|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  18 /  7 / 2015                                 فرات المحسن                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الطفولة بين دواعش السنة ودواعش الشيعة

فرات المحسن

دائما ما يتداول بين أوساط مقاتلي تنظيم داعش شعار ( دولة الإسلام باقية وتتمدد ) حيث يعتقد هؤلاء بأن الغلبة لا محالة سوف تكون لدولتهم، وأن عليهم واجب الإعداد بشكل متقن وناجز لفتوحات قادمة تتوسع بها الدولة وتمتد حسب ما عرضته خارطتهم التي سربوها إلى الإعلام بداية احتلالهم لمدينة الموصل. حيث ضمت في حدودها السوداء، ليس فقط الدول العربية والإسلامية، وإنما أيضا أجزاء واسعة من أوربا.

هوس توسع تنظيم الدولة الإسلامية وبقائها ورسوخ دولتها بحدود معترف بها دوليا،يشكل الطابع الغالب على تفكير قادة التنظيم، لذا استعاروا تأريخ الدولة العثمانية، لتتماثل معه صيرورة دولتهم المستقبلية وواحدة من تلك الاستعارات تجنيد الأطفال، فاندفعوا لتجنيد هؤلاء وجعلهم ينخرطون في المعارك التي يخوضها التنظيم في العديد من مناطق العراق وسوريا.

فالدولة العثمانية وعلى عهد الخليفة أورخان الأول 1324 م اختارت هذا الأسلوب لبناء جيش قوي جبار أكتسح العالم. وكان القوة الوحشية الهائلة التي سيطرت على أراض واسعة امتدت ليس فقط في عمق العالم الإسلامي، وإنما توغلت في أراضي شاسعة من أوربا، وسمي ذلك الجيش بالجيش الإنكشاري. وقد بني على أسس عقائدية ووفق الطريقة الصوفية الإسلامية البكتاشية، وكان ملهمهم بداية الأمر، في العزم والقوة والشجاعة الأمام علي بن أبي طالب، وبالتماثل مع شجاعته سحق الإنكشاريون من وقف بالضد منهم، لحين استفحال سطوتهم. حين راحوا يتدخلون في شؤون السلطة ويزجون أنفسهم في السياسة العليا للدولة، مما ارهب الخليفة العثماني، فقرر السلطان محمود الثاني في حزيران من عام 1826 القضاء على تمردهم والتخلص منهم، فأبيدوا بمعركة سميت بواقعة الخيرية، ألغي أثرها نظام الانكشارية.

كان الجيش الانكشاري يتألف من أسرى الحروب أو من يختطفهم جيش الدولة العثمانية ومن ما يجمع من العوائل المسيحية من أطفال وغلمان. حيث تجرى لهم عملية غسل دماغ لقطع صلتهم السابقة بأهلهم. ويربون في معسكرات خاصة على وفق التعاليم الإسلامية وتكون حياتهم بنسق عسكري ومهنتهم الوحيدة هي الحرب.

الاحتمال الأكثر ترجيحا، إن استعارة المثل في تشكيلة الجيش الانكشاري من قبل الدولة الإسلامية ( داعش ) جاء بناءا على توصية ونصيحة من المخابرات التركية التي ساعدت وشاركت وأشرفت بشكل مباشر على تأسيس التنظيم وتوسعه .

في عملية اختطاف الأطفال من قبل تنظيم داعش ومن ثم تدريبهم و زجهم في عمليات القتل وخوض المعارك، لا يجد قادة التنظيم في هذا العمل الإجرامي ما يخدش الحياء أو الضمير الإنساني، وهم غير معنيين بالمواثيق والعهود وأطر القوانين والأعراف الدولية الخاصة بحماية الأطفال ومنع استخدامهم في النزاعات المسلحة، لا بل ضرورة إبعادهم عن مناطق النزاع وضمانة حقوقهم من خلال إرساء اطر عامة بتدابير تشريعية لتمكين الطفل من العيش بحياة سوية وتمتعه بحماية خاصة لإتاحة نموه البدني والعقلي والخلقي والروحي والاجتماعي نموا طبيعيا سليما وأن تكون مصلحته في مقدمة الاعتبارات في سن القوانين.ولكن تنظيم الدولة الإسلامية يسعى من طريقة تدريب الأطفال إلى خلق جيل من المقاتلين قساة لا رحمة ولا شفقة في قلوبهم، تعدم لديهم المشاعر والعواطف الإنسانية لكثرة ما يشاهدونه من فضائع قتل ودماء، لترسخ في أذهانهم بعد كل تلك الصور المرعبة، مشاعر العدوانية والرغبة الدائمة بارتكاب الجريمة، والتلذذ برؤية الدم لطمأنة النفس بوجودها وبقائها وتعاليها على الآخرين، وفي الوقت نفسه طمأنة عوامل الخوف الكامنة بالنفس من الأخر الذي يشكل تهديدا دائما.لتكون النتائج المستقبلية نشوء جيل من وحوش كاسرة لا هم لها أو لا علاقة لها بالبشر الأسوياء سوى تركيبة الجسد الخارجية.

هذا من ناحية داعش التي تحسب مناهجها الفكرية أو أيدلوجيتها الدينية على بعض المذاهب الإسلامية السنية. وهي لا تخفي علاقتها بالسنة النبوية المحمدية، لا بل يصر قادتها على أن فكرهم يتماثل بجميع حيثياته مع السنن التي جاء بها القرآن والنبي محمد، حتى وإن أنكر الآخرون ذلك. ولكن يبرز ويثار في مثل هذه الوقائع الفاجعة والمفجعة السؤال الذي يصعد الغضب ويثير الشجون في حيثياته ومشاهده. هل خلت توجهات بعض من يحسب على المذهب الشيعي بتفرعاته من مثل تلك العاهة المدمرة والخاصة بتوظيف وزج الأطفال في الحروب؟ .

في يوم 15 / 06 / 2015 عقد في بغداد المؤتمر الدولي لمناهضة تجنيد الأطفال وزجهم في العمليات العسكرية، وجاءت الدعوة لعقد هذا المؤتمر من قبل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية وقد ألقى السيد الدكتور حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي كلمة في المؤتمر أعتبر فيها ما تقوم به داعش بحق الأطفال، جرائم ضد الإنسانية، ولم تراع في عملها هذا القيم والأعراف الدولية باستغلال الأطفال في عملياتها العسكرية. بدوره حذر وزير العمل والشؤون الاجتماعية من مخاطر وانعكاس تجنيد الأطفال وانخراطهم في المعارك، على مستقبل الأجيال في المنطقة والعراق بالذات، مؤكدا على أن هذه الأعمال خارج الأطر القانونية الإنسانية، ومنافية للمعاهدات الدولية. وصدرت عن المؤتمر مجموعة من التوصيات من ضمنها اعتبار ما تقوم به داعش ضربا من عمليات وجرائم إبادة ضد الإنسانية، ودعت التوصيات أيضا إلى وضع مزيد من التدابير التي تسهم في حماية الأطفال والحد من استغلالهم من قبل العناصر الإرهابية وضرورة تبني المجتمع الدولي الفكر المناهض للمناهج المتطرفة وضرورة تبني نهج التثقيف والتعليم في إطار التعايش السلمي ونشر قيم المحبة والسلام.

لم يمض على المؤتمر سوى بضعة أيام، حين ظهرت في وسائل الإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي أفلام تعرض رجال دين من الطائفة الشيعية بعمائمهم السود والبيض يشرفون على تدريب مجاميع من الأطفال على السلاح، استعدادا لزجهم في المعارك الدائرة اليوم في بعض المحافظات العراقية، أو تهيئتهم لمعارك ربما تندلع مستقبلا مع خصوم الطائفة الشيعية. وكان عرض تلك المشاهد يوضح صورة التحدي أو توكيد غلبة نهج بذاته، بالضد من المحاولات القليلة للبعض للقفز وتخطي مناهج سائدة بين أوساط رجال دين لا تعنيهم قوانين ومفاهيم إنسانية، ولا مواثيق ومعاهدات دولية، وهم ذاهبون للسير في طريق التحدي وصناعة أجيال مشوهة موتورة من شباب وشابات ينحون لخلق التمايزات الطائفية والنفرة ويبقون بعيدين أشواط طويلة عن العصرنة والحياة السوية، وغير معنيين ببناء عالم متعدد الثقافات خال من العنف.

لذا تنتشر اليوم في محافظات الوسط والجنوب ذات الغالبية الطائفية الشيعية، معسكرات لتدريب الأطفال والصبيان على السلاح دون اعتبارات أخلاقية وإنسانية لها علاقة بالعهود والمواثيق المناهضة لتجنيد الأطفال وزجهم في الحروب. وتدريب الأطفال في تلك المعسكرات يتماثل مع مشهد أخر يزج فيه الأطفال في عمليات تبكيت للذات وتكفير عن ذنوب جرت وقائعها في التاريخ البعيد، والتي تمارسها الطائفة الشيعية في مواكب العزاء التي باتت تجري شهريا، حيث نشاهد رجال من قادة تلك المواكب يشرفون مباشرة على إدخال الأطفال وبأعمار متدنية في ممارسة التعذيب الجسدي والمعنوي في عمليات جلد للجسد بالآلات الحديدية أو جرح الرأس بالسيوف. وترافق تلك الطقوس إثارة للغرائز العدوانية عبر إخضاع الطفل لعملية إلغاء العقل والذات والمشاركة في هوس جماهيري يستسيغ مناظر الدم ويجعلها صور مألوفة وعادية جدا وهي تغطي الرؤوس والأجساد، ويمكن للمرء ممارستها دون رهبة فهي جزء من تقريع النفس. وفي تلك المشاهد يتعرض الطفل إلى عملية ممنهجة لتنشئته وفق سياقات ذات طابع خاص يتم فيها تطويعه نفسيا، ليكون جزءا من مجموع مستعد دائما للوقوف كخصم وند لعدو افتراضي أو حقيقي للطائفة أو الجماعة.

وبالرغم مما طرحة رئيس الوزراء ووزير العمل في المؤتمر وأيضا ما يصرح به الكثير من قادة أحزاب الإسلام السياسي الشيعية، من شجب وإدانة لممارسات داعش بحق الأطفال، فأننا نجدهم يصمتون لا بل يبارك البعض منهم ما يقوم به رفاقهم من أجبار الأطفال على الحضور إلى ساحات التدريب وممارسة حمل السلاح أو المشاركة في مواكب العزاء وتأدية طقوس العزاء الوحشية مثلما يفعل الكبار. مؤتمر بغداد لمناهضة تجنيد الأطفال وإكراههم على التدريب لحمل السلاح وزجهم في النزاعات، قدم توصية للسلطة بإصدار قانون يحد أو يمنع مثل هذه الممارسات المضرة بحياة الطفل، والبعيدة عن التحضر والإنسانية والخارجة عن القانون والمواثيق والمعاهدات الدولية. ولكن مثلما أعتدنا عليه، نجد أن مثل هذه القوانين لن تجد لها مكانا في أعراف ومعتقدات وأفكار البعض من رجال السياسة، ولن يسن القانون الذي يحد من الخروقات والتعديات القائمة بحق الطفولة. فلا وجود لمن هو معني بالمواثيق والمعاهدات الدولية في عراق الحاضر، ويستمر الحال مثلما كان عليه الوضع في عراق صدام حسين.




 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter