|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأربعاء  4 / 9 / 2013                                فلاح علي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

فتاوي القتل والتكفير ينتجها اصحاب الضمائر الميتة
(2)

فلاح علي

استكمل في هذا الجزء من المقالة طرح القرائن والادلة من كتاب الله وكلام رسوله الكريم التي تؤكد ان فتاوى القتل والتكفير ليست شخصية وسياسية فقط , كما اشرت في الجزء الاول من المقالة وانما ستؤكد ايضاً انها نتاج توظيف الدين في السياسة وهي خارجة عن حدود الله جل جلاله وان الله يتبرأ من فتاوى القتل والتكفير.

الله ورسوله يتبرؤون من فتاوى القتل والتكفير :
قال الله في كتابه الكريم مخاطباَ الرسول محمد (ص) ((فذكر أنما أنت مذكر , لست عليهم بمسيطر)) (
سورة الغاشية في الآية 22) وقال الله تعالى في كتابه الكريم ((تواصوا بالحق وتواصلوا بالصبر)) (سورة العصر في الآية 3) هذه الآيات من كتاب الله تؤكد لنا أن القرآن هو كتاب هداية وموعظة ينبذ التطرف ولا يثير البغض والكراهية والتكفير والقتل والهيمنة والتسلط , ومع الأعتدال . وفي كتاب الله آيات تحمي الحريات الفردية ومنها حرية الرأي والمعتقد والتعبير والتعليم التي عبر عنها القرآن الكريم في قوله عز وجل : ((ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ...)) (سورة النحل – الآية 125) وقد عبر الحديث الشريف للرسول (ص) ((أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)).ومن الآيات التي تؤكد على حماية حرية العقيدة ، قوله تعالى : ((لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)) (سورة البقرة – الآية 256) وقوله تعالى ((من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)) (من سورة الكهف الآية 29) وكذلك قوله عز وجل: ((ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا , أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)) (سورة يونس الآية 99) هذه الآيات من كتاب الله تطالب بالانفتاح والابتعاد عن التطرف وقبول الآخر وإطلاق الحرية الأنسانية واعتبار العقل هو الحكم والمعيار في منظومة الأفعال الأنسانية , وليس الاتهام والتجني .

من هذا نجد ان فتاوي القتل والتكفير تعد تجرؤاً على حدود الله ورسوله :
من قول الله في كتابه الكريم مما ذكر من آيات قرآنية اعلاه واقوال الرسول الكريم (ص) يتبين للجميع ان اصحاب الفتاوى التي تحلل قتل النفس البريئة التي حرّم الله قتلها الا بالحق هم ليسوا فاقدي عقل وضمير, وانما ايضاً هم غير متخصصين بأمور الفتوى والدين , والحقيقة تقول ان الله ورسوله لا يؤمنون بهكذا فتاوى تدعو الى القتل والتكفير فهي في الدين والشرع حرام . كتاب الله يدعو الى اشاعة ثقافة قبول الآخر والانفتاح والتقوى , وبهذا فان الشعوب في البلدان الاسلامية تجد في فتاوى التكفيريين دعوة لأشاعة ثقافة الكراهية ضد الآخر والبغض والكفر والقتل وبهذا فانهم ليسوا فقط قد خرجوا عن حدود الله وانما أعلنوا الحرب على جميع الناس بأسم الدين .

السيد مرتضى القزويني :
في رسالتي الاولى لم اتهمك كونك من اصحاب الضمائر الميتة , وفي هذه الرسالة الثانية لا اتهمك كونك من التكفيريين , ولكني اقول لك ان فتواك بهدر دم الشيوعيين تعد تعدي على حدود الله الذي حرّم قتل النفس البشرية , حتى وان اختلفت معكَ في الدين او في الرأي او لم تكن مؤمنة, فحرمة النفس البشرية عند الله أعظم من حرمة الكعبة . اجد انك قد استخدمت الدين بشكل خاطئ وفي غير موضعه , لهذا فأن فتواك تسيئ للدين . لأنها تعد دعوة للتحريض على القتل وفتح ابواب اشاعة الفوضى في البلد ودعوة علنية لسفك الدماء , وبهذا ألا تتفق معي انك وفق كتاب الله جل جلالة تعتبر مسبب في القتل من خلال التحريض ؟, أتقبل على نفسك ان تتحمل الأثم والعقاب في الدنيا والآخرة ؟ . وقد أكدت بفتواك هذه للمسلمين جميعاً ولجمهور المتدينين وللشعب العراقي إنك غير متخصص بأمور الدين لأنك خلطت الدين بالسياسة وفتواك هي سياسية تخدم أهداف ومصالح دنيوية أنانية وهي لا تحمل وجهة حق .

خلط الدين بالسياسة :
وفق كتاب الله نرى ان الفتاوى التي تدعو الى القتل والتكفير تؤكد على حقيقة واحدة لا تقبل الشك ان وراءها دوافع وغايات لا اساس لها بالدين , وانما لها دوافع وغايات سياسية ومصالح ذاتية . وبهذا فأن دعاة فتاوى القتل والتكفير يوظفوا الدين بالسياسة وهذه أداة سيئة من أدوات الصراع السياسي والاعلامي . وان مثل هذه الفتاوى المسيسة و المتشددة عادة ما تصدر من المدعين بالدين وبالتدين وليس لهم تخصص في اطلاق الفتاوى . الا انهم في الواقع بفتاويهم هذه غير مؤهلين للحديث باسم الدين والشريعة. ان التهاون أزاء هكذا فتاوى والتي تنطلق من القنوات الفضائية الدينية , يعد أمر غير مقبول لأنها مخالفة للدستور - الباب الثاني الحقوق والحريات , وبهذا فأن لها اضرار على عملية التحول الديمقراطي في البلاد , كما ان لها اضرار سلبية على المجتمع وتفكيك الوحدة الوطنية , كما انها مخالفة لدين الله واقوال رسوله لأنها تصور الدين الاسلامي وكأنه دين دموي لا يتقبل المعارضة والرأي الآخر وهذا خلاف لقيم الدين وثوابته ومبادئه المعروفة بالتسامح والاعتدال والعدل والمساواة والوقوف ضد الظلم والظالمين ومناصرة الحق وان البشرية تدرك جيداً ان هذه القيم وهذه المبادئ في الاسلام تحمل اسس للتعددية والتنوع و للحرية بما فيها حرية الرأي والمعتقد والديمقراطية ايضاَ . لو كان اصحاب رسول الله (الخلفاء الراشدين) (عليهم السلام) احياءً الى الآن لما تجرأ اي منهم على اطلاق هكذا فتوى باطلة مخالفة للدين والشرع وذلك لعظم المسؤولية امام الله . لهذا فان اللسان الذي يطلق فتاوى القتل والتكفير وفق كتاب الله هو لسان سياسي مأجور وليس لسان رجل دين وهي يقيناً نتاج توظيف الدين بالسياسة فهي فتوى سياسية بأمتياز.

فتاوي القتل والتكفير تمثل فكراً تكفيرياً :

السيد مرتضى القزويني :
إنك تدرك جيداً ويدرك ويعرف جميع المسلمين وغير المسلمين ان الدعوة الى القتل تحمل فكراً تكفيرياً . والفكر التكفيري في الاسلام هو مخالف لدين الله لأنه فكر متطرف يفرق ولا يجمع , وان اصحاب الفكر التكفيري يعتبرون تبني اي رأي او فكر أو اي خلاف في الرأي هو خروج عن الدين وهو كفر ورأيهم وحدهم هو الصحيح ويمثل الايمان والحق . والرأي الآخر المخالف حسب تصورهم يمثل الكفر والباطل, لهذ وجب حل دمه وهذا خلاف للدين والشريعة , السؤال هنا ان دين الله يحرّم قتل النفس البريئة ، اذن لماذا يحلل التكفيريين قتل الانسان ؟ لا اعرف ما هو جوابك على السؤال لكني أرى من وجهة نظري ان الاجابة على هذا السؤال هي واحده من أمرين :

الأول : بلا شك انهم وظفوا الدين في السياسية ,
والثاني : اعتقد انهم مصابون بلوثة عقلية او مرضاً نفسياً نتيجة فكرهم المشوه وتحريفهم للدين , او خلل في تربيتهم قد تكون غير سليمة أو رافقهم في حياتهم الكبت والحرمان و بلا شك انهم فاقدين للعلم والمعرفة ولقيم الدين .

اني لا اتهمك كونك واحداً من هؤلاء التكفيريين ولكنك تدرك جيداً قبل غيرك انه في الشريعة والدين عادة يوجد الضدين كأن يكون احدهما صائب , ولا يوجد فيهما حق وباطل وكفر وايمان وقاتل ومقتول , وان الأديان السماوية أكدت ان هذا الخلاف هو دليل تنوع وهذا ما أكدته الحياة ايضاَ , وعادة هذا التنوع يؤدي الى انتاج الاسلوب السلمي والحوار في التعاطي مع القضايا المطروحة كأن تكون خلاف في الرأي او المعتقد لا ان يستخدم العنف والقتل والتكفير واثارة الفتنه الداخلية بأسم الدين , وبهذا فان التكفيريين يقسمون الناس الى قسمين ، الذي يخالفهم في الرأي هو كافر يتطلب اقامة الحد عليه , والذي معهم في الرأي هو المسلم , كما اكدت التجربة التاريخية للشعوب وبالذات العربية والاسلامية ان التكفيريين عادة ما يكونوا مسيسين ويوظفون الدين في السياسة ومجيرين او مأجورين لمجاميع وكتل واحزاب متطرفة . فتاويهم التكفيرية هي لخدمة مصالح الاحزاب المتطرفة ولاستمرار بقائها في الحكم فترة اطول ولاضعاف الآخر ليس لانه خرج عن الدين , بل لأنه معارض سياسي لهم , هؤلاء التكفيريون هم مبتكري تحويل الصراع في المجتمعات من صراع سياسي الى صراع ديني فهم في الحقيقة يحرفون دين الله . فهم بتفسيراتهم واعمالهم المتطرفة يسعون لغايات ومصالح تقف بالضد مما ذكره الله في كتابه الكريم , لهذا تطاردهم اللعنة في الدنيا وينتظرهم عقاب الآخرة .

السيد مرتضى القزويني :
اني لن أتهمك كونك واحداً من هؤلاء التكفيريين , او تطمح الى الشهرة الاعلامية حتى وان كانت بشكل باطل ولكني اقول لك ان فتواك وفق كتاب الله جل جلاله هي باطلة وشخصية , وان الايمان والتقوى والحق والحكمة والتدين يفرضان عليك سحبها ، والاعتراف بالخطأ فضيلة , لأن هذه الفتوى وفتاوى التكفيريين تعد خزين استراتيجي فكري لقوى التطرف والارهاب وهي ليست فقط خارجة عن حدود الله وانما يعاقب عليها الدستور العراقي . لأن قتل اي انسان بدون حق محرم ومجرم في الاسلام والقانون .

الأستنتاجات :
1-
الاسلام سمح بحق الدفاع عن النفس والدين والوطن والفكر والمعتقد والعرض والمال , وأن هذه الفتوى تعد دعوة للتحريض على القتل واشاعة الفوضى وجريمة تستوجب المساءلة ووضع صاحبها تحت طائلة القانون , لهذا فأن الناس الذين وقع عليهم الأذى يحق لهم الدفاع الشرعي والقانوني عن انفسهم . من هذا اني انضم الى الرأي الذي يقول على قوى التيار الديمقراطي في الخارج , ان تقدم شكوى الى احدى المحاكم الدولية او الانتربول , رغم ان الفتوى لا شرعية ولا قانونية الا ان حياة الآلاف من العراقيين في الخارج اصبحت في خطر وبالذات عند زيارتهم الى الوطن . وكما هو سائد في العرف ان المتهم بريئ حتى تثبت ادانته . كيف اذن بشخص يصدر حكم بالموت بالضد من الدستور العراقي , الذي كفل وضمن حرية الرأي والمعتقد .

2- الفتوى تعد دعوة الى مصادرة حق الناس في الحياة , وهو ما لا يقبل به اي رجل دين او اي مواطن او اي قانون , في الوقت الذي يوجد في البلاد دستور صوّت عليه الشعب مع وجودالسلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) اذن كيف يتجرأ شخص غير مختص في الفتوى يحلل وفق هواه ومصالحة أو مصالح المجموعة لهذا فأن الحكومة العراقية وفق الدستور ,معنية قبل غيرها في تطبيق القانون والدستور العراقي وحماية المواطنين من اي خطر او أذى , ان هكذا فتوى تصادر حق الناس في الحياة , تطلق من قناة تلفزيونية هي ليست فقط رسالة لنشر ثقافة العنف والارهاب , وانما لمصادرة صلاحيات السلطات الثلاث المثبته في الدستور , في الوقت الذي يعرف جميع العراقيين ان الدستور ضمن حرية الناس ومعتقداتهم وانتماءاتهم والحفاظ على حياتهم . لهذا فأن هكذا فتاوى تنطبق عليها المادة 4 ارهاب , ومن واجب الحكومة العراقية القاء القبض على صاحبها واحالته للقضاء لينال جزاءه . لأن الدين لله وليس لأشخاص والوطن للجميع ولا يحق لأحد مصادرته عن الآخرين ومصادرة حياتهم , والدستور العراقي يؤكد ان الحكم للقضاء وليس لأشخاص . لهذا في حالة تركه وشأنه بدون محاكمة وبدون ان يأخذ جزاءه يضع الحكومة في خانة الاتهام بأنها معنية او متورطة في اشاعة الفوضى والانفلات في المجتمع , ومتهاونه في التجاوز على القانون والدستور الذي صادق عليه الشعب .

3- في العراق الآن العشرات من القنوات الفضائية التابعة لأحزاب الاسلام السياسي , استمعت لها جميعاً وجدت هذه القنوات تدعو الى الترويج للشد والتخندق الطائفي وهذا يساعد على نشر الكراهيه بين ابناء المجتمع العراقي وتهدد الوحدة الوطنية العراقية وذلك بنشرها لثقافة الشحن والحقد الطائفي , والاسلام بريئ من ذلك. من هذا ارتباطاً بالفتوى ايضاً ارى ان الحكومة ووزارة الاوقاف معنيان في متابعة توجهات هذه القنوات الضارة بعملية التحول الديمقراطي في البلاد . لذلك احمل الحكومة العراقية مسؤولية السماح للقنواة التلفزيونية الدينية بنشر ثقافة الكراهية والعنف والقتل والتكفير , ولا علاج لهذا سوى تفعيل قوة القانون وعودة هيبة القضاء والحكومة .

4- وارتباطاً بموضوع الاعلام ارى ان الازمة السياسية الخطيرة التي يمر بها البلد , تؤكد ان الدولة معنية بوضع استراتيجية لنشر الفكر المعتدل المتسامح ونشر ثقافة الديمقراطية, وعدم السماح للترويج للفكر الطائفي ولأصحاب الفتاوى المحرضة , وعدم تزييف وعي الناس والهائهم بقضايا فرعية وثانوية , وان يقوم الاعلام بدوره الاساسي المتمثل بخدمة العملية السياسية والتحول الديمقراطي في البلاد والارتقاء بوعي فئات واسعة من الشعب في المجال الثقافي والسياسي وحتى الديني بنشر ثقافة الاعتدال والتسامح التي يدعو لها دين الله, ولكن يجد المواطن الآن ان الدولة مقصرة في مجال الاعلام حيث تحول الاعلام وبالذات الاعلام الخاص الى اداة للصراع السياسي وساهم في نشر ثقافة الحقد والكراهية وثقافة الطائفية , من هذا ضرورة اصدار تشريعات قانونية تضع عقوبات رادعة تجرم اي شكل من اشكال التطرف او الدعوة لنشر الحقد والكراهية والقتل والتكفير في الخطاب الاعلامي الحكومي او الخاص.

5- الوطن للجميع وهذا ما اقره الدين والدستور , وليس في وسع احد ان يقول للآخر اخرج وابحث لك عن وطن بديل , لهذا ان الشعب بحاجة الى ثقافة التعايش السلمي والحوار وحل الخلافات عبر الآليات الديمقراطية .


3-9-2013


 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter