| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

فلاح علي

 

 

 

الجمعة 7/12/ 2007



رؤية نقدية للمادة الثانيه في الدستور العراقي
(2-2 )

فلاح علي

إستكمالآ لما تم طرحه في الحلقة الأولى حول المادة الثانية في الدستور العراقي التي تم فيها تناول أولآ و(أ) من المادة ففي هذه الحلقه سيتم عرض وتحليل الفقره ثانيآ من الماده ويكون من المفيد إعادة كتابة الماده (2) حسب ما وردت في الدستور ليتمكن القارئ من التدقيق فيها وهي وضعت تحت عنوان المبادئ الأساسيه ضمن الباب الأول من الدستور .

المادة (2)

أولآ:-
الإسلام دين الدولة الرسمي وهو مصدر أساس للتشريع .
أ‌-       لايجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام .
ب‌-  لايجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية .
ج- لايجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسيه الواردة في هذا الدستور.

ثانيآ:- يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي . كما ويضمن كامل الحقوق الدينيه لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والإيزيدين والصابئة المندائيين .
إن كل من يتمعن في هذه الفقره سيجد فيها سياقات غير قانونية حالها حال الفقره أولآ و(أ) وهذه بلا شك قد أًسست لدستور يمكن إختراقه بسهوله لأن الفقرات المعنية قد تم صياغتهما بشكل سياسي  كما هوواضح بعيدة كل البعد عن القانون وقواعدة . وتم فسح المجال للإجتهاد والتفسير والتأويل الذي  سيحصل لاحقآ من قبل المتطرفين من قوى الإسلام السياسي .
 
إعادة تدقيق مفردة الغالبية :
في القانون لا توجد فوارق في الحقوق والواجبات لهذا تسعى دساتير وقوانين البلدان الديمقراطية إلى إعتماد قواعد القانون الدولي . (المساواة في الحقوق بين الأفراد في المجتمع الواحد بغض النظر عن الجنس أو اللون أو الفكر أو الدين أو القومية ) فتنتفي في هذه الدساتير مفردة الأغلبية . لأنه تؤشر مثلبآ صارخآ للدستور كما إنها تخلق حالة عدم الإطمئنان في حالة إختلال توازن القوى . وبهذا تنقلب إلى أداة لقمع الأديان والأقليات وتخلق أرضية عدم المساواة بين أبناء الشعب الواحد وبهذا سيكون الدستور أداة للإخلال بالسلم الأهلي وبالوحدة الوطنية ويفرغ الدستور من محتواه القانوني ويحوله من صمام أمان وأداة لضمان المساواة والعدالة بين الأديان والأفراد إلى أداة للتميز ويصبح وسيلة للهيمنه وإضطهاد الآخرين . وهذا هو الوجه الآخر المخفي لأسلمة القوانين والتي يسعى البعض لتطبيقها بقياسات متشدده ومتطرفه ثم أسلمة القضاء .
كما إنه في الأديان لاتوجد أقلية وأكثرية لأن الأديان هي قيم ومبادئ مقدسة منزله من الخالق جل جلاله فهي بهذا المعنى إنها متساوية في الرسالة عند الله ولا تقاس بالعدد كعملية إنتخابية أغلبية وأكثرية وفي الأرض فأن القوانين الوضعيه والدساتير هي تضمن العدل والمساواة في الحقوق والواجبات بين مواطني البلد الواحد بغض النظر عن الدين والجنس واللون والفكر والقومية وبهذا فأن هذه القوانين تساوي بين الأديان وبإحترامها وضمان حق ممارسة طقوسها وشعائرها الدينية . فإن إدراج مفردة الأغلبية في الدستور العراقي مسأله غير مقنعه وليس لها مبرر لأن حقوق الأديان وحقوق المواطنيين لا تقاس بالأغلبية والأقلية .
 
جوهر هذه القضية ( الأغلبية) في مشاريع الإسلام السياسي :
إنهم يسعون جاهدين للتسابق مع الزمن لتطبيق مقولتهم الشهيره التي قالوها في الجزائر وجسدوها في عدد من البلدان وهي إنهم ( إذا وصلوا إلى السلطة لم يرحلوا عنها ) لأنهم يريدون من خلال قوة القانون المستمد قوته من قوة السلطة إلى أسلمة المجتمع . وبهذا يتمكنون من تطبيق هدف ( الأمن والمساواة) وفق وجهتهم أي الأمن والمساواة للمسلم لأنه يمثل الأغلبيه أما الأقلية من الأديان الأخرى .
فالبر بهم لمن إرتقى بين جناحيه . بإعتبارهم تابعين للمسلم . ( المسيحين والصابئه والأيزيدين والشبك .. إلخ) هذه الأديان وغيرها تريد المساواة في المواطنه والعدالة ولا يريدون المواطنة تبعآ لنظام يبر بهم أو لايبر .
وبهذا فأن هدفهم للأمن والمساواة لا يحقق العداله في المجتمع لأنه لا يعطي الأمن والمساواة لهذه الأديان  إضافه أيضآ إنه لا يعطي الأمن والمساواة للقوى العلمانيه والديمقراطية الرافضة لمشروعهم السياسي حتى وإن كان هؤلاء مسلمون . وبهذا سيذهب الأمن والمساواة في المجتمع . وبهذا ستعطي لهم قوانينهم الحرية في تكفير من يشائوا وهذا معناه سيطبقوا قاعدتهم ( العقوبة في الدنيا وفي الآخره ) فالآخره هي بين الأنسان وبين الخالق جل جلاله أما الخلاف معهم على الدنيا .
لأنهم يسعون جاهدين وبكل الوسائل بما فيها إستغلال الدين لينصبوا أنفسهم ( وكلاء الله في الأرض) وهم من يستعين بالنص ( لا حكم إلا لله ) :
لتكفير الناس وإستباحة ( أموالهم ودمهم وعرضهم) .وإستعباد البشر وسبي النساء . والعمل على إستخراج كل ما هو وحشي في اللاشعور الجماعي وإستخدامه كوسيله لأخضاع الناس وتكبيلهم بقيود الجهل والتخلف وشدهم للماضي وكسبهم لتنظيمهم وفق مشروعهم السياسي وإستخدام كل الأساليب من الكسب المادي والمنافع إلى التهديد بالقتل وأيضآ الوعد بالسبي . هذا هو مفهومهم لحكم الله . بأن يكونوا هم وكلاء الله جل جلاله بالأرض ليحكموا البشر بعقولهم المتحجره وبخرافاتهم البعيده كل البعد عن مبادئ الدين السمح .
 
أما رجالات الإسلام الأوائل فقد فسروا مقولة ( لاحكم إلا لله ):
هو العمل على إحلال المبادئ السمحه للإسلام والعدل والمساواة والحريهة ومحاربة الفقر وتوزيع الثروة فكان مضمون هذا الفهم هو إنساني تقدمي وما تجلى في نهج العدل والمساواة الذي عرف به حكم الخليفة العادل عمر بن الخطاب وكذا نهج الإمام علي بن أبي طالب الذي عرف عنه بالعدل والمساواة ومحاربة الفقر وكذا محاربة الجهل ونشر العلم والمعرفه والدعوه للتسامح والتعايش السلمي بين الأقوام وحرية العبادة وحرية الأديان وضمان حقوق المرأة وحقوق الطفل والحرية السياسية وكذا نهج الصحابة الأبرار مثل أبو ذر الغفاري وعمار إبن ياسر وسلمان الفارسي والكثير من رجالات الإسلام السمح و ماهو يقينآ لا يقبل الشك إن هذا النهج القويم هو المقصود به ( لاحكم إلا لله) . ولا غرابة في أن نجد في تأريخ شعبنا الحديث الكثير من رجالات الدين وقف إلى جانب قوى اليسار والديمقراطية لقناعتهم إنها تحقق العدالة الإجتماعية في الأرض وبعضهم قد إنتمى إلى قوى اليسار وهذه هي سمة الأسلاميين المتنوريين الذين يسعون لتبني الديمقراطية كفكر وممارسة وتحقيق العدالة في الأرض . أما المتطرفون من دعاة الإسلام السياسي الداعين إلى قطع رقاب البشر وسبي النساء وهتك الأعراض ومحاربة القيم الأنسانية والفكر وكل ما هو تقدمي وإضطهاد المرأه فأن أفكارهم لاجدل حولها هي بعيده كل البعد عن مبادئ الإسلام السمح .
 
الخوف على الهوية الوطنية من دعاة الإسلام السياسي ومشاريعهم المتطرفه :
بالعودة إلى الفقره ثانيآ الواردة في المادة الثانية من الدستور العراقي نلاحظ تثبيت جملة الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي وهنا يكمن الخلل في فرز المسلمين عن بقية أبناء الشعب الواحد في حين  أن الدستور جوهره يؤكد على حق المواطن وعلى المواطنه بغض النظر عن الدين والقومية  وبعد أن جرى الحديث عن مفردة الغالبية وتخطأة تثبيتها في الدستور لأنها تحدث إخلالآ في مبدأ حق المواطنة وبما إنه لايوجد خطر على الهوية اللإسلامية لكي يخشى دعاة الإسلام السياسي عليها لسبب بسيط إنها موجودة ومتأصله في وجدان المجتمع منذ قرون قبل ظهور الإسلام السياسي الذي شوهها وأساء لها .
ومع التأكيد أن الإسلام يشكل مكونآ من مكونات هوية شعبنا العراقي فلا بد من الإشارة إلى أن الهوية ليست ثابتة  بل إنها متغيرة بإستمرار وإنها تركيب من عدة مكونات التي بمجموعها تكون الشعب العراقي فهنا تسقط مفردة الأغلبية والأقلية أزاء حقيقة التنوع الديني والقومي والفكري الوطني وكذا المكونات الطبقية والإجتماعية.... إلخ  لشعبنا العراقي . وهذه المكونات يخطأ من يتصور أو يتكهن إنها مفصولة بعضها عن بعض بل هي في تفاعل مستمر ودائم لأنها تشكل النسيج والمكون الأساسي لشعبنا العراقي  وتشكل هويته الوطنية.
ولا بد من تبيان حقيقة أن الجماهير الشعبية في بلدنا بالذات لديها تصور وفهم للدين يختلف عن تصور وفهم المقاولين السياسيين للدين وهذه مسألة مهمه جدآ حقآ إنهم يفسرون الدين ومبادئة وفقآ لمشاريعهم السياسية .
للإسلام دور في تكوين الهوية كونه أحد الأديان المتواجدة في العراق ولكن عند العودة لتراثنا لتراث وادي الرافدين الإنساني وننظر له نظرة تأريخية ستؤكد الحقائق إن جوهره متحرك دائمآ وغير ثابت وليس كأنه أمر ورثناه من أجدادنا وهذا ماينفي التقييمات الغير صحيحة عن طبيعة شعبنا . ويردد هذا الخطأ دعاة الإسلام السياسي الجدد ويؤيدهم القوميون في ذلك بشعارهم الذي بات ممجوجآ ونشازآ بإن مكونات الشعب هم ( السنة والشيعة والأكراد) . هذا الفهم رغم إنه خاطئ ولكنه مقصود دوافعة مصالح سياسية وصراع على السلطة ولكنهم بهذه الممارسة يسيئون عن قصد ( للإنسان العراقي وللدين وللوطن ) . وهذه هي أحد تجليات (الفكر الشمولي ذات النزعة العنصرية ) .
تأريخ شعوب الأرض يؤكد بما لايقبل الدحض أن الهوية ليست قدر محتوم يحددة الماضي وفي هذه الحالة ليس أمامنا إلا أن نستسلم له .
إن هويتنا حالنا حال الشعوب الأخرى متنوعه ومنفتحه وغير منغلقه إنها تمثل تفاعل حي بين ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا أي بمعنى إننا كمواطنيين نساهم عبر ممارستنا وتفاعلنا ووحدة شعبنا في صنع هويتنا .
لذلك فإن مفهوم الهوية نفسه هو ميدان للصراع بين القوى الإجتماعية ذات المصالح والغايات والأهداف المتباينة فلا غرابة إذآ أن نرى أن دعاة الإسلام السياسي يحاولون وبكل الطرق في إختزال هوية شعبنا في الإسلام فقط بالتشديد على كلمة الغالبية وحاولوا جاهدين تثبيتها في الدستور للحفاظ عليها وكأنها في خطر وإن  هذاالتشبث ليس لأنه يسبب إخلالآ في مبدأ حق المواطنه بل إنه يخلق أرضيه للتمييز ويسهم  في إضعاف  دولة المواطنة . بل إنهم أي دعاة الإسلام السياسي يختزلون أيضآ التراث الإسلامي الغني والمتنوع ويختارون منه ما يغني فكرهم المتزمت.
وأخيرآ فأن الهوية هي الأخرى تخضع إلى صراع إجتماعي من أجل الوصول إلى مشاريع مختلفة وجوهر هذا الصراع هو حول الحاضر والمستقبل . إننا أمام هذا الصراع لرسم الهوية الحقيقية لشعبنا أما بشكل سلبي غير إنساني وغير عادل وإما بشكل إيجابي . أي المقصود إما بإتجاه إنساني تقدمي منفتح ديمقراطي يحترم كل مكونات شعبنا العراقي لا يعطي الغلبة والهيمنة لأحد المكونات والإستحواذ على الآخر أو بإتجاه متعصب متزمت منغلق على المكونات الأخرى وعلى كل منجزات الشعوب والفكر البشري وهذا النوع يمارس القمع والإختزال والإستحواذ والتهميش لحد إلغاء المكونات الأخرى أي بالدقة يكون مضطهدآ ومشوهآ لهويتنا الوطنية
المتنوعة والغنية بتراثها .
إنه بحق عندما يقرأ أي إنسان الفقرة ثانيآ من المادة الثانية من الدستور العراقي يجد فيها هيمنه وإستحواذ  بإسم الأغلبيه وهذا هو أحد أوجه الصراع  بين قوى الإسلام السياسي والقوى الوطنية ومعهم الجماهير الشعبية كما إنه لا بد من التأكيد أن الصراع مستمر ودائم لأبراز وتطويرهويتنا الوطنية وإغنائها والعمل على تنمية الجوانب المشرقة فيها وفتح الآفاق أمام الممارسة الديمقراطية لكل مكونات شعبنا العراقي التي بمجموعها تكون هويتنا الوطنية التقدمية . من هذا أن الصراع حول تعديل المادة الثانية من الدستور العراقي هي مهمه وطنية لكل العراقيين من أجل إزالة النصوص الوارده فيها التي يرتكن لها الإسلام السياسي للتهيئ لتأسيس دولة دينية في حالة تغير موازين القوى في المجتمع لصالحهم كما إنها تجسد شكل من أشكال التعصب والتحجر والأنغلاق والأستلاب والأستحواذ والإلغاء والإختزال لمكونات شعبنا العراقي .

6-12-2007
 
 ¤ الجزء الأول
          
 

 

 
 

Counters

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس