| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

فلاح علي

 

 

 

الأحد 25/11/ 2007



رؤية نقدية للمادة الثانيه في الدستور العراقي
(1-2 )

فلاح علي

إن من قرأ هذه المادة وإطلع عليها توصل الكثير إلى رأي إنها تمثل صيغه معتدله ووسطيه ومقبوله ومتوازنه وتوافقيه وليس هناك إعتراض عليها . ولكن من يتمعن بالقراءه المعمقه سيجد فيها ألغام كثيره غير مرأيه ستنفجر في الوقت المناسب لها . من أجل التبحر في هذه المادة يتطلب أولآ عرضها للقارئ كما مثبته في الدستور ثم البدأ بتحليلها من منطلق نقدي لكي يتم تلمس نتائجها الخطيره وغير المرئية الآن .
المادة (2) :
أولآ:- الإسلام دين الدولة الرسمي وهو مصدر أساس للتشريع .
أ‌- لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام .
ب‌- لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية .
ج- لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور.
ثانيآ:- يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهويه الأسلاميه لغالبية الشعب العراقي كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسه الدينية كالمسيحين والأيزيدين والصابئه المندائيين .
سنتناول الفقره ( أ) لنرى ما تعنيه بعض مفرداتها . لنأخذ مفهوم ( ثوابت أحكام الإسلام ) الوارده في الفقره المذكوره إنها تعني وبكل دقه ( بهدى النصوص الشرعية ) وهذا معناه حكم الشريعة كما نلاحظ ترابطها الوطيد مع الفقره (أولآ) الإسلام دين الدولة الرسمي وهو ( مصدر أساس للتشريع ) إن هذه الصياغه توحي للقارئ للوهله الأولى إنها تمثل الإعتدال والوسطيه ولكن التطبيق العملي لهما غير ذلك إن جوهر ومحتوى هاتين الفقرتين بعيدتان كل البعد عن المعنى الظاهري لهما وإنما توهيئان وتؤسسان لدولة دينية لأن القراءة التحليلية لهاتين الفقرتين تعنيان ( أسلمة القوانين ) وتتم الأسلمة من خلال التدرج .
وهذا مرتبط بسيطرة وتفرد قوى الإسلام السياسي في السلطه السياسية . بلا شك إن الماده (2) تحوي على الجزء الثاني من المعادله وهي الفقره (ب وج) اللذان بؤكدان على الديمقراطية والحريات والمبادئ الأساسية الواردة في هذا الدستور . وهاتين الفقرتين يضمنان التوازن والإعتدال كما يبدواهذا صحيح في حالة توازن القوى في المجتمع ومع ثبات العوامل الداخلية والخارجية التي تحفظ هذا التوازن وتنشط حركة الجماهير الشعبية ومع تنمية الثقافة الديمقراطية بالإتجاه الذي  تتراجع فيه القوى المتطرفة في المجتمع وبما يعزز مكانة ودور القوى العلمانية الديمقراطية .

الإسلام السياسي يهدف إلى بناء الدولة الدينية كيف وافق على هذه الصياغة إذن ؟
لا يختلف إثنان إن الإسلام السياسي بشقيه المتطرف والمدعي بالإعتدال والوسطية قد وافق على الفقرتين ( ب وج) إرتباطآ للأعتبارات التالية أولآ الخشية من إثارة مخاوف الولايات المتحدة الأمريكية ليس لأنهم وصلوا للسلطه من خلال إنتخابات صورية لا وإنهم واثقون تمامآ أن رضا الولايات المتحدة عنهم هو شرط لازم لتواصلهم في السلطه رغم إنهم بين الحين والآخر ينتقدون الولايات المتحدة وممارسات قواتها في العراق هذا مجرد لذر الرماد في العيون لكنهم جميعآ متفقون أن هناك إمور تلزمهم الولايات المتحدة فيها وليس بإمكانهم أن يقولو لا . وثانيآ إن موافقتهم على الفقرتين هو نوع من البراكماتية ( التقيه) بإدعاء إنهم لا يفكرون ببناء دولة دينيه ولا يريدون ( أسلمة القوانين ) وبالتالي لا يريدون أسلمة المجتمع والسيطرة عليه بالقوه من خلال قدسية أحكام الشريعة . وثالثآ لطمأنة المجتمع العراقي وأحزابه وقواه الوطنية  والديمقراطية والمتعدد الإنتماءات الفكرية والدينية والقومية لأن الشعب العراقي يرفض نموذج الدولة الدينية  التي فشلت في الصومال والسودان وإفغانستان وإيران . أعتقد أن موافقتهم كانت تاكتيكآ لأن المنظمومة الفكرية للإسلام السياسي تفهم ( ثوابت أحكام الإسلام) من منطلقات متشددة ومتطرفة بالضد من الإسلام كدين . لأنها ترجع الثوابت للشريعة ولا تأخذ ظروف المجتمع والعصر وتقدمه بنظر الإعتبار فهي إذن تطفي على الثوابت القدسيه وتعتبرها مفروضه لأنها منزله من الله جل جلاله بغض النظر عن تغير الظروف والزمان .

ماذا تعني ( ثوابت أحكام الإسلام ) من وجهة نظر الإسلام السياسي المتطرف :
إن الأسلام السياسي يطفي على الثوابت صفة القدسيه لأنه يربطها بأحكام الإسلام ويرجعها للشريعة الإسلامية وإن ثوابت الإسلام السمح تختلف عن ثوابتهم التي يعتبرونها وسيله للوثوب للسلطه ويدعون إنها تشريعات تشمل كل نواحي المجتمع الإقتصادية والسياسية واللإجتماعية والثقافية والروحية . لهذا أن مشروعهم السياسي يهدف إلى التعكز على ( ثوابت أحكام الإسلام ) ليساعدهم في الوصول للسلطه وهذا يمكنهم من أسلمة القوانين بشكل تدريجي حتى ينفذوا إنقلابهم على المجتمع وقولبة المجتمع لبسط سيطرتهم عليه ويصبح متأسلمآ من خلال قوة جهاز الدولة الذي يعتقدون إنهم سينفردون فيها .
إن مشروع الإسلام السياسي يمثل تطرفآ في المجتمع لأنه يفسر الإسلام السمح على غير ماهو عليه أي وفق مقاساتهم و لا ينظرون إلى العداله والمساواة والحرية وحقوق الإنسان التي هي من أساسيات الدين الإسلامي الحنيف من منظار الحرص على الإنسان والمجتمع والتمسك بهذه الثوابت إنما هم يبتدعون ثوابتهم المتطرفة من أجل تمرير مشروعهم بإسم الدين للسيطره على الدولة والمجتمع .

العدل بالنسبه للإسلام السياسي ينحصر في الحق في منطلقاتهم الفكرية فالحق بالنسبه لهم هي القوه لأنها تكسبهم السيطره على الدولة والمجتمع لمنطلقات سياسية وإقتصادية وثقافية وهذه السيطره تعطيهم الحق في تشريع القوانين التي تبيح القتل وإضطهاد المرأه والتميز بين الناس على أساس العرق والدين والإنتماء السياسي والفكري . وهذه ليست عداله بل حق القوي في إستغلال الضعيف . ويعطي الإسلام السياسي لنفسه الحق في سن وتطبيق القوانين على المجتمع التي يراها هو مهما تكون نتائجها الضاره والمدمره للمجتمع والوطن ومنها التميز بين الناس والأديان وهذا ليس عداله وإنما حق . ففرض الحجاب على المرأه بالقوه هذا ليس عدل وإنما حق يمنحوه لأنفسهم من خلال منطلقاتهم الفكريه المتحجره والمتطرفه وإجبار الناس على الصلاة كما حصل في إفغانستان وغيرها من دول الإسلام السياسي هذا حق منحوه هم لأنفسهم وليس  عدل والتميز بين الأديان هذا حق منحوه لهم وليس عدل كمبدأ من مبادئ الإسلام السمح ...... إلخ .
أما العدل في الإسلام فهو المساواة بين الناس ليس في صناديق الإقتراع كما يدعون وإنما بل هو المساواة  في الحقوق والحريات والتعليم والمعيشه والصحه والعمل وحرية والأديان والأفكار والديمقراطيه ومحاربة الفقر ومنع الغني من زيادة ثروته على حساب الإستغلال وجوع الفقراء وإحترام المرأة .

الإسلام السياسي هدفه أسلمة القوانين ما ذا يعني ذلك في الجانب التطبيقي :
في الدول العصريه الحديثه ذات الأنظمه العلمانية الديمقراطية توجد قوانين كونها تضمن الحقوق والحريات وحق المواطنه فهي في الوقت نفسه ملزمه للقاضي إذا لم تكن تتعارض مع الدستور كونه القانون الأساسي في البلد . في الدولة الدينية لا سلطان على القاضي إلا القانون المستمد من الشريعة والذي لا يتعارض معها فهو لن يحكم إستنادآ للدستور بل لمبادئ عامه موجوده في الشريعه . وبهذا فأن الإسلام السياسي يكرس جهده ليكون القضاة والمشرعون لديهم إلمام ودارسين للفقه الإسلامي . وهم بهذا يسعون إلى جعل القاضي يفرض رأيه الفقهي على الدستور وبهذا فهم يعطلون مجلس النواب في هذا الجانب وهذه تتعارض مع  الديمقراطية والقارئ يدرك جيدآ كيف أن ملالي الجهل والتحجر والتخلف قد حكموا وسيروا القضاء في إفغانستان وغيرها من التجارب الفاشله التي حكم فيها الإسلام السياسي . وبالنسبه للإسلام السياسي عندما يستفرد في الحكم إنه يسعى لبناء دوله شموليه فهو يعتبر أن دائرة تطبيق القانون المتأسلم هي متكامله طبقآ لأحكام الشرع فهي كونها مدنيه وإجتماعيه فإنها تشمل الجوانب الإقتصادية والسياسية والتعليمية والثقافية أي وفق منظورهم يمكن حل نقابات العمال أو الجمعيات الفلاحية أو المنظمات النسويه أو منظمه للمجتمع المدني وأي تجمع أو حزب سياسي من وجهة نظرهم لتعارضه مع أحكام الشرع وهو في الواقع غير مخالف لإحكام الشرع بقدر ما هو مخالف لأحكامهم وحكمهم ورؤيتهم .
وبالتالي فأن كل حديث عن إستقلال القضاء وحقوق المواطن القضائية وحقوق المرأة وحقوق القوى والأحزاب المتعارضه فكريآ وسياسيآ معهم لا يضمنها القضاء المؤسلم . ويصبح الفقيه القاضي المتشدد والمتطرف هو الخصم والحكم طالما المقابل لا يلتزم بأحكام الشريعه من وجهة نظره فهو إذآ معارض للدولة الدينية . وهذا يتناقض مع أحكام القضاء وأحكامه الدوليه العادله وكذا يتناقض مع المجتمع المدني الذي يفترض أن يكون فيه القاضي حياديآ بشكل تام عن الأفكار السياسية والعقائد الدينية والعرقية والطائفية وبلا إنحياز في عمله القضائي ويحكم بالقانون الذي لا يتعارض مع الدستور وبهذا يكون حاكمآ عادلآ لاخصمآ كما هو عليه في الدولة الدينية التي أكدت كل التجارب الفاشله لهذا النموذج من الحكم أن إستقلال القضاء فيها هو إكذوبه كبرى وليس كما تدعي هي بأستقلال القضاء وإن القاضي من وجهة نظرهم أن يكون فقيه في الشريعة لكي يحافظ على أسلمة القوانين وهي بهذا أكدت لشعوب العالم أن الدولة الدينية هي دولة شمولية .

 

Counters

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس