|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الجمعة 14/9/ 2012                                فلاح علي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

خليفة العراق الجديد هل سيتمكن من تحقيق توجهاته
في بناء الدولة الدينية

فلاح علي

اخترت في مقدمة عنوان المقالة مفهوم خليفة بدلاَ مما هو مستخدم في القاموس السياسي مفهوم دكتاتور لسبب بسيط ليس كل دكتاتور يؤسس لدولة دينية اما الخليفة فيعتبر نفسه مكلف لتهيئة بيئة ملائمة لتأسيس دولة دينية . الانتخابات البرلمانية لعام 2010 بتشابك عوامل داخلية وخارجية ساعدت على ظهور تشكيلة في الحكم غريبة عن طبيعة النظم السياسية في العالم , وبالعودة الى الحملة الانتخابية البرلمانية لعام 2010 صرح السيد رئيس دولة القانون امام تجمع لرؤساء عشائر وقوات اسناد عندما قال باللهجة الشعبية (اكو واحد يكَدر ياخذه من عدنا خاطر انسلمه يقصد السلطة). بهذا التصريح كان يرغب في تحقيق حلمه بأن يكون خليفة للعراق يحكمه الى الابد باسم الديمقراطية في القرن الواحد والعشرين ولكن بعقلية قديمة وبالضد من الدستور الذي صادق عليه الشعب .

عملية اغلاق النوادي الاجتماعية والثقافية ليست هي الصولة الاخيرة :

وانما ستلحقها صولات اخرى لخليفة العراق الجديد ستستهدف كل ما هو ذو محتوى ديمقراطي مثبت في فقرات الدستور العراقي وبالذات ما تبقى من الحقوق والحريات المنصوص عليها في الباب الثاني من الدستور وستكون جولاته في الاقساط وعلى مراحل , وقد اختبره شعبنا ان صولاته هذه عادةً ما ينفذها في الازمات السياسية لان الازمات بالنسبه له ولكل معادي للديمقراطية هي البيئة الملائمة لتحقيق مآربهم وتوجهاتهم واحلامهم ، هذه هي حقيقة وطبيعة المؤدلجون من احزاب الاسلام السياسي انهم يعملون في الظلام ولا يترددوا من استخدام كل الوسائل القذرة لمصادرة الحقوق وقمع الآخر انهم استبداديون شموليون .

ان حملة اغلاق النوادي الاجتماعية والثقافية بدأت ضمن سلسلة حملات مخطط لها قبل اربع سنوات , لنستذكر بعض من هذه الحملات او الممارسات - منع مهرجان للموسيقى في مدينة بابل ، ثم قرار آخر وزاري لم ينفذ بسبب الاحتجاجات الواسعة كان يهدف الى اغلاق قسم المسرح والموسيقى في معهد الفنون الجميلة ، وقرارات وزارية اخرى بصدد عزل الطالبات عن الطلبة الا انهم لم يتمكنوا من تنفيذها بعد ، ثم الهجمة الظلامية على مؤسسة الثقافة والادب في العراق اتحاد الادباء بحجة وجود مشروبات روحية ، والصولات ضد الثقافة والأرث الوطني الحضاري تطول الى ان وصلت الى منع دخول السافرات في مدينة الكاظمية, وكأنه مثبت نص في الدستور العراقي وهو الحريص على تطبيقه ، ثم وصلت الى اغلاق النوادي الاجتماعية والثقافية ومحاربة الناس بأرزاقها ومعيشتها وكذا محاربة أرث وتقاليد شعبنا وثقافته الاجتماعية ومداهمة اتحاد الادباء ثانية .

يتوهم كل من يتوقع في ظل حكم خليفة العراق الجديد ستتوقف الغزوات الظلامية على الفن والموسيقى والسينما والأرث الوطني المنفتح والمتنوع بتنوع قوميات واديان شعبنا العراقي , خليفة العراق الجديد ومعه احزاب الاسلام السياسي المؤدلجة يريدون لوناَ واحداَ للعراق هو اللون الاسود , بلا موسيقى ، بلا غناء ، بلا مسرح ، بلا فن ، بلا مشروبات ، بلا تنوع ثقافي وفكري ، ومصادرة كل الحقوق والحريات ، وتهميش الآخر والعمل على زوالة ، وتكريس الفكر الواحد الشمولي الاستبدادي وصولاَ الى اسلمة القوانين والمجتمع .

ما هي اسباب ظهور خليفة مستبد في العراق يحكم باسم الدستور :

بدون الدخول في تفاصيل الوضع السياسي في العراقي وازماته الخطيرة الذي يعتبر خليفة العراق الجديد سبباَ او طرفاَ فيها . فلا بد هنا من ذكر بعض اسباب ظهور خليفة مستبد في العراق :

1- الاسباب الخارجية معروفة لكل مواطن عراقي ، هو الدور الامريكي والايراني حيث التقت مصالحهم في العراق على هذا الاختيار لخليفة العراق .

2- اما الاسباب الداخلية فهي كثيرة ودخلت فيها مصالح ذاتية ومحاصصات ومساومات على حساب مصالح الشعب والوطن وبالضد من بناء ديمقراطية حقيقية في البلاد , وعلى ضوء هذه العوامل الداخلية المتشابكة مجتمعة تأسس نظام المحاصصة الطائفية والقومية وانتج خليفة جديد فتضرر الشعب والوطن من نظام المحاصصة , كما تضرر بعض المتحاصصين في الحكم قبل غيرهم وهم يتجرعون الآن كأس سم محاصصتهم الدنيئة والمخزية .

امثلة على تآمر المتحاصصون على الديمقراطية :

1- التحالف الكردستاني يتحمل المسؤولية الاولى لتأسيس نظام المحاصصة الطائفية والقومية في العراق وما آلت اليه الاوضاع من مخاطر أضرت بمصالح الشعب والوطن ومصادرة الدستور, وبهذا فأن التحالف الكردستاني لم يستفد من تجارب الشعب الكردي عندما فشلت ثورته في عام 1975 , ان قادة التحالف الكردستاني في ممارساتهم هذه يؤكدون للشعب العراقي انهم في غيبوبة فكرية كأنهم في نوم دائم او انقطاع متواصل عن الواقع وعن حاجات الشعب وتطلعاته منذ عام 2003 الى الآن , انهم لا زالوا يعيشون في وهم بأنهم سوف يحققون الفيدرالية لكردستان من خلال المحاصصة وليس من خلال بناء النظام الديمقراطي التعددي التداولي في العراق .

2- من الممارسات العملية التي قام بها التحالف الكردستاني في تآمره على الديمقراطية , لا بد من الاشارة الى مساومته التي قدمها للطائفيين من الاسلام السياسي بموافقته على تغيير قانون الانتخابات البرلمانية لعام 2010 , وبهذا التغيير سمح المتحاصصون لانفسهم باسم الديمقراطية بسرقة صوت المواطن العراقي ,حيث بلغت عدد الاصوات التي تم مصادرتها حوالي مليون ونصف المليون صوت ، قرابة 40 مقعد برلماني وهي جميعها ملك للديمقراطيين والليبرالبيين والمستقلين . وبهذا فأن التحالف الكردستاني مشارك فاعل في خنق وقتل الديمقراطية في مهدها , واعادوا تكرار خطأهم ثانية بموافقتهم على قانون انتخابات المحافظات , هذه الممارسات المعادية للديمقراطية مهما كانت مبرراتها هي في العلم السياسي معادية لحقوق المواطنة ومصادرة الحقوق والحريات والغاء الآخر , وتؤسس للاستبداد , يتطلب ليس فقط نقدها وانما خوض الصراع الفكري والاعلامي ضدها .

3- السيد رئيس الجمهورية يتحمل المسؤلية ايضاَ في تنامي استبداد خليفة العراق , حيث تجاوز على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الباب الثاني من الدستور مرات عدة ولم يكن لرئيس الجمهورية دور للحد من تجاوزات خليفة على الدستور لا سيما يعتبر رئيس الجمهورية الحارس على الدستور .

4- البرلمان وتشكيلته وصراعات الكتل الذاتية ابعدتهم عن دورهم الرقابي مع عدم جديتهم في متابعتهم للتجاوزات التي قامت بها الحكومة على الحقوق والحريات وايقافها , وبهذا فأن البرلمان قد تخلى عن دوره الرقابي في حماية الدستور واطلق العنان لخليفة العراق .

5- وظف خليفة العراق الدولة ومؤسساتها واعلامها وامكانياتها لخدمة توجهاته, وساعده في ذلك الصلاحيات المثبته في الدستور ومع الثغرات الموجودة في الدستور وعدم تحديد مدة زمنية لولايته , وتفسيرات طاقمة الاستشاري لبعض مواد الدستور لصالحه ساعد ذلك على تعزيز فرديته وتسلطه .

6- ضعف القطب الثالث قوى اليسار والديمقراطية وغياب التنسيق المشترك وعدم دخولهم بقائمة موحدة وخسارتهم للأنتخابات البرلمانية لعام 2010 للأسباب المعروفة كما ان هناك قوى وشخصيات محسوبة على التيار الديمقراطي لم يكن لديها رؤية فكرية بعيدة المدى ( استراتيجية ) لطبيعة احزاب الاسلام السياسي . حيث ظللت هذه القوى والشخصيات اعضائها وجماهيرها , انه بالامكان اقامة تحالف عابر للطوائف مع دولة القانون او بقية احزاب الاسلام السياسي وصوّروا احزاب الاسلام السياسي القاطرة التي يمكن من خلالها الوصول الى بناء الديمقراطية في العراق, ولم تدرك هذه القوى والشخصيات ان هناك زوايا حادة عديدة تتقاطع مع فكر الاسلام السياسي ويصعب تسويتها معهم , فركضوا وراء السراب وضللوا انفسهم واعضائهم وجماهيرهم واضروا بالتيار الديمقراطي وساهموا بتسويق شخصيات الاسلام السياسي .

هل يتمكن الاسلام السياسي وخليفة العراق من بناء الدولة الدينية :

تؤكد تجارب الشعوب ان الاسلام السياسي غير قادر على بناء الدولة المدنية الديمقراطية , في البلدان التي حكمها ,لأن منظومته الفكرية لا تسمح بضمان الحقوق والحريات , وليس لديه حلول للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية , وبهذا فأن الازمات ومنها الاقتصادية والاجتماعية والفقر والتهميش وغياب الامن والاستقرار وعدم توفير الخدمات هي سمة مميزة للاسلام السياسي عندما يستلم السلطة السياسية . ولكن الحياة وتطوراتها وطبيعة المجتمعات وتنامي متطلباتها تؤكد ان الاسلام السياسي وان مسك بالسلطة لظروف وعوامل خارجية وداخلية لكنه لا مستقبل له سيفقدها , لأن مصالح الشعب والوطن لا يضمنها الاسلام السياسي والمجتمعات بحاجة الى الديمقراطية والتعددية والتنوع الفكري والثقافي وضمان الحقوق والحريات وفكر الاسلام السياسي لا يلبي حاجات المجتمعات هذه , فلن يتمكن الاسلام السياسي من بناء الدولة الدينية ,ولكن ليس بمعزل عن عوامل ومتغيرات اقليمية ودولية والاهم هو تغيير التوازن الداخلي لصالح جبهة القوى الديمقراطية واليسارية والليبراليون والمستقلون , لكي تصبح النضالات الجماهيرية فاعلة ومؤثرة .

 

13-9-2012

 

 

 


 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter