عصفورين بحجر واحد. فهما قادة في منظمتهما السياسية، وجماهيرهم تعد من أقوى المشاركين في التظاهر والاعتصام، ولذا سوف يوضعون في حالة المشاركة في تلك اللجنة، في حرج أمام جماهيرهم، وسوف يعمل ذلك على تفكيك بعض التلاحم وسط جماهيرهم.

السيد ضياء الاسدي كان أذكى من أن يقع في هذا الفخ فتخلى رأسا عن المهمة، ولكنه قال بأنه يضع نفسه في خدمة هذه اللجنة. وإن كنا لا نهتم لباقي أعضاء اللجنة ومنهم يوناديم كنا وكاظم الشمري لأسباب يعرفها الجميع منها الرغبة القاتلة التي تستجدي الحضور السياسي والمشاركة في أي تكليف وهذا ما يختص به السيد يوناديم كنا. فإن موافقة سكرتير الحزب الشيوعي العراقي جاءت مفاجأة للجميع، وعدها البعض طعنا بنضال جماهير الحزب وتمييعاً لشعاراته وخلافا لمشاركة جماهيره في التظاهرات.

وبدلا من أن يكون أبو داوود مندوبا ومحاميا ومدافعا عن الجماهير المتظاهرة والمطالبة بحقوقها نجده يتحول مشاركا في لجان السلطة ووكيلا ومندوبا عنها وأداة من أدواتها، وشاهدنا على ذلك ليس فقط القبول بعضوية اللجنة وإنما لم نجد من السيدين حميد مجيد موسى سكرتير الحزب الشيوعي العراقي والسيد ضياء الأسدي ورغم انتمائهما للجماهير المتظاهرة والمعتصمة حسب ما يعلن في وسائل أعلامهم، فإنهما صمتا ولم يواجها الحقيقة ويعلنا داخل الاجتماع وبقوة الادعاء الثوري التقدمي الحضاري الديمقراطي (حسب التوصيفات الحزبية) بأن لا حاجة لوجود هذه اللجنة من الأساس، وإن المطالب الجماهيرية واضحة وصريحة، لا تقبل التسويف والمماطلة والمساومات ولم تكن بعيدة او غريبة على أسماع الساسة . وأن يستغل السيد حميد مجيد بالذات وليس غيره، منبر الاجتماع ليعطي قادة سلطة الفساد المثل في قوة الشكيمة والبسالة التي توسم الشيوعيين وأن يذكرهم بمسؤوليتهم وفق الاشتراطات الوطنية وليس غيرها، وأن يقول لهم بعالي الصوت ، أن من يرغب في امتصاص غضب الشارع وإنقاذ الوطن العراقي من محنته وانحداره نحو الهاوية. فمطالب الجماهير واضحة أمامهم وتتحدد وبشكل ناجز وحسب ما ظهر منذ تاريخ أولى التظاهرات.وهي نبذ أسلوب المحاصصة الذي أفضى إلى تقاسم جائر لسلطتي إدارة الدولة والمال العام وذهب بهيبة الدولة وأفلس الخزينة، وأن يتم إعادة هيكلة الوزرات بإيجاد وزراء ومدراء عامين تكنوقراط وأصحاب اختصاص وخبرات بعيدا عن أسلوب التدوير ضمن الحصص. أيضا المطالبة بتحسين المستوى المعيشي وإيجاد فرص عمل للعاطلين والقضاء على الفساد بتقديم المفسدين إلى محاكم نزيه وتوفير الخدمات وترميم خراب البنى التحتية.

ولكن الغريب ولكون المشاركة في السلطة دائما ما كانت هاجسا يسيطر على البعض فيجعل الصمت سيد الموقف، أجد وكأن ما حدث يذكر بورط وانتكاسات شبيهة باتت ذكراها توجع القلب.





 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter