|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  27  / 3 / 2017                                 داود أمين                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

ذكريات مسرحية من زمن كان مزدهراً

داود أمين
(موقع الناس)

أوائل سبعينات القرن الماضي، إزدهرت الحركة المسرحية العراقية، ضمن نهوض عام، لكل مفاصل الحركة الثقافية في العراق، فقد تأسست الجمعيات والنوادي الثقافية في معظم، إن لم يكن جميع محافظات العراق، ولعبت هذه الجمعيات والنوادي دوراً بارزاً، في تنشيط الحركة الثقافية، بجميع مفاصلها، فمهرجانات الشعر الشعبي لشعراء العراق، ومهرجان المربد الشعري، والمهرجانات المسرحية المنطقية والقطرية، والمعارض التشكيلية، والإحتفالات الموسيقية والغنائية، وغيرها من الفعاليات الثقافية، كانت طقوساً طبيعية تُمارس في مواسمها، وفي كل حين.

ولم تكن الناصرية بعيدة عن هذا المناخ العام، خصوصاً وإنها تتكأ على موروث ثقافي عريق، لذلك بادر مثقفو المدينة عام 1970، لتأسيس (جمعية رعاية الفنون والآداب) التي ضمت عشرات المبدعين، في مختلف الإختصاصات الأدبية والفنية، ومن خلال هذه الجمعية إزدهرت الحركة المسرحية، وبدأت أعمال المخرجين من أعضائها تتوالى، فقدم الفنان الفقيد (يقظان الدرويش) مسرحية (الرجل الذي ضحك على الملائكة) بعد أن عرقها عن نص مصري لمحمود دياب، وعرضت هذه المسرحية في الناصرية والشطرة وسوق الشيوخ، وكنت واحداً من ممثليها، ثم قدم المخرج حكمت داود مسرحية (في إنتظار اليسار) عن نص عالمي، تبعه المخرج صالح البدري بمسرحية (حفلة سمر من أجل 5 حزيران) لسعد الله ونوس، كما قدم المخرج عزيز عبد الصاحب مسرحية (أسياد الدم) تلاه المخرج بهجت الجبوري فأخرج مسرحية (الطقوس الأخيرة) وكنت أيضاً ممثلاً في جميع هذه المسرحيات، وتتابعت الأعمال المسرحية لمخرجين آخرين كراجي عبد الله وحازم ناجي ومهدي السماوي وعباس علاوي وكاظم العبودي وحميد البنا وحميد نذير وغيرهم.

البصرة هي أيضاً، لم تكن بعيدة عن مثل هذا النشاط، إذ تأسس فيها (نادي الفنون) الذي لعب دوراً بارزاً في تنشيط وتنظيم الحركة الثقافية، والمسرحية بشكل خاص، ليس في البصرة فقط، بل على مستوى محافظات المنطقة الجنوبية (أعني البصرة والعمارة والناصرية)، فقد نظم النادي مهرجاناً مسرحياً في شهر آذار من كل عام، تشترك فيه فرق عديدة من المحافظات الثلاث، وفي عام 1970 إشتركنا في عمل مسرحي عنوانه ( المغني) من تأليف الفقيد قاسم دراج، وقد مثلت الدور الرئيسي في العمل، وحصلت على الجائزة الثانية، كأحسن ممثل في المنطقة الجنوبية، في حين حصل الفنان البصري الفقيد طالب جبار على الجائزة الأولى.

وفي العام التالي 1971، شاركنا بمسرحية (ستربتيز) عن نص بولوني نشر في مجلة الهلال المصرية، للكاتب سلومير مروجك، وأذكر أني إعترضت في البداية على تقديم هذا النص، عندما قدمه المخرج صالح البدري لتجيزه الهيئة الإدارية للجمعية، التي كنت نائباً لرئيسها، ومسؤول لجنتها الثقافية، لأن النص المنشور، وكما قرأته في المجلة، ليس سوى حوار جاف بين شخصين جالسين إلى طاولة! لكن المخرج البدري أصر على تقديمه، وأقنعني واللجنة الثقافية بأن لديه رؤية جديدة لإخراجه، وعندما وافقنا أقنعني أيضاً، أن نتشارك هو وأنا في تمثيله! وبالفعل بدأنا البروفات لأيام قليلة جداً، ثم سافرنا لنشارك بالعمل، في المهرجان المسرحي السنوي لنادي الفنون في البصرة، مصطحبين معنا أخشاب الديكور والملابس والإكسسوارات الخاصة بالعمل، وعندما حلت اللحظة الحاسمة لتقديمنا، بعد العديد من العروض لمحافظتي البصرة والعمارة، كان الديكور قد تم تثبيته فوق خشبة المسرح، ويرمز لفتحة على شكل مستطيل تمثل الرحم، يتفرع منها فخذان مفتوحان على جانبي المسرح، ومن هذا المستطيل (الرحم) يخرج الممثلان، اللذان بديا مندهشين وهما يفدان عالماً جديداً لم يألفاه من قبل! ومع زمن العرض، بدأت مشاهد العمل تتوالى، ونحن، صالح وأنا، نواصل حوارنا الفلسفي، مجسدين فكرة إستلاب الإرادة في العالم الرأسمالي، حيث لا قيمة للإنسان، وتتحكم في حركاتنا ومسارنا يد، تظهر من خلف الديكور، تؤشر لنا وتتحكم في حركاتنا ومسارنا، (وكان القاص الفقيد محسن الخفاجي هو من يحرك هذه اليد) حتى أنها طلبت منا أن نخلع ملابسنا، وبالفعل كنا في نهاية العرض بملابسنا الداخلية !

الحقيقة أن العرض إستحوذ على إعجاب المشاهدين، الذين كانت تغص بهم القاعة، وخصوصاً المسرحيين منهم، وأذكر أن المخرج المسرحي عبد الأمير السماوي، صعد للمسرح بعد نهاية العرض وقال
(أنتم سابقين البصرة ب15 سنة بعملكم هذا !) وبالفعل كانت نتائج التقييم، بعد إنتهاء جميع العروض، هو فوز عملنا بالجائزة الأولى في ذلك العام، في الإخراج والتمثيل وكعمل متكامل، وأذكر أن الكاتب كاظم عيدان قيم العمل في مقال نقدي في جريدة (الجنوب) وأشاد بتمثيلنا المتميز.

وبعد عودتنا للناصرية، تم عرض مسرحية
(ستربتيز) على مسرح متوسطة الجمهورية، فلقيت نفس الترحيب والإستحسان الذي لقيته في البصرة. بعدها توالت أعمالنا المسرحية الأخرى بإسم الجمعية، فقدمنا مسرحية (سيرة أس) لبنيان صالح، ومسرحية (لويش وشلون وإلمن ؟) ليوسف العاني، والمسرحيتان من إخراج صالح البدري، وقد مثلت فيهما. وحين أصبحت الجمعية، ونشاطها الثقافي المتميز والمتنوع، شوكة في عيون السلطة، عمدت لإغلاق الجمعية بالشمع الأحمر، متعكزة على سبب واه ومفتعل.



 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter