|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأربعاء  9 / 4 / 2014                                فلاح علي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

وطنُ حرُ وشعبُ سعيد

فلاح علي

مقدمة
كلمات اربع تم صياغتهما بطريقة لا تخلو من العبقرية الفكرية, و تم ربطهما مع بعضهما بطريقة ديالكتيكية , ان هذه الكلمات اصبح لها وقع وتأثير وجاذبية وانتشرت في اوساط الشعب العراقي , ان كان هذا يعود لشعبية الحزب الشيوعي العراقي , ولكن ارى ايضاً ان الكلمات الاربع لها وقع موسيقي وتأثير في المشاعر الوجدانية . لهذا رددها وحفظها وتغنى بها الاطفال والشباب والكبار من بنات وابناء الشعب العراقي . رغم عدم المعرفة بمعانيها ومضامينها ومحتواها . لكن من انتمى لاحقاً للحزب واطلع على سياسته وبرامجه ونهل من فكره الماركسي ، عندها بدأ يدرك المعنى الواسع لهذا الشعار ويفهم معانيه ومدلولاته وتوجهاته ومضامينه الفكرية الماركسية والسياسية والوطنية والاقتصادية والثقافية والقانونية والحقوقية والانسانية .

انه شعار الحزب الشيوعي العراقي الذي تميز بشعبيته الواسعة وانتشاره بين اوساط الشعب العراقي , وانه بحق بمعانيه ومحتواه وتوجهاته اعتبر الدرس الاول في التربية الوطنية .

ما هو فهم العلاقة بين الشيوعيين والوطن :
الشيوعيون العراقيون نسجوا علاقة خاصة مع الوطن , علاقة حب واخلاص للوطن ومصالحه العليا , لكنها علاقة لا تقوم هذه على الرومانسية , او على الجانب او العنصر الوجداني . وانما على الترابط بين فكر الحزب وسياسته وبين مصالح الوطن وحاجات الشعب وتطلعاته . وما يؤكد على صدق هذه العلاقة والولاء والانتماء الوطني للشيوعيين العراقيين مقولة الرفيق الخالد فهد (كنت وطنياً قبل ان اكون شيوعياً , وعندما اصبحت شيوعياً صرت اشعر بمسؤولية اكبر تجاه الوطن) .

وأكد تاريخ العراق الحديث مقولة الرفيق الخالد فهد , وصدق ونقاء هذه العلاقة وكأن الوطن يعيش في وجدان الشيوعيين وفي حياتهم اليومية وفي فكرهم وسياستهم وبرامجهم وتطلعاتهم ومشاريعهم وتوجهاتهم وهمومهم واهدافهم . من هذا ينظر الشيوعيون العراقيون للوطن ليس كونه الانتماء لمساحة جغرافية محددة فحسب ، وانما يرافقه انتماء حضاري وتاريخي وثقافي وسياسي ووجداني وترابط عضوي ومشاركة في بنائه وتحرره وتطوره ...الخ .

لقد جسد هذا الشعار ، فكر الحزب الماركسي وطبقه على ارض الواقع بشكل مبدع وخلاق وما يؤكد صحة ذلك هو ان مضمون الشعار, يجسد المصالح العليا للوطن والمصالح الجذرية للشعب . وهذا ليس اعلاناً اعلامياً دعائياً للحزب الشيوعي العراقي ونهجه الديمقراطي ذو المحتوى الاجتماعي . وانما لما يحمله الشعار من مضامين فكرية وسياسية واقتصادية ..... الخ .

فكر الحزب ألهم اعضائه وجماهيره المعاني السامية لحب الوطن والشعور العالي بالمسؤولية ازاء مصالحه والتضحية من اجل الوطن والشعب , واكد تاريخ الشيوعيين العراقيين على نقاء وصدق انتمائهم للوطن , وشعورهم العالي لمتطلباته الوطنية وفق ظروفها ومرحلتها واحداثه ومتغيراتها , واخلاصهم لوحدته الوطنية واستقراره , وقوته واستقلاله السياسي والاقتصادي وتحرره وتطوره وسيادة الامن والامان و السلم الاهلي فيه . وضمان الحقوق والحريات , والمساواة بين المواطنين وتحقيق العيش الكريم للشعب , وقدم الشيوعيون العراقيون على طريق تحرر الوطن وسعادة الشعب تضحيات جسام طيلة الثمانية عقود الماضية .

الشطر الاول من الشعار (وطنٌ حر):
هو الوطن المستقل والكامل السيادة و المتحرر من كل اشكال السيطرة الاستعمارية والتبعية الخارجية سواء كانت السياسية او الدبلوماسية او العسكرية او الاقتصادية او القانونية او الثقافية ....الخ والمتحرر من كل اشكال الهيمنة والاستبداد والاستغلال والقمع الداخلي بكل اشكاله , ومن حيث التطبيق العملي يؤكد محتوى الشعار ان الوطن الحر لن يتحقق الا في ظل سيادة الديمقراطية الحقيقية في الوطن . من هذا نرى ان الشعار من حيث المحتوى , يؤكد على ديمومة النضال من اجل سيادة الديمقراطية , وارتباطاً بموضوعة الديمقراطية , فان هنالك عنصرين مهمين يدخلان ضمن محتوى الشعار لأجل تحويله الى واقع على الارض , رغم ان الشعار لم يشر اليهما وهما :

اولآ مبدأ المواطنة :
من محتوى الشعار ومعانيه ومضامينه الفكرية الديمقراطية الاجتماعية (التي تمثل مصالح الشعب والوطن الآنية والمصالح الجذرية البعيدة المدى) نجد ان الشعار ينظر للمواطنة من رؤية ديمقراطية ويرى في المواطنة انها ليست فقط مجرد الاقامة في هذه البقعة او حمل الوثائق الرسمية التي تثبت الانتماء لهذا الوطن فحسب , ولكن على ارض الواقع تعني ضمان كافة الحقوق والحريات للمواطنة وفي المشاركة في بناء الوطن وادارته ، كان ولا يزال مبدأ المواطنة في العراق مهمش . ويؤكد الشعار انه لا يمكن للوطن ان يكون حراً مكتملاً , ان لم يتحرر مبدأ المواطنة من الاستغلال والهيمنة والتهميش والاقصاء والالغاء ومصادرة الحقوق والحريات. وتضمن حقوق المواطنة وحرياتها في الوطن الحر بالديمقراطية ومؤسساتها وقوانينها . وهذه الرؤية تتطابق مع ما تؤكد عليه العلوم الاجتماعية ذات المحتوى الديمقراطي حيث تعرف (المواطنة هي العضوية الكاملة في المجتمع , بما يترتب عليها من حقوق وواجبات وحريات) . وهذا معناه ان كافة المواطنين متساوون ولا يوجد تمييز فيما بينهم على اساس الدين او القومية او العرق او الجنس او اللون او الانتماء الفكري والسياسي او المستوى الاقتصادي . من هذا فأن الشعار برؤيته لمبدأ المواطنة يستند على مجموعة من القيم الديمقراطية ، هي قيمة المساواة وقيمة الحرية وقيمة الحقوق وقيمة المشاركة والمسؤولية الجماعية لبناء الوطن وادارته . بهذه الرؤية نرى ان الشعار يؤكد على ان هذه القيم اليمقراطية لا بد ان يتم ضمانها بسن قانون ديمقراطي , لضمان هذه القيم اولاً ولتنظيم العلاقة في المجتمع ثانياً .

في القانون الديمقراطي مثلاً نرى ان الحرية ليست فوضوية وانما هي واعية مسؤولة مصانة بقانون , وانها حرية ذات محتوى ديمقراطي , لذا فان الحرية هنا ، تؤمن بالتعددية الراقية الديمقراطية . التي تشكل صمام امان واستقرار المجتمعات المتحضرة يرافقها مقاييس التعايش السلمي بين افراد المجتمع وتضمن الوحدة الوطنية وتحتضن كل قومياته واديانه واحزابه وتياراته السياسية والفكرية . كما تضمن تطور الوطن وتقدمه و ضمان الامن والاستقرار والعيش الكريم للشعب وتلبية حاجاته ومتطلباته .

ثانياً مبدأ الدولة وطبيعة النظام السياسي فيها :
في الوقت الذي يؤكد فيه الشعار ، ضمناً على مبدأ المواطنة , نجد انه من حيث الجوهر تضمن ايضاً الدولة وطبيعة النظام السياسي فيها , لأنه من حيث الواقع ان الوطن الحر وسعادة الشعب لن تأتي من خيال او فراغ , وانما من مبدأ آخر هو الدولة وطبيعة النظام السياسي فيها , هنا يكمن الربط الدايلكتيكي بين قسمي الشعار (وطن حرً وشعبً سعيد) .

فأي دولة يريدها الحزب من شعاره هذا ؟

انها بلا شك دولة المواطنة اي دولة الشعب , الدولة المدنية الديمقراطية وطبيعة النظام السياسي فيها ديمقراطي تعددي تداولي تسود فيه المؤسسات الديمقراطية , ففي الوقت الذي ينظر فيه الشعار الى مبدأ المواطنة وما يتضمنه من حقوق وحريات وواجبات ومشاركة في بناء الوطن وشعور عالي بالمسؤولية ازاء مصالح الوطن والشعب , فما يراه الشعار في المبدأ الثاني ان طبيعة النظام السياسي الديمقراطي , لا بد ان يكون مكمل وليس معارض او متصادم مع مبدأ المواطنة , مع وجود علاقة بين المواطنة والدولة , وتنظم العلاقة او الترابط بقانون ديمقراطي, حيث تقوم الدولة متمثلة بالحكومة المنتخبة ,في توفير الخدمات والامن والأستقرار والسكن والمواصلات واعمار البلد وتطوير اقتصاده وحماية ثرواته وضمان الحقوق والحريات والحماية القانونية للمواطنين والتعامل معهم على قدم المساواة, وهنا تكمن العلاقة المترابطة المادية بين طبيعة النظام السياسي الديمقراطي ومبدأ المواطنة وتلبية حاجات الوطن والشعب .

و النظام السياسي الديمقراطي يقبل بالمساءلة القانونية لمسؤولي الدولة او مسؤولي النظام السياسي , لأن القاعدة القانونية الديمقراطية , تضمن المحاسبة على قدم المساواة دون اي تمييز بين فرد وآخر ومواطن ومسؤول في الدولة . على ان تتم العملية وفق مقاييس وطنية بعيدة عن الاستقطابات الذاتية والطائفية والحزبية , فهذه المعايير لا تصمد امام معايير الديمقراطية الحقيقية , مع اشتراط استقلال القضاء .

الشطر الثاني من الشعار (شعبٌ سعيد) :
أكدت تجربة الحزب وتاريخ العراق السياسي الحديث ان من صاغ الشعار من مؤسسي وقادة الحزب الأوائل انهم ليسوا مجرد سياسيون او قادة حزبيون ابطال ووطنيون وانقياء في اخلاصهم لوطنهم وشعبهم , وانما هم قادة من طراز خاص, لا بل يحق لي القول انهم عباقرة و تكمن عبقريتهم في فهمهم للفكر الماركس وتطبيقه على واقع العراق , ونجد ترجمة هذا التطبيق المبدع ليست فقط في سياسة الحزب وبرنامجه وانما موجودة في شعاره ( وطنٌ حُر وشعبٌ سعيد ) فالسعادة هنا ما يقصدها الشعار ليست ذاتية على مستوى الافراد او مجموعات بشرية وانما على مستوى الشعب , اي ان السعادة هنا المصاغة في الشعار تكمن في ازالة كل شكل من اشكال الاستغلال ، سواء كان السياسي او القانوني او الاقتصادي او الاجتماعي او الحقوقي او الثقافي .... الخ .

وبمعنى آخر نجد ان ما تعنيه السعادة في الشعار ، هو تحقيق المصالح الجذرية للشعب, والمصالح الجذرية تعني هنا في الظرف او في المرحلة الراهنة ، سيادة الديمقراطية ذات المحتوى الاجتماعي في الحياة السياسية وفي مؤسسسات الدولة وفي التشريعات القانونية والاقتصادية والحقوقية وصولاً الى تحقيق التقدم والرفاه والازدهار وتحقيق المساواة , وفي المرحلة اللاحقة او في المدى البعيد ، تحقيق الهدف النهائي وهو بناء الاشتراكية , هنا تكمن السعادة في الشعار بتحقيق المصالح الجذرية للشعب .



8-4-2014

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter