|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأثنين 25/2/ 2013                                فلاح علي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

خريف الاسلام السياسي قادم وفرص
المناورة اصبحت محدودة

فلاح علي

لابد من الاشارة في البدء ان تونس هي البلد العربي الاول الذي بدأت فيه احداث الربيع العربي وانتصر فيها الشعب على دكتاتورية زين العابدين بن علي , بعد تقديم تضحيات جسام على طريق الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية. الذي حصل ان الاسلام السياسي المتمثل بحزب النهضة قطف ثمار ثورة الشعب التونسي رغم مشاركة حزبيين آخريين في الحكم , وفي مصر ايضاً هيمنت جماعة الاخوان المسلمين على البرلمان ورئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية . ويعود ذلك لاسباب ومنها على سبيل المثال لما تملكه هذه الاحزاب من امكانيات مالية وظفتها بشكل جيد في حملاتها الانتخابية مع سيطرة على الاعلام وممارسة الخطاب الديني ودعم خارجي , ولتشتت القوى الديمقراطية واليسارية والوطنية وقلة امكانياتها المالية والمادية والاعلامية وغيرها من الاسباب . ولكن ما نشهده الآن هو ظهور ملامح ومعطيات تؤكد ان خريف الاسلام السياسي سيبدأ من تونس ايضاَ مروراَ بمصر وبقية البلدان .

ما الذي حصل بعد ان سيطر الاسلام السياسي على السلطة :

بدأت قوى الاسلام السياسي بأرتكاب اخطاء وتجاوزات وانتهاكات للحقوق والحريات اضافة الى العمل ليل نهار مع رصد الاموال لتسويق فكرها وآيدلوجيتها الاستبدادية والعمل على سيادتها في المجتمع والدولة من ثم التوجه الى تحويل الدولة من مؤسسة وطنية تعبر عن مصالح الوطن والشعب بكافة قومياته واديانه وفئاته الاجتماعية واحزابه الوطنية , الى تابع للقوى المهيمنة كما وظفت هذه القوى الدولة في الصراعات الطائفية ومع الخصوم والمعارضين . ولهذا فأن الاسلام السياسي لا يبني دولة وطنية ديمقراطية محايدة لا بل يسهم في الاستئثار والغاء الآخر والاقصاء , وهذا ما يحصل في العراق ايضاً من قبل قوى الاسلام السياسي , وتسعى هذه القوى في هذه البلدان (تونس والجزائر والعراق مثالاً) وغيرها من البلدان ومن خلال البرلمان والدولة بالعمل على سن قوانين لصالحها ولصالح ديمومة بقائها في الحكم ولتهيئة الاجواء من خلال القوانين لأسلمة الدولة والمجتمع .

ما هي النتائج التي حققها الاسلام السياسي للشعوب التي تحكمها :

ارى من وجهة نظري ان من سوء حظ الشعوب العربية التي ناضلت وقدمت تضحيات جسام ضد الانظمة الدكتاتورية واسقطتها من خلال انتفاضات الربيع العربي هو تسلل الاسلام السياسي الى السيطرة على الدولة وقطف ثمار الربيع العربي , ان قوى الاسلام السياسي مصالحها لا تلتقي مع تنفيذ او تلبية اهداف انتفاضات الربيع العربي , كما ان قوى الاسلام السياسي مصالحها وآيدلوجيتها لا تسمح لها بأقامة نظام سياسي ديمقراطي جديد وبناء دولة المؤسسات الديمقراطية , وهي ايضاً اي احزاب الاسلام السياسي ليس لديها برامج اقتصادية لغرض تحقيق عملية تنمية اجتماعية واقتصادية في المجتمع , وبحكم آيدلوجيتها الاستبدادية فهي معادية للثقافة وللفكر الآخر, ان آيدلوجية الاسلام السياسي تفرض على الشعوب الدخول في انفاق مظلمة من خلال اثارة الصراعات السياسية والطائفية والتشجيع على ممارسة العنف كما هو الحال في تونس ومصر وغيرهما من البلدان , كما ان الاسلام السياسي يعمل على تشويه طبيعة واقع كل شعب , ومن خلال توجهاتها وخطابها السياسي المتشنج فهي تلغي القوميات الصغيرة في المجتمع وتلغي او تسعى الى تحجيم التيارات السياسية والفكرية في المجتمع وحتى الاديان الاخرى وعلى سبيل المثال في العراق يوجد تنوع قومي وديني وسياسي وفكري الا ان الاسلام السياسي ومعهم القوميون اللاديمقراطيون في خطابهم السياسي يكذبون على انفسهم اولاً لان طبيعتهم الفكرية هي مصادرة الحقوق والحريات فيدّعون زوراً خلاف الواقع , فيكررون في الاعلام وفي وثائقهم ان الشعب العراقي يتكون من السنه والشيعة والاكراد فهذا الطرح في الواقع هو الغاء للآخر ولتهيئة الارضية لواقع جديد في العراق هو ترسيخ المحاصصة الطائفية والأثنية فيما بينهم . اضافة الى انها اي احزاب الاسلام السياسي ليس لديها برامج سياسية واقتصادية , فهي تكون سبب في الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذا البلد او ذاك . وقد عجز الاسلام السياسي عن توفير الخدمات وحل مسألة البطالة ولم يتمكن من انهاء الفقر لا بل عمق الفقر في البلدان التي حكمها واشيع الفساد المالي والاداري ولم يتمكن من انهاء الارهاب وتوفير الامن والاستقرار وغير قادر على تطوير الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية واقامة المشاريع الكبرى في الصناعة والزراعة .

ان الاسلام السياسي يعتقد خطأ ان الشعوب العربية بحاجة الى فكرهم وآيدلوجيتهم او الى خطابهم السياسي المليئ بالشعارات والوعيد وبتجاهل الحقوق والحريات , وان الاسلام السياسي الى الآن رغم فشلة في بناء الدول الوطنية الديمقراطية وعدم قدرته على توفير العيش الكريم للشعوب التي يحكمها, ومع هذا فهو يجهل فهم طبيعة الشعوب, وكأن الشعوب بحاجة الى آيدلوجية وخطاب وشعارات الاسلام السياسي لاجل ان تعيش بدلاً من حاجتها الى الكهرباء والغذاء وطرق المواصلات والعمل والامن والاستقرار والتنمية والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والقوانين التي تضمن دولة المواطنة ... الخ . ما اكدته تجربة تونس ومصر والعراق ان قوى الاسلام السياسي الحاكمة اليوم , لم تستفد من الدروس والاخطاء والانتهاكات والتجاوزات التي افرزتها تجارب الانظمة الدكتاتورية , وما عانته الشعوب من سيطرة انظمة الاستبداد والدكتاتورية في الحكم فترة طويلة .

الاستنتاجات من تجربة حكم الاسلام السياسي رغم قصر فترتها :

لا اريد الخوض في طبيعة الاوضاع السياسية في عدد من البلدان التي تحكمها او تهيمن فيها قوى الاسلام السياسي في تونس او مصر او العراق وغيرها من البلدان , الاوضاع السياسية في هذه البلدان معروفة للجميع ولكن اشير هنا الى استنتاجات توصلت اليها من خلال متابعتي اليومية لتطورات الاحداث وازماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية والمدنية .... الخ ومن هذه الاستنتاجات ارى من وجهة نظري التالي :

1- ان قوى الاسلام السياسي الحاكمة جميعها دخلت في ازمات سياسية وفكرية وتنظيمية داخلية فيما بينها هذا اولاً وثانياً داخل كل فصيل منها وثالثاً فيما بينها وبين المجتمع , حيث اكدت عجزها وفشلها في ادارة الحكم وفي تلبية حاجات الشعوب . وعجزها في حل الملفات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والقانونية في كل بلد.

2- اي ان الشعوب اختبرت هذه القوى رغم قصر فترة حكمها , ففقدت الثقة فيها وبدأت هذه القوى تخسر من شعبيتها ومن رصيدها في المجتمع , وهي تواجه الآن اصطفافات من قوى واحزاب وفئات اجتماعية معارضة لها , وتؤكد التجربة العملية الآن في هذه البلدان وغيرها ان هناك قوى وشرائح شعبية كانت قريبة الى قوى الاسلام السياسي او متحالفة معها او محسوبة عليها قد انسحبت منها وبعضها انتقل الى صفوف المعارضة .

3- قوى الاسلام السياسي الحاكمة هي الآن في تراجع وانعزال وايام صحوتهم كما قيل انتهت , رغم انهم لا يزالون يحظون بدعم اقليمي اعلامي وسياسي ومالي ولوجستي من الدول الاقليمية قطر والسعودية وتركيا وايران اضافة الى تأييد الولايات المتحدة الامريكية لهم لانهم يضمنوا مصالحها الاستراتيجية في منطقة الشرق الاوسط ,ولكن شعبيتهم في تناقص وسواء كانوا احزاب ام كتل فأن الاصطفافات والانقسامات ستتزايد في صفوفهم بسبب فشلهم في ادارة الحكم ومساهمتهم في تفاقم ازمات الشعوب وتفاقم ازماتهم الداخلية.

4- ان فشلهم في ادارة الدولة لن يعود الى قصر فترة حكمهم , وانما يعود الى غياب البرامج والى آيدلوجيتهم وفكرهم الاستبدادي الشمولي الاقصائي التآمري , فهم جاءوا الى السلطة من خلال آليات الديمقراطية وصناديق الاقتراع الا انهم ينقلبون لاحقاً عليها ويتمسكون بالسلطة ويمارسون الاستبداد والاقصاء ويصادرون الحقوق والحريات .

5- التجربة أكدت ان آيدلوجيتهم في طريقها الى التفسخ والتحلل والانعزال او الانكفاء ثم الانهيار, كما تفسخت آيدلوجية الاحزاب القومية المتطرفة وانهارت في النهاية ومنها آيدلوجية دكتاتوري الحكم السابق في العراق , وتجارب تأريخ الشعوب تؤكد على صحة هذا الاستنتاج . هنا قد يطرح سؤال ان هذا الطرح يحمل رؤية متفائلة وها هي الحركات الاسلامية بعضها حاكمة وبعضها متطرفة منتشرة وعلى سبيل المثال في افغانستان وباكستان والصومال وعدد من البلدان العربية وانتشار الارهاب والعمليات الانتحارية يؤكد على ذلك؟ انه بحق سؤال يحتاج الى جواب اكثر من مقالة , ولكن اوجز بعض من الجواب بالكلمات التالية : سياسة الولايات المتحدة الامريكية لعبت دور كبير في انتشار الحركات الاسلامية المتطرفة , وبضوء اخضر من امريكا فتحت خزائن الدول التالية لدعم هذه الحركات مالياَ وهي قطر والسعودية بالاساس وتركيا , اضافة للدعم الايراني لحركات الاسلام السياسي , لكن هذا الدعم وهذا الدور الامريكي والاقليمي سيضعف ويتراجع من خلال ضغط التوازن الدولي بين الاقطاب الدولية . تعتاش هذه الحركات على الجهل والتخلف والفقر وما الجمعيات الخيرية التي تقيمها هذه الحركات الا تأكيد على ذلك , غياب الديمقراطية لعقود في البلدان العربية , تشتت القوى الديمقراطية واليسارية والليبرالية والوطنية وغياب وحدة العمل المشترك فيما بينها وهناك اسباب وعوامل اخرى .

6- صحيح ان انتفاضات الربيع العربي لم تحقق اهدافها بعد , ولكن الربيع العربي لن ينتهي فهو يمثل عملية معقدة تتشابك فيها عوامل وتتداخل فيها مصالح دولية واقليمية تؤثر على المسار والتحرك اضافة الى عوامل داخلية , فمن وجهة نظري ان الربيع العربي هو في تواصل واستمرارية ولكن ببطء وان الحراك الجماهيري في تصاعد والحراك يعبر عن عملية الصراع بين قوى الشعب الطامحة الى الحرية والديمقراطية وبناء الدول على اسس دساتير ديمقراطية وتقدم الاوطان , والعمل بالقوانين وليس بفتاوي وتوجهات مرشد الحركة الاسلامية في هذا البلد او ذاك ، وضمان العيش الكريم للشعوب , وبين قوى آيدلوجية معادية لهذه الوجهة ومدعومة اقليمياَ ودولياَ وما يحدث في تونس ومصر الآن هو مثال حي على ان الحراك الجماهيري في تصاعد من اجل تحقيق اهداف الربيع العربي ونجد ان الاسلام السياسي الحاكم في هذين البلدين وعدد من البلدان يعيش العزلة والتراجع وتفاقم ازماته وازمات المجتمعات .

7- تتهيأ الآن ارضية لتوسع النشاط الجماهيري والاعلامي والسياسي والاجتماعي لكل القوى الوطنية والديمقراطية واليسارية والليبرالية في كافة البلدان العربية, وبمقدور هذه القوى ان تلعب دوراَ مؤثراً بأتجاهات التغيير الديمقراطي والتأثير على بعض قواعد قوى الاسلام السياسي المعتدل, اذا ما تمكنت من انهاء تشتتها , واقامة وحدة النشاط والتنسيق المشترك فيما بينها , وعلى صعيد العراق ضرورة ان تتجاوز بعض قوى اليسار والديمقراطية في كردستان العراق ,الخصوصية المفتعلة كونها قوى من قومية ثانية وفرضت على نفسها العزلة السياسية , بسبب نهجها القومي وضيق افق فكرها وتبعيتها للاحزاب القومية في كردستان العراق , عليها ان تفك اسرها وتقيم وحدة العمل والنشاط المشترك مع القوى اليسارية والديمقراطية العراقية , لان بناء االدولة الديمقراطية هو الاهم على صعيد العراق وهي الضامنة للحقوق والحريات والفيدرالية والديمقراطية اما المحاصصة الطائفية والاثنية فهي الضامن لمصالح قوى الاسلام السياسي وحلفائهم , والمتضرر من هذه المحاصصة الوطن والشعب العراقي بكافة قومياته واديانه وفئاته الاجتماعية وقواه الوطنية والليبرالية والديمقراطية واليسارية .



24-2-2012


 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter