|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الثلاثاء 26/3/ 2013                                فلاح علي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

خيار الحل السلمي للأزمة السورية لا يلبي
مصالح امريكا وبعض دول الناتو

فلاح علي

ان كان النظام السوري يتحمل مسؤولية تعقيد الأزمة السياسية في سورية , لعدم تجاوبه مع مطاليب المتظاهرين سلمياً , منذ بداية انطلاق التظاهرات السلمية في 15-3-2011 ., ولعدم قيامة بمبادرات سياسية ملموسة تساعد على حل الازمة السياسية سلمياً , ولجوئه لخيار الحسم العسكري .الا ان الاحداث الدامية في سورية منذ سنتين الى الآن اكدت ان المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة الامريكية ومن السائرين في فلكها من دول الناتو وبعض دول المنطقة تقف وراء اطالة امد الازمة السياسية في سورية , وتعيق حلها سلمياً . وهذه الدول مجتمعه مع النظام يتحملون مسؤولية ما آلت اليه معاناة ومآسي الشعب السوري , ومعهما يقف ايضاً التدخل الايراني وحزب الله في دعم النظام , فأن هذه الجهات مجتمعه هي السبب في اطالة امد الازمة السياسية في سورية.

الهدف من اطالة امد الأزمة بالنسبة للولايات المتحدة وبعض دول الناتو :
ارى من وجهة نظري ان هدف الولايات المتحدة وبعض دول الناتو من اطالة امد الازمة السورية , هو مصالحها الاستراتيجية في المنطقة , لهذا كانت تهيئ الاجواء الدولية والاقليمية والعربية لتدخل عسكري , وذلك عبر مساومات مع روسيا والصين لأستصدار قرار من مجلس الامن على غرار ما حصل في ليبيا , ولكن الولايات المتحدة الامريكية وحلف الناتو تيقنوا تماماً انه بات من المستحيل الحصول على قرار من مجلس الامن , وذلك بسبب الموقف الروسي والصيني ان وافقت هاتين الدولتين في مجلس الامن على التدخل العسكري في ليبيا , فأن سورية بالنسبة لروسيا والصين هي غير ليبيا , حيث تشكل سورية عمق استراتيجي في منطقة الشرق الاوسط بالنسبة للتواجد الروسي والمصالح الصينية , لا سيما وان منطقة الشرق الاوسط هي قريبة من حدود هاتين الدولتين , وما تشكله من خطورة عليهما في حالة اخلال التوازن وفي ظل وجود اسلحة نووية فيها . وتدرك الولايات المتحدة وحلف الناتو ان الاوضاع الدولية قد تغيرت عما هي عليه منذ عام 1998 و1999 عندما قصفت الولايات المتحدة بغداد ويوغسلافيا بصواريخ بعيدة المدى عبر المحيطات وبدون قرار من مجلس الامن , او عندما احتلت العراق في عام 2003 بدون العودة ثانية الى مجلس الامن لاستصدار قرار دولي , التغيير في الوضع الدولي باتجاه التعددية القطبية , اضعف التفرد الامريكي في السياسية الدولية عما كان عليه قبل عقد من السنين , حتى شعاراتها التسويقية التي جاءت بها لاحتلال العراق باتت لا تستهوي الشعوب مثل الدفاع عن حقوق الانسان او من اجل الحرية والديمقراطية , لان الحقوق والحرية والديمقراطية لا تأتي من خلال الحرب والتدخل العسكري وتجربة العراق ماثلة للعيان . لهذا يشهد العالم اليوم ازمة الدبلوماسية الامريكية تجاه الاوضاع في سورية ومنطقة الشرق الاوسط .

ازمة الدبلوماسية الامريكية تكمن في المواقف السياسية المزدوجة :
تحت ضفط الدبلوماسية الروسية من جانب , وضغط الراي العام الدولي , ومن تجربة العراق وبطلب من المبعوث الدولي كوفي انان , استجابت الولايات المتحدة لحضور مؤتمر جنيف الخاص بمجموعة العمل الدولية حول الوضع في سورية , وعقد المؤتمر في 30-6-2012 وحضرته الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن اضافة الى دول عربية ومثل الولايات المتحدة في الاجتماع السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية , خرج المؤتمر ببيان نشرته وكالات الانباء والتلفزة وعدد من الصحف والمواقع العربية وتضمن البيان نقاط سته اعلنها المبعوث الدولي السابق كوفي انان اكد على الضغط على جميع الاطراف لتطبيق البنود السته بما في ذلك وقف عسكرة الأزمة – والتاكيد على الحل بطريقة سياسية وعبر المفاوضات فقط – وتشكيل حكومة انتقالية من قبل السوريين انفسهم ومن الممكن ان يشارك فيها اعضاء من الحكومة السورية , متطرقاً الى احتمال اجراء تعديل على الدستور , واجراء انتخابات حرة ونزيهة . ومن صيغة البيان الذي نشر في 1-7 و2-7 -2012 لا توجد اشارة فيه الى سيناريوهات ليبية او تطبيق الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة . واكد البيان على العمل العاجل لانهاء العنف وانتهاكات حقوق الانسان . واكد البيان ان النزاع في سورية ينتهي فقط عندما يطمئن كل الاطراف بوجود طريقة سلمية نحو مستقبل مشترك للجميع في سورية . واكد البيان ان الشعب السوري هو الذي سيحدد مستقبل بلاده , وعلى كل المجموعات والشرائج في المجتمع ان تتمكن من المشاركة في عملية حوار وطني شامل . هذه هي فقرات مؤتمر جنيف حسب مانشرته وكالات الانباء وصحف . وحسب القانون الدولي ان اتفاقية جنيف اصبحت وثيقه دولية اعتمدتها منظمة الامم المتحدة ومجلس الامن , وان الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن قد وقعت على الوثيقه , وهذا يعني هناك ضمانات قانونية واجرائية وامكانيات وجهود دولية لتطبيق الاتفاقية . الا ان الولايات المتحدة الامريكية بسبب مصالحها في المنطقة ونتيجة ضغط بعض حلفائها من الدول العربية والاقليمية الرافضة لاتفاقية جنيف كقطر مثلاً , لجأت الولايات المتحدة الى التعامل بازدواجية مع قرارات مؤتمر جنيف , فهي من جانب في اللقاءات الثنائية مع الجانب الروسي تؤكد التزامها بمقررات مؤتمر جنيف , ومن جانب آخر تعطي الضوء الاخضر لتدخل قطر والسعودية وتركيا في الازمة السورية , وجاء اخيراً التصريح الغريب للرئيس الامريكي باراك اوباما عند زيارته لمنطقة الشرق الاوسط عندما قال ان امريكا لا تعارض اذا اقدمت اي دولة اوربية بتزويد المعارضة السورية بالسلاح , هذا مؤشر على ازمة الدبلوماسية الامريكية وازدواجية مواقفها السياسية , وفسر هذا التصريح بانه ضوء اخضر وموافقة ضمنية من امريكا لتزويد المعارضة بالسلاح من قبل اي دولة عضو في الناتو , وهذا الموقف يتعارض مع مقررات مؤتمر جنيف . ((اعقبه تصريح القائد الاعلى لحلف شمال الاطلسي الاميرال جيمس ستافريدس بقوله عن نية بعض دول الحلف القيام بشكل منفرد بعمل عسكري مستبعداً تدخل الحلف الا تحت مظلة قرار دولي كما حدث في ليبيا . وقال ان مسألة رفع حظر السلاح عن سورية لا تعني الاطلسي . )) (1) وهو يدرك قبل غيره انه بات من الصعب على الحلف في الظروف الدولية الحالية استحصال قرار من مجلس الامن فيما يخص التدخل في سورية . ولكن يُطرح سؤال هنا هل هذا التصريح يدخل في اطارلعبة او عملية توزيع الادوار ؟, وبالذات فيما يخص قيام بعض الدول بعمل عسكري بشكل منفرد , او رفع الحظر عن توريد السلاح .

الاتحاد الاوربي لا يوافق على تزويد المعارضة بالسلاح :
في اجتماع دول الاتحاد الاوربي في العاصمة الايرلندية دبلن وبحضور وزراء خارجية دول الاتحاد الذي ابتدأ يومي 22و23-3-2013 , اخفق الاجتماع في التوصل الى اتفاق لتزويد المعارضة السورية بالسلاح بعد ان نافشوا طلب تقدمت به كل من فرنسا وبريطانيا .(2) , كما ان موقف فرنسا وبريطانيا تعرض الى انتقادات من قبل رئيس البرلمان الاوربي ( مارتن شولتز) . (( وقال شولتز الألماني الاشتراكي الديمقراطي في مقابلة مع التلفزيون الألماني "ان24"، الجمعة: "اتمنى ألا نرتكب الخطأ نفسه الذي نراه في معظم الأحيان داخل الاتحاد الأوروبي، أي دول تتحدث بشكل فردي قبل الآخرين". وأضاف: "يجب أن نناقش بهدوء لنعرف ما إذا كان رفع الحظر يمكن أن يحقق هدف إقامة حكومة ديمقراطية بدلا من الأسد". وتابع أن "الأمر يتطلب دراسة معمقة"، معتبرا أن المستشارة الألمانية انغيلا "ميركل ليست مخطئة بشأن هذه المسألة. ذلك أن إرسال شحنات أسلحة إلى المعارضة سيؤدي إلى إرسال شحنات أسلحة أخرى إلى نظام الأسد من قبل بلدان اخرىأ".)) (3) . وذكرت وكالة رويترز أن كاترين آشتون مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الاوربي تشكك في مدى تأثير مثل هذه الخطوة على المحاولات الرامية للتوصل إلى تسوية سياسية هناك، كما أنها أبلغت قادة الاتحاد الأوروبي في قمة الجمعة، بضرورة التفكير بحرص شديد في تداعيات رفع حظر السلاح. ((وأضافت آشتون من بروكسل إنه ينبغي على الاتحاد الأوروبي التشاور مع الوسيط الدولي الأخضر الإبراهيمي، ورئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض معاذ الخطيب، بشأن مدى تأثير رفع الحظر على جهودهما الرامية لبدء المحادثات لإنهاء الأزمة السورية".)) (4) .

استنتاجات اضعها امام الشعب السوري وقواه الوطنية والديمقراطية المعارضة وشخصياته المستقلة والاجتماعية :
1- ارى ان وثيقة مؤتمر جنيف تعد اهم وثيقة دولية صدرت الى الآن فيما يخص الازمة السورية , رغم عدم موافقة المعارضة والجيش الحر عليها , اضافة الى عدم موافقة النظام على بعض فقراتها , الا ان اهميتها تكمن في ايقاف نزيف الدم السوري , وتؤكد على الحل السلمي للازمة السياسية في سورية . وان توفرت النوايا الصادقة من الاطراف الدولية في تنفيذها , فانها تضمن مصالح الشعب والوطن في سورية لكن هناك اطراف دولية واقليمية وقوى متشدده داخل المعارضة تعول على الحسم العسكري وترى هذه القوى مجتمعة ان هذه الوثيقة الدولية لا تخدم مصالحها وتوجهاتها الاستراتيجية .

2- ارى انه لا يزال الوقت ملائم لتنفيذ اتفاقية جنيف , وذلك من خلال الضغط على القوى المتشددة وعلى النظام لقبول الاتفاقية والبدأ بالحوار وصولاً للحل السلمي, اضافة للضغط الدولي على الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا التي وقعت على الاتفاقية والعمل على تنفيذها .

3- تزويد المعارضة في السلاح من قبل بريطانيا وفرنسا والدعم اللوجستي والفني اضافة الى الدعم الاستخباراتي من قبل ال CIA سوف يعقد الازمة , وسوف تستمر مآسات الشعب السوري فترة اطول وسيزداد الدمار والقتل والتهجير, كما ان تزويد المعارضة بالسلاح , هذا يعني ان هذه الدول الاعضاء في مجلس الامن قد فرضت على المعارضة اختيار طريق الحل العسكري , الذي لن يأتي بالديمقراطية ولن يضمن مصالح الشعب والوطن في سورية .

4- تصريحات الرئيس الفرنسي هولاند في الاسبوع الماضي حول تزويد المعارضة في السلاح , وحسب ما نشرته وكالات الانباء اذ قال(ولأننا تلقينا هذه (الضمانات) فإننا نستطيع تصور رفع الحظر. يقصد بالضمانات عدم وصول الاسلحة للقوى المتطرفة في المعارضة السورية وتابع أن المعارضة ستتلقى أيضا دعما فنيا إذا تم إرسال أسلحة لها. وكان كيري وزير الخارجية الامريكي قال في وقت سابق ((إن " الولايات المتحدة بدأت في الأشهر الأخيرة تثق بالآلية المستخدمة لإيصال الأسلحة إلى المعارضة وأنها الآن تصل إلى الجهات الصحيحة"، مضيفا أنه أجرى "محادثات مع دول في المنطقة بشأن أنواع الأسلحة التي ترسل إلى قوى المعارضة السورية، وكيفية ضمان وصولها إلى القوى المعتدلة".)) (5) . اني ارى ان هذين التصريحيين ليس انهما لا يخليان من السذاجة السياسية فقط وانما , هما تبريران غير واقعيان ولا يأخذان بنظر الاعتبار مصالح الشعب السوري والهدف هو لسد الطريق امام الحوار والحل السلمي , هذا اولاً وثانياً ان التصريحيين لا يكترثان لنزيف الدم الجاري في سورية ولمعانات الشعب السوري ومآسية والدمارالمتواصل , بقدر ما يعنيهما مصالحهما الاستراتيجية في سورية والمنطقة , لهذا ستبقى دبلوماسيتهما وسياستهما الخارجية في ازمة مستمرة . واقع الحياة يؤكد انه لا توجد الى الآن اي آلية او اية ضمانات او كونترول دولي يضمن عدم وصول الاسلحة لعناصر متطرفة , طالما يصل عن طريق دول وشركات مع وجود المال السياسي والتداخل ما بين التشكيلات العسكرية فانه لا توجد اي ضمانه لعدم تسريب السلاح الى القوى المتطرفة وهم يدركون ذلك قبل غيرهم . ان السلاح سيصل الى هذه القوى المتطرفة وستسهم هذه الدول في توطيد مواقع القوى المتطرفة في سورية , وبلا شك سيمتد خطر هذه القوى المتطرفة الى عدد من دول المنطقة .

5- اني مع ايقاف امدادات السلاح الى الاطراف المتنازعة سواء الى المعارضة او الى النظام السوري من طرف ايران وروسيا , رغم وجود اتفاقات دولية بين سورية كنظام وروسيا لامدادها بالسلاح , ولكن ايقاف امداد النظام بالسلاح في الظرف الحالي , هو ضرورة ليساعد كورقة ضغط على النظام من جانب والمعارضة من جانب آخر للقبول بالحوار والحل السلمي وايقاف الدمارونزيف الدم في سورية . مع التأكيد على ملاحظة انه في القانون الدولي لا يسمح بارسال الأسلحة إلى الجهات او المنظمات غير الحكومية. وبالتالي فإن تزويد المعارضة بالاسلحة يعني خرقا للقانون الدولي.

6- ماكنة الاعلام لعدد من الدول الاعضاء في الناتو ولبعض الدول العربية والاقليمية, بدأت تصور الاوضاع في سورية بانها حرب طائفية , وهم بهذا ليس فقط يقدمون اسائة للشعب السوري , وانما يهيئون لسرقة وقطف ثمار ثورة الشعب السوري وتضحياته الجسام , من اجل التغيير وتوظيفها لخدمة مشروعهم الاجرامي في منطقة الشرق الاوسط ويصورون ان كل ما يجري فيها هو حرب طائفية , وينكرون طبيعة تركيبة الشعوب المتعددة القوميات والاديات والاتجاهات السياسية المتنوعة فيها, ويلغون طبيعة الصراع بانه صراع سياسي بين الشعوب والنظم الدكتاتورية من اجل الحقوق والحريات والديمقراطية , الا انه أخذ جانب عنفي في بعض البلدان مثل سورية .

7- اتفاقية جنيف اكدت على تشكيل حكومة من المعارضة ومن القوى الاجتماعية والسياسية داخل البلد ومن النظام , لادارة شؤون الدولة خلال المرحلة الانتقالية وتهيئ للانتخابات وتعدل الدستور والقوانيين وذلك لارساء اسس النظام الديمقراطي في سورية , الا ان الضغط الامريكي وبعض دول الناتو على المعارضة دفعها للاجتماع في الاسبوع الماضي لأنتخاب رئيس للحكومة وتم انتخاب السيد غسان هيتو رئيساً للحكومة المؤقته , واول تصريح اطلقه السيد غسان هيتو حسب ما نشرته وكالات الانباء حيث قال في تصريحه ( لا حوار مع النظام ) . ارى من وجهة نظري ان تشكيل الحكومة الانتقالية بهذه الطريقة هي ليس كما جاء في اتفاقية جنيف الداعية الى تشكيل حكومة تمثل الشعب السوري معارضة الداخل والخارج وبمشاركة شخصيات مستقلة وعناصر من داخل النظام الحالي , انطلاقاً من ان سورية كوطن هي ملك لجميع السوريين وليس لمجموعات بعينها , كما ان تشكيل الحكومة بهذه الطريقة وتصريحات رئيسها المنتخب اكدت على نسف مبادرة السيد معاذ الخطيف باجراء حوار مع النظام , كما انها ليس فقط غلقت الطريق امام الحوار وانما وضعت عراقيل جديدة وغير مبرره امام طريق الحل السلمي للازمة السورية .


25-3-2012

1- وكالة انباء نوفوستي في 20-3-2013 .
2- وكالات الانباء 23-3-2013 .
3- انباء موسكو 23-3-2013 .
4- وكالة انباء نوفوستي17-3-2013 .
5- جون كيري- مصدر سبق ذكره – في 15-3-2013 .


 


 





 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter