| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

فلاح علي

 

 

 

الأثنين 27/9/ 2010



الذكرى ال22 لحصار قوات أنصار
الحزب الشيوعي العراقي في جبل كَارا
(4-5)

فلاح علي

لا بد من الاشارة إلى الحقيقة التالية :
أن حصار قوات أنصار الحزب الشيوعي العراقي في جبل كَارا شكل ظاهرة فريدة في المنطقة وفي العالم آنذاك إنها ملحمة ومأثرة خالدة لا تنسى ,من أجل توثيق أحداث الحصار وتسليط الاضواء عليها يتطلب من الأنصار الذين عايشوا الحدث أن يوثقوا مشاهداتهم .. إنه لم يكن حدثاَ عابراَ . أن مذكراتي هذه التي تعكس مشاهداتي وإنطباعاتي ليس بمقدورها أن تسلط الأضواء على كل أحداث الحصار العسكري , لا سيما وأن هناك مجاميع مرت بظروف صعبة ليس بمقدور أحد من خارج المجموعة بالكتابة عن أحداثها , أن أهمية الحدث له معاني غنية وثمينة جداَ ، علينا جميعاَ مسؤولية الكتابة لتوثيق أحداث هذه الملحمة الخالدة التي تشكل صفحة مشرقة لنضال الحزب الشيوعي العراقي ضد الدكتاتورية .

ذكرت في الجزء الثالث إنه في نهاية الاسبوع الثاني من الحصار تقريباَ كانت غالبية العوائل سَلمت نفسها ومعها أيضاَ بعض مقاتلي الحزب الديمقراطي الكوردستاني مع عوائلهم مع عدد من رفاقنا بقرار مع عوائلهم , وفي بداية الاسبوع الثالث من الحصار أستطيع القول , بقي في حصار جبل كَار الانصار فقط وهم مقاتلي الفوج الاول ومعهم عدد قليل من رفاق القاطع والفوج الثالث ومقاتلي السرية الخامسه الذين إتخذوا مكان لتحركهم من جهة العمادية وسرسنك بعيداَ عن أنصار الفوج الاول مع وجود تنسيق وتواصل معهم . ووضع الانصار وقيادة الفوج آنذاك في أولوياتهم خيار بأن يلجأ النظام إلى خوض معركة عسكرية مع الأنصار وهذا كان أمر متوقع بعد أن بقي الأنصار فقط في الجبل فكان قرار تشكيل المجاميع ووضع مهام لها هو الخطوة الصحيحة عسكرياَ وسياسياَ آنذاك وسأتحدث عن ذلك لاحقاَ .
 
مشاهد وأحداث وصور وحوارات لا تنسى :
1- مع طول فترة الحصار وخطورة الموقف بقيت معنويات الأنصار عالية جداَ مع طاقة متجددة وحيوية متواصلة وإستعداد نفسي لمواجهة أي طارئ بما فيها المواجهة العسكرية مع تماسك وإنضباط وإلفة وتضامن ومحبة ونكران ذات وقيادة منسجمة وشجاعة وجريئة وتتمتع بقدر كبير من الحكمة . وكان الملفت جداَ هو وضع النصيرات رغم قلة عددهن في الحصار أبدينا قدر كبير من الشجاعة والمقدرة على تحمل هذه الظروف الصعبة مع الصبر العالي ورباطة الجأش ولا بد من الاشارة هنا كان من ضمن النصيرات المحاصرات في جبل كَارا مناضلة صلبة وشجاعة من بلد عربي شقيق شاركت في أصعب المهام كانت محط إعتزاز وتقدير واحترام جميع الأنصار . والشيئ الجميل جداَ في فترة الحصار مع صعوبة الظروف وخطورتها كان المرح والابتسامة والنكته لاتغيب عن جلسات الأنصار في مجاميعهم فكان لها وقع في حياتهم أثناء الحصارولم تضعف ثقتهم بحزبهم وتفائلهم في فك الحصار .

2- تكونت لدى عدد غير قليل من الأنصار فكرة العودة للحياة الأنصارية تبدأ من خطوة التهيئ لمواجهة الشتاء القادم والانتصار على إستحالة العيش في جبل كَارا في فصل الشتاء الافكار التي طرحت هي لتهيأة مستلزمات مواجهة فصل الشتاء في حالة وجود صعوبة لفك الحصار . طرحت هذه الفكرة من قبل الرفيق النصير أبو فاتن وإستمر الحوار حولها عدة أيام تتلخص فكرته بالتالي :

توجد في جبل كَارا قطوع ومغارات يصعب على كل الفرق العسكرية وقوات الجحوش المحاصرة لجبل كَارا من الوصول إليها .ولدينا عدد من الرفاق تعرف جبل كَارا بشكل جيد منهم الرفيق عابد إبن قرية سواري وشقيق الرفيقين الشهيدين جاسم وأبو هلال ,فالخطوة الاولى تبدأ بتشخيص هذه المناطق الصعب الوصول إليها هذا أولاَ وثانياَ تتسلل مجاميع إلى مقر الفوج ليلاَ لجلب المواد الغذائية وتخزينها لمقاومة فصل الشتاء هذه هي خلاصة للفكرة التي طرحها الرفيق أبو فاتن ودارت حوارات حولها وكان لها مؤيدون ومعارضون ولكل رأي له مبرراته .

3- قرار تسليم العوائل لم يؤثر على معنويات وصلابة وإندفاع وفاعلية الرفاق الذين فارقوا عوائلهم ومنهم الرفيق توفيق آمر الفوج والرفيق أبو سربست وجمال مراني وعدد آخرمن الرفاق وبعضهم لهم معارف وأقارب من العوائل إضافة لعائلة الرفيق أبو عمشه الذي كان في الفوج الثالث في حينها وتوفر لدى جميع الرفاق إنطباع أن هؤلاء الرفاق هم مفخرة وقدوة وضربوا قوة المثل في التضحية ونكران الذات صحيح أن مشاعرهم مع عوائلهم وأطفالهم لكنهم في الواقع , إنهم مع عائلتهم الكبيرة رفاقهم وحزبهم فكانوا في معنويات عالية جداَ مع قدركبير من الفاعلية والثقة والأصرار والاقدام والتحدي إنهم مفخرة الحزب الشيوعي العراقي .

4- هناك حدثين ليس لهما جواب إلى الآن , الاول حصل مع مجموعتنا التي توجهت إلى منطقة الدوسكي سأتحدث عن ظروف هذه المجموعة بالتفصيل لاحقاَ , حيث إنفصل عن المجموعة أربعة رفاق بما فيهم آمر المجموعة ومعاونه ورفيقين آخرين في ظرف في غاية الخطورة . ولا يعرف سبب إنفصالهم عن المجموعة علماَ إنهم يعرفون المنطقة بشكل جيد وقد تركوا باقي المجموعة عدة أيام في المنطقة بلا دليل . والحدث الثاني أحد الأنصار الملتحقين قام بعدة محاولات غير موفقة تهدف للأيقاع بالمجموعة وتسليمها وسوف أشير لذلك لاحقاَ .

5- موقف بطولي لاحد الأنصار , إنه الرفيق أبو آيار حوصر في كَلي من قبل الجيش خلف قرية ميزة وطلب منه العسكر تسليم نفسه . فرفض وأخرج مسدسة وأودع آخر طلقة في رأسة وإستشهد وفضل الأستشهاد على أن يسلم نفسة إنها بطولة وشجاعة حقاَ .علماَ إنه حاصل على شهادة عليا في الفن التشكيلي من جامعة ايطاليا .

6- موقف بطولي آخرلاحد الأنصار ,إنة النصير حميد من السرية الرابعة مر بأمتحان صعب كان في مهمة في القرب من الموصل , قبل وأثناء التقدم العسكري ومعه في هذه المهمه النصير أبو ليلى والنصير أبو فلاح من التنظيم المحلي . وهم في مكان الأختباء في العمق في الكانتات ولصعوبة إنسحابهم ثانية إلى الجبل خطرة في بالهم فكرة التسليم . فطرحوا الفكرة على حميد فرفض الفكرة وذهب الاثنان وسلما أنفسهما وعاد هذا النصير الشجاع بمفردة وأبدى قدر كبير من التحمل لتلك الظروف وتبعاتها العطش والجوع والتعب والسهروإجتياز النقاط العسكرية . وقد حالفته الصدف في أحد ليالي إنسحابه المثقلة بالمتاعب وأثناء نزوله من سلسلة جبل القوش إلتقى بمجموعة الرفاق التي توجهت إلى الدشت ومنه تسللت إلى سورية وكان دليل المفرزة أثناء صعود الجبل من جهة دشت القايدية النصير الشجاع جمال مراني وحصل اللقاء و العناق الحار بينهما . وإلتقى حميد بالمجموعة وهذا موقف شجاع وصلابة لا تلين ممزوجة بالتفائل والثقة بالحزب والمستقبل .

7- موقف النصير خيري كان صغير في العمر ملتحق في السرية الرابعة من قرى دشت الموصل في فترة الحصار في جبل كَارا .كنت جالساَ والرفيق أبو ظاهر وعدد من الرفاق تقدم نحونا النصير خيري وقال رفاق أرجوا أن تبلغوا قيادة الفوج , بأن يضعوا إسمي في أول مجموعة إقتحام استشهادية إذا كانت هناك خطط إقتحامية . فأثنينا على صلابته وشجاعته وأكدنا له أن قيادة الفوج لم تدفع الرفاق لعمليات استشهادية فيها ضحايا غير مدروسه وسنخرج من الحصار بدون ضحايا . هذه بعض من المواقف والصور والحوارات والاحداث السلبية والايجابية العالقة في الذاكرة ,وهناك عشرات من المواقف والأحداث والملاحم التي مرت فيها المجاميع التي شكلت لاحقاَ .

تشكيل المجاميع الصغيرة لمواجة الاحتمالات ولفك الحصار العسكري :
بدأت تتشكل مجاميع بعضها تتسلل خلف خطوط العدو وترسم لها وجهه لايجاد منافذ ومناطق حدودية آمنة يتم الانتقال إليها بالتسلل من جبل كَارا . وكانت الوجهه آنذاك كل مجموعه تتمكن من إختراق الحصار وتصل إلى مكان حدودي أمين ترسل 2-3 رفاق لاصطحاب مجموعة أخرى من الأنصار وإيصالهم إلى ذلك المكان .

أول مجموعة أنصارية بطلة شكلت ووضعت لها مهمة التوجة نحو قضاء عقرة :
غالبية أعضاء هذه المجموعة هم كوادر عسكرية وحزبية وأنصار متمرسون ,مسؤول المفرزة هو الرفيق (هوار) من أهالي قضاءعقرة . لقد توجهوا إلى مناطق الزيبار التابعة لقضاء عقرة ولديهم وجهة لا نعرفها وكانت مهمتهم صعبة جداَ , لا تخلوا من المخاطر أن هذه المجموعة كانت في وضع صعب جداَ طيلة فترة خروجها من جبل كَارا بحكم سيطرة قوات الجحوش والعسكر على المنطقة والسيطرة على أغلب منافذها . وعلمنا لاحقاَ بأستشهاد عدد من الأنصار الابطال من هذه المجموعة ومنهم آمر المفرزة الرفيق الشهيد هوار وملازم رزكَار وريبوار وشيروان وكمال ( وإسمه الصريح علي خريج براتسلافيا ) وعاد عدد من أعضاء هذه المجموعة إلى الجبل بسلام ومنهم على ما أتذكر الرفيق أبو سلام وسرداروأحمد . ولحد هذه اللحظة أستطيع القول أن غالبية الانصار لا تعرف الشيئ الكثير عن الظروف الصعبة التي مرت فيها هذه المفرزة وكيف إستشهد هؤلاء الانصار الابطال .

وتم تشكيل عدد من المجاميع تتحرك في جبل كَارا بوجهات وأماكن مختلفة تبعد بعضها عن بعض , وشخصت على رأس أحد هذه المجاميع وكان عدد الانصار في هذه المجموعة التي كلفت بقيادتها تتكون من 12 نصير .ثم سحبت لأكون عضو في مجموعة أخرى وضعت لها مهمه سأتحدث عنها بالتفصيل .

كل هذه المجاميع التي تتحرك كان يتم اللقاء بها من قبل الرفيقين أبو سالار عضو ل.م آنذاك المسؤول الأول لأنصارالفوج الأول وآمر الفوج الرفيق توفيق ,وكان هؤلاء الرفيقين ينظمان ويديران العمل اليومي للقوة المحاصرة ومعهم في عملية التخطيط والتنفيذ والقيادة الرفاق أبو أمجد وأبو سربست وكان هؤلاء الرفاق في غاية من الهدوء والثقة العالية بقدرات الأنصار وكان معهم كادرين حزبيين هما أبو جواد وأبو سلوان .

المجموعة الثانية التي تشكلت للخروج من جبل كَار كانت مجموعتنا :
كنا في هذه الفترة من الحصار قد وصلنا في حركتنا في جبل كَارا بالقرب من مقر الفوج الاول . وفي الليل كنا منتشرين على شكل مجاميع وكل مجموعة لها حرس , سمعنا حركة غير طبيعية فقال لي الرفيق كريم هذا إشلون تقدم يتم في الليل , فقلت له ننتظر الحرس أصبح صوت الحركة قريب جداَ ولا توجد إشارة من الحرس , وفي هذه الأثناء مرت من جنبنا القوة المهاجمة من اليمين واليسار. عدا واحد من قوة هذا الفصيل المهاجم تقدم علينا وكان ضخم جداَ يصعب الحركة أو المناورة معه وكان يتحرك بسرعة وصعد فوق بطن الرفيق آرام الذي كان يبعد عني حوالي متر ونصف . وصعد الخنزير بسرعة فوق بطن آرام فتقدمنا نحو آرام للأطمئنان عليه وكنا نضحك على هذا المشهد المفاجئ فقال آرام رفاق أتحمل متاعب تقدم حقيقي ولا صعدة خنزير ضخم يزن طن على البطن لقد مرد أحشائي وتوقف تنفسي . كان غذائنا ومتعتنا في تلك الليلة هو الضحك المتواصل , بلا شك هناك مفارقات كثيرة ضحك فيها الأنصار وهم في أخطر الظروف وأصعبها . أشرت إلى مهمة تشكيل المجاميع في بداية الاسبوع الثالث من الحصار دعيت مساء أحد الأيام لأجتماع حضرة 16 نصير كان يقود الأجتماع الرفيقين أبو سالار والرفيق توفيق . وأبلغونا إننا تشكيلة لمفرزة وشخصوا آمراَ ومعاوناَ لها ورسموا لنا وجهة للتحرك ومهمتها بالتالي : عبور شارع سوارا توكا – زاويتا والتوجه إلى منطقة الدوسكي وعبور الخابور والتوجه نحو المثلث العراقي التركي السوري . وعند نجاح المهمة يرجع رفيقين إلى جبل كَارا لأصطحاب مجموعة أخرى من الرفاق والسير بنفس الاتجاه مع التأكيد على تجنب المواجهة العسكرية. تحركنا على الفور وتوجهنا بأتجاه قرية سواري واسبنداري من جهة وديان جبل كَار وووصلنا إلى الشارع العام لم نتمكن بمحاولتين من عبور الشارع بسبب النقاط العسكرية الكثيرة . فعادت المفرزة بعد ثلاث أيام إلى جبل كَارا وبعد يومين من العودة تم إعادة تشكيل المفرزة ثانية وبدل بعض أعضائها وشخص عشرة أنصار لهذه المهمة بدلاَ من 16 نصير , وأيضاَ بعد إجتماع مع الرفيقين أبو سالار والرفيق توفيق وكان مكان الاجتماع بالقرب من موقع الدوشكا التي كانت نقطة إسناد الفوج الاول وأعاد الرفاق في الاجتماع نفس الوجهة السابقة , وبعد الاجتماع مباشرة وعلى الفور بدأت رحلة الأيام الصعبة والشاقة والخطيرة لهذه المجموعة مع التأكيد أن كل المجاميع التي خرجت في مهام من جبل كَار واجهت ظروف غاية في الصعوبة والخطورة وإنتصروا عليها بصبر وإرادة شيوعية .

نزلنا من جبل كَارا في المنطقة المحصورة بين مقر الفوج وقرية سواري . واصلنا المسير بأتجاه منطقة عبور شارع سوارا توكا وبعد محاولة جادة في عبور الشارع كان الوقت قد تأخر لأن منطقة الدوسكي منطقة تكثر فيها التلال وقد يصعب الحصول على مكان صالح للأختباء قبل شروق الشمس , إنسحبنا إلى الخلف ثانية وإختبئنا في وادي يفصل بين جبل كَارا وقرية اسبندار وعلى يميننا من الخلف تقع ناحية سرسنك , وفي مساء اليوم الثاني إنطلقنا بأتجاه الشارع وتم عبوره بسهولة ودخلنا في منطقة الدوسكي .

 

25-9-2010


الذكرى ال22 لحصار قوات أنصار الحزب الشيوعي العراقي في جبل كَارا (3-5)
الذكرى ال22 لحصار قوات أنصار الحزب الشيوعي العراقي في جبل كَارا (2-5)
الذكرى ال22 لحصار قوات أنصار الحزب الشيوعي العراقي في جبل كَارا (1-5)

 


 

free web counter